ناقدة ليبية تحاضر حول الترجمة والعلاقة بالآخر

عمر أبو الهيجاء

 استضاف منتدى عبد الحميد شومان مساء أول أمس، الناقدة الليبية الدكتور فاطمة الحاجي لإلقاء محاضرة حملت عنوان: «الترجمة والعلاقة بالاخر.. أثر الترجمة على النص الشعري»، أدارها الروائي إلياس فركوح، وسط حضور من المثقفين والمهتمين. 

واستهلت د. الحاجي محاضرتها على أهمية ودور الترجمة في النهوض بالمجتمعات العربية، مشيرة إلى ان ما تشهده الأقطار العربية من تخلف عن ركب الحضارة في المنطقة العربية إلى أن الاقطار العربية في أدنى سلم الإهتمام بالترجمة بين دول العالم بحسب احصائيات اليونسكو، وأن اهتمام العرب بالترجمة في العصور الإسلامية الزاهرة جعلتهم في ذلك الوقت من أكثر الأمم تقدما، مبيّنة أن أقدم النصوص المترجمة هو «حجر الرشيد» والذي وجد مكتوبا بثلاث لغات هي الهيوغليفية والقبطية والاغريقية، وان اقدم التراجم التي عرفها التاريخ هي ترجمة النصوص الدينية لدى السومريين، وان اقدم مدرسة للترجمة هي مدرسة الخطيب الروماني شيشرون.

وأكدت د. الحاجي أن الترجمة وتعريب المعارف هما الدافع الأساسي لتحفيز العقول وتفعيل العلوم والتطلع إلى الآفاق، كما أنها تلعب دور المحرض الثقافي الذي يدفع المبدع والباحث والعالم إلى عوالم جديدة يتسنى له فيها ان يبدع ويبتكر ويخترع، علاوة على أنها تلعب دورا مهما وحيويا في رسم العلاقة مع الآخر والوعي به للتواصل والخروج من المحلية إلى العالمية وبناء جسر معرفي ضروري مع ثقافة ذلك الآخر، اضافة إلى أنها عامل فعال في اثراء الهوية الثقافية.
وبيّنت د. الحاجي أن العرب من اقدم الامم التي سعت للترجمة منذ ظهور الاسلام لاسيما مع امتداد الرقعة الجغرافية للدولة الاسلامية وخصوصا في العصرين الاموي والعباسي، والذي بلغ اوجه في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد وولده المأمون حيث كانت بغداد من اهم مراكز الترجمة في مختلف العلوم على مستوى العالم وبوجود «بيت الحكمة» الذي كان منارا للعلم انذاك وترجمت مصادر عديدة من اللغات الفارسية والاغريقية والسريانية الى اللغة العربية، علاوة على ان صقلية والاندلس مثلتا اهم مركزين للترجمة عن اللاتينية، مشيرة الى انه في المقابل نشطت حركة الترجمة عن العربية الى اللغة اللاتينية في مدن ليون وبرشلونة وطليطلة في حقبة الاندلس.
وقالت: إن من أبلغ تجليات أثر الترجمة على الأدب العربي في زمننا المعاصر هو ظهور أجناس أدبية جديدة لم تكن معروفة في التاريخ العربي القديم ومنها فنون الرواية والمسرح والشعر الحديث، وكما خلال محاضرتها استحضرت اشكالية الترجمة في الوطن العربي، مشيرة إلى أن أهمية الترجمة تكمن من خلال ربطها بين بني الإنسان في مختلف بقاع الأرض، وتحفظ التراث العالمي من الضياع والإندثار مثلما تمثل نافذة فكرية ومدخل حضاري يضمن المزيد من التواصل مع الذات ومع الآخر في كل مجالات نشاطه الفكري لتنتج معرفة جديدة.
وكما استحضرت د. الحاجي بعض الأمثلة عن وتجليات الترجمة في مزج الفكر الانساني، الأول منهما كتاب جبران خليل جبران «النبي»، الذي ترجم إلى 50 لغة في العالم، ومثل العلاقة المتبادلة مع الاخر والذات في تبادل المعرفة ومزجهما لإنتاج أعمال خالدة مثل هذا الكتاب، مبينة أن هذه العلاقة المتبادلة تمثلت بتأثر جبران بكتاب الأديب والفيلسوف الألماني نيتشه «هكذا تكلم زرادشت»، فكان لقاء منتجا بين الأنا والاخر حيث تضمن اللقاء ترجمة نصية وأخرى للافكار رغم الإختلاف ما بين الكتابين لاسيما في الأسلوب، إلا أنه امتلك هذا اللقاء ما يسميه النقاد «التعانق النصي».
وختم د. الحاجي عضو لجنة تحكيم جائزة البوكر للرواية العربية 2017، محاضرتها بالمثال الثاني الذي تحدثت عنه والذي تمثل بأثر ترجمة الأسطورة في الأدب وخصوصا الشعر، إذ أن الاسطورة خلقت مجالا فكريا مختلفا في الأدب تمثل بتجلي الأفق الرمزي والمجازي، مشيرة إلى قصيدة كتبها الشاعر التونسي محمد الجديد وتمتلك خصائص القصيدة السردية والتي لا تعتمد على الإيقاع ويمكن التحليق في فضائها الشعري ويتقمص الشاعر فيها شخصية الأمير «اكيتون»، وآلهة الصيد «ارتميدا»، من الأسطورة اليونانية ولكن في أحداث مخالفة للاسطورة ويرسم ملامح قصة أخرى لزمن اخر حيث يستحضر تلك الأسطورة ويفككها ويعيد تشكيلها برؤاه المختلفة.
 

الدستور