مَهَارةُ الكِتَابة ذاكرة الشّعوب والأفراد

د. نوال بنت سيف البلوشية

 

  رغم اختلاف الحضارات وتنوعها، تبقى الكتابة العربيّة محط أنظار الباحثين والدّارسين المهتمين بمهارات اللّغة الأربع وقد حافظ النّصّ العربيّ بحرفه على رونقه الحضاريّ؛ سواء أكان على مستوى استعماله الرّمزيّ أو التّعبيريّ بين الأسطر والكلمات. واختراع الإنسان لصناعة الكتابة هي ترجمة عن التّقدّم الفكريّ والرّوحيّ؛ لذلك عُدّت الكتابة في مختلف أحوالها مظهر من مظاهر الحضارة الإنسانيّة؛ أيّ لا يمكن تصوّر نشأتها إلا في ظلّ حضارة إنسانيّة لها مراحلها وتطوّراتها.

فقد عُرّفت مهارة الكتابة  عند السابقين بصناعة الخطّ؛ أي صناعة رسم الكلام المنطوق على ما يُؤديه ( صقر: 2002، 53). و عرّف ابن منظور ( 2015)- في معجمه لسان العرب- لفظة الخطّ بأنّها: الكتابة
 ونحوها ممَّا يُخطُّ.
وتعدّ الكتابة هي المهارة الرّابعة من حيث التّرتيب بين مهارات اللّغة العربيّة الرّئيسة . ويمكن تعريفها إجرائيًّا 
بأنّها التَّعْبِير الكتابيّ، " وهي مثل  القراءة  مهارة مُرجأة؛ لأنّها تتطلّب نضوجًا عضويًّا: حسيًّا حركيًّا، وعقليًّا
 متأخرًا نسبيًّا.  وتعلّمها يتم مثل القراءة ضمن إطار مدرسيّ منظم ومبرمج، على خلاف مهارتي الاتصال
 الشّفويّ والاستماع اللّتين يتعلّمها الفرد قبل سن المدرسة" (عمَّار:٢٠11).

وتتمثل أهمّيّة مهارة الكتابة في أنّها؛ ذاكرة الشّعوب والأفراد، إذ أنّها تحتفظ بخلاصة فكر الأمّة وتراثها،
وتصونه من الضّياع، كما أنّها وسيلة من وسائل حفظ الحقوق، وقد بيّن ذلك ربّ الْعِزَّة في كتابه الكريم،
 حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ) البقرة: ٢٨٢ (الغامدي، والزّهراني: 2014).
كما تعمل الكتابة على تعزيز الرّوابط الفكريّة والاجتماعيّة، بين أفراد الأمّه الواحدة والأمم الأخرى على حدٍ
 سواء. ولما كانت اللّغة المكتوبة تفتقد إلى المستوى الصّوتيّ الَّذِي يحمل في طياته أبعادٍ دالة كالتّنغيم؛
 أصبح من الضّروريّ استعاضة النّظام الكتابيّ عنه بالتّرقيم ( السّايج وعاشور:٢٠١٤).

و تعدّ مهارة الكتابة شكلٌ أساسيّ من أشكال حلّ المشكلات المختلفة، ومناقشتها  في مجالات الحياة أجمع 
سواء أكانت سياسيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو  علميّة؛ لأن الكتابة تتحقق من خلال مجموعة من
 الفكر، الّتي يتمّ تنظيمها بصورة منطقيّة متسلسلة؛ تُترجم مجموعة من المفاهيم المراد توصيلها للمجتمع
 والأفراد. ولا يكون ذلك إلا من خلال معرفةٍ واسعةٍ ومتنوّعةٍ للموضوع أولاً، ولمهارات الكتابة ثانيًا، أيّ
 كان نوعها؛ وظيفيّة – الرّسالة الرّسميّة، المقال، التّقرير، السّيرة الذّاتيّة، محضر اجتماع... -، أو إبداعيّة
- القصّة، الرّواية، المسرحيّة، الشّعر، الخواطر...- .

ولكلّ نوع من أنواع الكتابات الإنشائيّة سواء أكانت وظيفيّة أو إبداعيّة لها سمات فنيّة معينة يجب على 
الكاتب مُراعاتها، وفي هذا المقام نحن سنعرض أهم السّمات العامّة الّتي تمييز كلٍّ من الكتابات الإنشائيّة
 والكتابات الوظيفيّة. فقد تتسم الكتابات الوظيفيّة بالموضوعيّة في عرض الفِكر ؛ بهدف الإقناع أو التّوضيح
 أو الإثارة، وتمتاز طولها بالاعتدال، كما تتسم لغتها بالسّلاسة والوضوح، بعيدًا عن الآراء الشّخصيّة؛ أيّ
 يغلب عليها الأسلوب العلميّ في عرض الفكر ونتائجها. أمّا الكتابات الإبداعيّة تتسم بوضوح شخصيّة 
الكاتب فيها، ويشع فيها الأسلوب الأدبيّ الأخّاذ الّذي يعج بالصّور الخياليّة والبيانيّة.

