د. إكرام المصمودي أستاذة اللغة العربية والأدب في جامعة دلوار الأميركية

شاكر الأنباري

 

مشهد العنف هو المُسيطر في الرواية العراقية

هي باحثة في جامعة دلوار الأمريكية، نشأت ودرست في تونس وفرنسا حيث حصلت على درجة الدكتوراه في اللسانيات والأدب الفرانكوفوني، ودرّست في جامعات  Aix en Provence في فرنسا، ثم تنقلت بين جامعات عديدة في  الولايات المتحدة. تهتم د. إكرام المصمودي بالترجمة أيضاً، وتركز أبحاثها على الرواية العربية المعاصرة، وبخاصة العراقية.

إذ خصتها بكتاب كامل صدر في أميركا باللغة الانكليزية وحمل عنوان الحرب والاحتلال في الرواية العراقية :
War and Occupation in Iraqi Fiction, Edinburgh University Press, 2015
كما صدرت لها ترجمة باللغة الإنكليزية لرواية ما بعد الحب للكاتبة العراقية هدية حسين: 
Beyond Love, Syracuse University Press, 2012. 
وهي الآن بصدد كتابة بحث عن العنف والهجرة في الرواية العراقية. 
خلال زيارتها القصيرة إلى كوبنهاغن، كان معها هذا الحوار: 
* كيف بدأ لديك الاهتمام بالرواية العراقية؟
- بدأ اهتمامي بالرواية العراقية قبيل عام ٢٠٠٣ بقليل عندما جئت الى الولايات المتحدة وبدأت أدرّس في جامعة برنستن Princeton University، في تلك الفترة بدأت أقرأ بعض الاصدارات الجديدة بالصدفة: قرأت رواية بتول الخضيري "كم بدت السماء قريبة" ودعوتها الى الجامعة لتقرأ من روايتها. وقرأت أيضاً رواية هدية حسين "ما بعد الحب" التي صدرت وقتها، وانخرطت في مشروع ترجمتها الى اللغة الانكليزية، والتي نشرتها فيما بعد دار سيراكوز الجامعية . هكذا بدأت. أثارت اهتمامي كتابات نساء عراقيات أخريات: مثل أنعام كاججي واقبال القزويني وهيفاء زنكنة وغيرهن. بعد ذلك بدأت أهتم بما يكتبه الروائيون العراقيون عن ثيمة الحرب والاحتلال، بداية من حرب الثمانينات حتى حرب ٢٠٠٣  والاحتلال الأمريكي للعراق لاحقاً.
* عادةً ما تركزين في أبحاثك على تجليات الحرب والاحتلال في الرواية العراقية المكتوبة بعد 2003، ما أهمية هذه الموضوعة للطالب الأميركي أو الوسط الأكاديمي الأميركي؟
-  هذا الموضوع مهم بالنسبة للطالب الأمريكي، كون هذه الروايات تقدم وجهات نظر مختلفة، وتعطي فكرة للطالب الأمريكي عن تصورات الإنسان العراقي ومعاناته وتجربته،  وهذه كلها من منظور مختلف، منظور المثقف و الروائي العراقي، ولذلك عادة ما يكون هناك إقبال على مثل هذه الصفوف التي تهتم بكتابات المرأة العراقية، وعن المرأة العراقية عموماً. هناك أيضاً اهتمام بكيفية تعامل الكتاب العراقيين مع واقع الاحتلال لبلدهم، وظاهرة العنف،  وكيف نقلوا تلك التجارب إلى الرواية. هذه الأصوات ووجهات النظر المختلفة تثير تساؤلات الطلاب الأمريكيين. ولكن طبعاً للأسف هناك فقط القليل من الروايات المترجمة والتي ممكن أن تصل إلى القارئ أو الطالب الأمريكي، ولا يزال الكثير من الاصدارات بحاجة الى ترجمة. فمثلاً معظم النصوص و الروايات التي اعتمدتها في بحثي عن الحرب و الاحتلال في الرواية العراقية هي متوفرة فقط باللغة العربية وفي انتظار الترجمة.
* واقع ترجمة الإبداع الروائي العراقي إلى الانكليزية...
- وهذا يأخذنا إلى واقع ترجمة الإبداع الروائي العراقي إلى الإنكليزية: ليس هناك كثير من النصوص المترجمة. وفي الحقيقة لم تبدأ عملية ترجمة روايات عراقية إلا حديثاً، في العشر سنوات الأخيرة. غالباً ما كان الإبداع المصري يستقطب اهتمام المترجمين، وكذلك ينبغي أن لا ننسى أن الترجمة عمل صعب ويأخذ وقتاً،  وفي نفس الوقت بالنسبة للأكاديميين الترجمة ليس لها نفس الثقل الأكاديمي بالنسبة للباحث. وحالياً معظم المترجمين هم عرب، اللغة العربية لغتهم الأم ولذلك نحتاج أيضاً الى أن يهتم القراء الأجانب بترجمة هذا الإبداع إلى لغات كثيرة و ليس فقط الإنكليزية. 
* تظل ترجمة الإبداع العربي عامة، والعراقي خاصة، حاجة أكاديمية ربما أكثر مما هي حاجة وسط ثقافي عام في أميركا، واقع ترجمة الإبداع العربي إلى الإنكليزية في أميركا هل ينحصر بجهود فردية أم تتحكم به آليات النشر السائدة؟
