الهريس: الشعر الحقيقي يعلي من قيمة الأرض والإنسان

 

«أحببت الشعر مبكرا، بيد أنني كتبته بعد أن تجاوزتُ الستين، وإنني لأشكر الظروف التي دفعتني لنظم القريض، لأكتشف ما خمَّر الدهرُ في نفسي من مشاعر وأحاسيس، بخاصة فيما أصاب أمتي العربية من أحداث جسام في السنوات الأخيرة، فأسلط الأضواء على أحداث الحياة في كل الوجوه الاجتماعية التي تتفاعل مع الزمن المتقلب، من خلال حس إبداعي مبني على قواعد الأسلاف، لأرى بعيونهم الراهن المعيش». تلك هي الأرضية التي ينطلق من خلالها الشاعر الإماراتي نايف الهريس، محلقا في فضاء الشعر.

ويقول الهريس، في حوار مع «الدستور»، وهو الذي أصدر خمسة دواوين شعرية، وشارك في عدد من الأمسيات والمهرجانات في الأردن، إن اللغة العربية ليست أداة تواصل فحسب، وإنما هي هوية جمعية، ومن الأهمية بمكان إبراز جمالياتها، والتحلق حول النماذج الإبداعية المتميزة في تاريخنا العربي، في محاولة للنهوض واللحاق بركب الحضارة والتطور. 
ويؤكد الهريس، الذي ولد في مدينة بيسان في فلسطين عام 1942، وأكمال دراسته الثانوية في الأردن عام 1960، قبل أن يستقر في دبي منذ العام 1963، أهمية الموروث العربي والإسلامي، وأهمية التواصل المستمر من قبل المبدعين وغيرهم مع ذلك الموروث، وفي هذا السياق يقول الهريس: القصيدة العمودية هي عنوان الأمة العربية، وكلّما تراجعت ضعفت الأمة، والشاعر الحقيقي لا يستصعب أي بحر من الشعر، ذلك أن قوة الشاعر لا تظهر إلا في العمودي، وقد كتبت الشعر على بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي، قبل أن أكتبه على تلك البحور المهجورة التي كان يكتب عليها أبو العتاهية، فعملت على إحيائها من جديد، قبل أن أخترع بحرا شعريا جديدا أسميته «البيسان»، نسبة إلى المدينة التي ولدت فيها في فلسطين، وبين يدي مخطوط شعري جاهز للنشر كتبته على هذا البحر.
ويذهب الهريس إلى أن «القصيدة العمودية هي أساس الشعر والأدب، لأنها تملك الموسيقا والوزن واللغة، وعمق النظر، وقوة تفكير الذي يكتب»، أما قصيدة «التفعيلة ففيها جمال، وهي أقرب إلى العمودي، وما خرجت عن التفعيلات العروضية، ولكنها سهلت على الكاتب قدح زناد فكره، وهذا إنما يدلّ على ضعف القريحة». أما «القصيدة الحداثية، فأعتقد أنها هجوم على الأدب الصحيح، وأستغرب لمن يصنفونها شعراً، فإن لم يكن هناك بدّ أن توضع في مجال الأدب فلتأخذ اسماً آخر غير كونها شعراً، فالشعر عند العرب ما ينبت من الشعور الموزون المقفى».
ويضيف الهريس: «أتمنى على الشعراء الالتزام بالنص الفصيح؛ لأنه الدعم الحقيقي للغة العربية وتراثنا الإسلامي ومستقبلنا، والشاعر يجب أن يكون مؤمناً بلغة الضاد، وأخلاقياتها، وفنياتها. وللمعادلة السحرية أربعة عناصر: الابتكار والتفكير والحب والتركيز». 
ويذهب الهريس إلى أهمية التجريب ليس في الشعر وحده، بل «في حقول الحياة المتنوعة، لذلك جربتُ في العمارة والبناء والصناعة والتصميم والتجارة والشعر الذي كتبته وأنا في عمر (64) سنة، أكتب على البحور الصعبة والنادرة، مثل: (المنسرب/ المستطيل)، ولذلك لقبني أحد النقاد بـ(أبو العتاهية المعاصر)».
ويحرص الهريس على التجوال في فضاءات الوطن العربي فيما يكتب من قصائد، متتبعا تلك القيم الإنسانية التي تعلي من قيمة الأرض والإنسان، والموروث، ونتتبع رؤية الشاعر لهويته العروبين من خلال قصيدة له بعنوان «هوية الانتماء» وفيها يقول: «هويتي هيئة الإنسان في جسدي/ فِلْذاتُها بي كابْن شقّ من كبدي. تستشخص الأرضَ في عيني فتدفعني/ كي أعتلي رابيات النفس للأبدِ. فما ظمئتُ وجلد الأرض ينعشني/ يسقي سمات الوفا للنفس بالجلدِ/ ما تاه قوم ووصل العِرق جمّعهم/ في ألفة روحها طابت على الحَشَدِ».
ويرى الهريس أن «المشهد الثقافي في عمّان كأي مشهد ثقافي آخر، يعاني من أنانيات بعض الشعراء، وخاصة إذا كان مسؤولاً؛ لأنه لا يعطي الفرصة لبعض الناس المتميزين، وهي معاناة عامة في وطننا العربي بشكل عام، علماً بأن هناك شعراء في الأردن يستحقون أكثر مما هم عليه».
ويخلص الهريس إلى تقديم (نصيحة) لكل إنسان، مفادها: «أن لا يحزن ويحرق نفسه؛ لأنه لا عقارب للرجوع، وعلى الوعي أن يتجاوز الأشياء المادية وألّا يصيب المعنويات بمكروه، وأن يجرب..، هكذا علمتني الحياة».
الهريس نفسه كان أصدر خمسة دواوين شعرية هي: «سلام على البردة» 2014، و»سواقي المطر» وقد تم عرض الديوان في مداخلة أدبية في المؤتمر الدولي الرابع للغة العربية الذي يعقد بإمارة دبي، سنة 2015، وديوانه الثالث «المسبار» والذي نوقش أيضاً، بنفس المؤتمر للعام 2016، و»لا تسألني من أنا (فالشعر جواب)»، و»أسير الموج».
 

الدستور