وقد اهتم علماء اللّغة في تصنيف الكتب الّتي تضمنت شروط الكتابة و معاييرها وأوقاتها وأهميتها وفوائدها
 وأنواعها، ومن هؤلاء ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب، وأبو هلال العسكريّ في كتاب الصّناعتين، وابن 
الأثير في كتاب المثل السّائر في أدب الكاتب والشّاعر .

 الخاتمة
نستنتج مما سبق:
- تعدُّ الكتابة مظهرٌ من مظاهر الحضارة الإنسانيّة؛ أيّ لا يمكن تصوّر نشأتها إلا في ظلّ حضارة إنسانيّة لها مراحلها وتطوّراتها.
- الكتابة هي المهارة الرّابعة من حيث التّرتيب بين مهارات اللّغة العربيّة الرّئيسة ويمكن تعريفها 
إجرائيًّا بأنّها التَّعْبِير الكتابيّ.
- تعمل الكتابة على تعزيز الرّوابط الفكريّة والاجتماعيّة، بين أفراد الأمّه الواحدة والأمم الأخرى على 
حدٍ سواء.
- تتمثل أهمّيّة الكتابة في أنّها ذاكرة الشّعوب والأفراد، إذ أنّها تحتفظ بخلاصة فكر الأمّة وتراثها، وتصونه من الضّياع، كما أنّها وسيلة من وسائل حفظ الحقوق.
- تتنوّع الكتابات الإنشائيّة إلى نوعين أساسيين؛ وظيفيّة وإبداعيّة،  ولكلّ نوع من أنواعها سمات فنيّة معينة يجب على الكاتب مُراعاتها.

- اهتم علماء اللّغة في تصنيف الكتب الّتي تضمنت شروط الكتابة معاييرهاوأوقاتها وأهميتها وفوائدها وأنواعها، ومن هؤلاء ابن قتيبة ، وأبو هلال العسكريّ.  
المراجع

ابن منظور، معجم لسان العرب، موقع الوراق http://www.alwaraq.net/LisanSearchutf8.htm تاريخ الاسترجاع 2-5-2017.
أبو دحروج، إ. ن.، و أبو شقير، م. س. (2016) . فاعلية برنامج قائم على المنحى التكاملي في تنمية بعض مهارات الكتابة لدى طالبات الصف الثالث الأساس بغزة (رسالة ماجستير غير منشورة). الجامعة الإسلامية (غزة)، غزة. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/738272

تميم، ر.، كنعان، أ. ع.، و طعيمة، ر. أ. (2004). فاعلية برنامج مقترح لتنمية مهارات الكتابة في بعض مجالات التعبير الابداعي عند طلبة المرحلة الثانوية: دراسة تجريبية في المدارس الثانوية الرسمية في مدينة دمشق (رسالة دكتوراه غير منشورة). جامعة دمشق، دمشق. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/574122

السايج، ت. ع.، و عاشور، ر. ق. (2014) . أثر استراتيجيتي الألعاب اللغوية وسرد القصة في تحسين مهارات الكتابة الإبداعية لدى طالبات الصف التاسع الأساسي في الأردن (رسالة دكتوراه غير منشورة). جامعة اليرموك، إربد. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/724728
صقر، مُحَمَّد جمال.( ٢٠٠٢). مهارة الكتابة عند طلاب قسم اللّغة العربيّة المعلمين. مجلة كلية الآداب، جامعة

عمّار، سام (2011). محاضرة في نظريات المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية. (مذكرات غير منشورة)، كلية التّربية، جامعة السلطان قابوس.

الغامدي، ص. ب. ع. ب. غ. ا. آ. د.، و الزهراني، م. ب. غ. ا. (2014 ). فاعلية استراتيجية قائمة على التعلم بالمشروعات في تنمية مهارات الكتابة الوظيفية لدى طلاب كلية الجبيل الجامعية واتجاهاتهم نحوها (رسالة دكتوراه غير منشورة). جامعة أم القرى، مكة المكرمة. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/649098
القلقشنديّ، أحمد (1922). صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، القاهرة، دار الكتاب المصريّة. ط1. ج1.ج2. 
المنصورة. العدد ٣٠، ٥٢-١١١.
الناصر، ز. ب. ع.، و صالح، ه. ب. م. إ. (2015.)  تقويم مهارات الكتابة لدى تلاميذ الصف السادس الابتدائي (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة القصيم، القصيم. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/726988