- هذا صحيح ترجمة الابداع العربي عامة والعراقي خاصة حاجة أكاديمية ربما أكثر مما هي حاجة وسط ثقافي عام في أميركا، وأظن أن معظم مبادرات ترجمة الإبداع العربي والعراقي هي تلبية لحاجة واهتمام أكاديمي. كثير من المترجمين اليوم هم أساتذة في الجامعة مثل ياسمين حانوش وسنان أنطون (يترجم رواياته فقط) وغيرهما، وهناك ترجمة تأتي كمبادرات فردية لأشخاص يحبون الأدب ويكرسون وقتهم له. لا أظن أن آليات النشر السائدة تتحكم بالترجمة.
* لديكِ اطلاع جيد على خارطة الرواية العراقية الحديثة، هل تلمست فروقات نوعية بين الرواية المكتوبة من قبل كاتبات عراقيات والرواية المكتوبة من قبل  كتّاب عراقيين؟
- نعم بالتأكيد هناك فروقات بين الرواية العراقية المكتوبة من قبل كاتبات عراقيات والرواية التي يكتبها الكتاب. تركز الكاتبات على تجربة المرأة للعيش تحت زمن الدكتاتورية،  وفقدان الحرية وتجربتها للعنف والوحدة بعد فقدان شريكها في الحروب. التركيز في هذه الروايات بشكل خاص على التجربة الخاصة للمرأة، وعلى داخلها المهزوز ككيان هدّه تتالي العنف في المجتمع العراقي واضطرت لأن تعوّل على نفسها وتواجه واقعها الجديد. ولكن في نفس الوقت كتابات النساء هي أيضاً شهادات عما عاشه الرجل العراقي من تغييب في السجون وتجنيد للحروب وقتل. في كتابات المرأة شهادات عن تجاربهن وأيضاً عن تجارب الرجل المغيب سواء كان زوجاً أو أخاً أو أباً، وهنا تحضرني رواية هيفاء زنكنة  “نساء على سفر” ورواية هدية حسين “ما بعد الحب “. في كتابات الكتاب هناك نظرة أكثر شمولية ومحاولة أوسع  لفهم ما يحدث بشكل عام للإنسان العراقي ككائن مهدد مسحوق، ودمه مباح. وهناك مواضيع أو ثيمات تبدو موجودة عند الكتاب فقط مثل الكتابة عن موضوع الهارب من الحرب: أظن حسب معرفتي لم تكتب روائية عراقية واحدة عن هذه الثيمة التي تداولها نصيف فلك في روايته “خضر قد والعصر الزيتوني” و علي بدر في “أساتذة الوهم” و جنان جاسم حلاوي في “دروب و غبار” وشاكر الأنباري في رواية  ”أنا ونامق سبنسر”. هناك أيضاً مواضيع السجون  العنف و التفجيرات، يبدو أنه اختص فيها الكتاب أكثر من الكاتبات العراقيات.
* ما هي الثيمات الشائعة التي تتردد عادةً في الروايات العراقية التي قيض لك الإطلاع عليها؟
- من الثيمات الشائعة: موضوع الهارب من الحرب كمقاربة جديدة لتجربة الحرب العراقية - الإيرانية. وهذا لم يكن ممكناً من قبل، ويختلف طبعاً عن الكتابات التي شاعت في سنوات تلك الحرب. نجد أيضاً موضوع التنديد بالاحتلال الأمريكي و ما سببه من خراب و فساد و تمزيق للمجتمع العراقي، وبشكل عام يبقى مشهد العنف مسيطراً على الكتابة كما على المجتمع. كذلك عند الكتاب الذين يعيشون في المنفى و يكتبون من هناك، نجد موضوع معاناة المنفي العراقي و الخوف الذي يهيمن على الإنسان المنفي كفرد ممزق بعيد عن الوطن. موضوع خيبة الأمل في التغيير، والفساد المنتشر في المجتمع، و ما سببه الاحتلال من خراب، هذا أيضاً موضوع يهيمن بشكل كبير في روايات مثل “نجمة البتاويين” لشاكر الأنباري و“هواء قليل” لجنان جاسم حلاوي.
* هل لمست أن الرواية العراقية أضافت شيئاً ما للرواية العربية المعاصرة ومن أيّ باب؟
- خلال فترة الثمانينات نُظر إلى ما كان يُكتب آنذاك في العراق على أنه أثرى الرواية العربية ومدها بشخصيات قوية و شجاعة على عكس الشخصية المهزومة لما بعد ٦٧ والتي انعكست في الرواية العربية . طبعاً هذه كانت نظرة الكتاب و النقاد آنذاك أمثال جبرا ابراهيم جبرا وعبد الستار ناصر وغيرهما ممن تناولوا ذلك النتاج سواء كتابة أو نقد. الآن نستطيع القول إن الرواية العراقية التي تُكتب اليوم هي طليعية بما ترصده و تدوّنه من تواصل وامتداد لتجليات العنف في البيئة العراقية بشكل خاص والعربية بشكل عام. 
* لديك تواصل جيد مع عدد من كتاب الرواية العراقيين المقيمين في الخارج هل تتملكك رغبة للإطلاع على تجارب الروائيين العراقيين داخل العراق والإطلالة على خلفيات البيئة المنتجة لذلك الإبداع، مشتملاً على زيارة بغداد ولقاء مبدعيها؟
- نعم أتمنى أن أذهب إلى العراق وألتقي بأصدقائي الكتاب العراقيين الذين أتواصل معهم فقط عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الكاتب عبد الكريم العبيدي و نصيف فلك و أحمد السعداوي وناظم العبيدي. أردت أن أذهب في سنة ٢٠١٢ و للأسف لم أحصل على رد لمطلب التأشيرة من السفارة العراقية بواشنطن، والآن أحمل جوازاً أمريكياً ومن الممكن أن أسافر إلى هناك كي أطلع على خلفيات البيئة التي يكتب عنها المبدعون العراقيون.
 

المدى