أزمة المدارس التجريبية.. آمال إحياء اللغة العربية ومخاوف تكريس الطبقية

 

«ظاهره الرحمة.. وباطنه العذاب».. بتلك الكلمات، اختزل «محمود مصطفى» أحد أولياء أمور الطلاب الدارسين بالمدارس التجريبية توصيفه لقرار وزير التعليم تحويل الدراسة في المدارس التجريبية (اللغات الرسمية) إلى اللغة العربية حتى نهاية المرحلة الابتدائية، مبديا تأييده الكامل لتعريب مناهج الدراسة، واعتراضه على منهجية التطبيق.


وكان وزير التربية والتعليم، «طارق شوقي»، قد أصدر قرارات تعديلية على نظام التعليم، وتضمن دراسة مواد العلوم والرياضيات باللغة العربية في المرحلة الابتدائية في جميع المدارسة اللغات الرسمية (التجريبية)، بعد أن كانت الدراسة فيها باللغة الإنجليزية.

 
«القرار وضعنا في عذاب على المستوى المادي والروحي أيضا؛ فأنا عاشق اللغة العربية ودارسها وابنها لم أكن أتصور يوما أن أقف موقف المعارض للدراسة بها.. لكن القرار لا يعني إحياء اللغة العربية، وإنما تكريس الطبقية».. هكذا يعلق «مصطفى» على القرار.


يوضح الباحث في التاريخ مقصده بالقول: «المشكلة أن التعريب ليس كاملا، فكيف يدرس أبناؤنا المواد العلمية باللغة العربية أولا، ثم يعيدون دراستها من مستوى أعلى باللغة الإنجليزية، هذا يعطي أفضلية لأبناء مدارس اللغات الذين درسوا منذ البداية باللغة الإنجليزية.. ما يعني تكريس الطبقية».
 
ويواصل: «أنا مؤيد للتعريب الكامل لمناهج الدراسة كلها، حتى يتخرج طالب الطب أو الهندسة والصيدلة وهو يدرس كل مواده باللغة العربية، كما يحدث في بعض الدول العربية، لكن ما يحدث أن أبناءنا يدرسون باللغة العربية حتى الثانوية، ثم يدرسون في الجامعة بلغة مختلفة لم يتعدوا عليها كلغة دراسة، وهو ما يعني تفوق أبناء الأغنياء الذين درسوا في مدارس اللغات منذ البداية.. قرار الوزير يعيد التجربة ولكن حتى المرحلة الإعدادية في المدارس التجريبية».

«فاطمة محمد»، والدة 3 طلاب بالمدارس التجريبية التجمع الأول، بدورها لفتت إلى الانقسام الذي سيحدثه ذلك القرار بقولها: «ابنتي الكبرى في الصف الخامس الابتدائي بالمدرسة التجريبية، وأخوها الأوسط في الصف الثاني الابتدائي، والأصغر في (رياض الأطفال) KG2».
 
وتابعت: «معنى هذا القرار أن ابنتي الكبرى تتمتع بتعليم لغات، بينما أخواها لن يكونا كذلك، يعني أظلمهم وأخليهم أقل من أختهم؟».

وأضافت: «الحل هو أني أدخلهم مدارس لغات خاصة، وبكدا لازم أحول لأختهم علشان تبقى معاهم وعلشان ما أظلمهاش هيا كمان، وبكدا هيكون عليا إني أدفع حوالي 35 ألف جنيه في السنة.. أجيبهم منين؟».

العقبة المادية أيضا كانت الشاغل الأول لـ«إيمان علي»، لأنها كانت تتمنى لو أنها استطاعت توفير تعليم باللغات لأبنائها: «عندما درست في كلية الهندسة، كان زملائي الذين درسوا في مدارس اللغات أفضل وأسرع منا لأنهم درسوا باللغة الإنجليزية، بينما كنا نواجه صعوبة الترجمة وفهم اللغة قبل المعادلة أو مضمون المادة والشرح وهو ما كان يعني أن الصعوبة مضاعفة علينا».
 
وتضيف: «قررت أن أجعل أبنائي يتلقون تعليما باللغات حتى لا تتكرر معاناتهم، ولما كانت مصاريف المدارس الخاصة باهظة، كان المدارس التجريبية هي أملنا، لكنه أمل بخره الوزير بقراره الأخير».
 

لكن المشكلة ليست أمام الطلاب الراغبين في الكليات العملية فقط، هكذا يؤكد «عبدالرحمن أحمد»، حيث أشار إلى أنه حتى أبناء الكليات الأدبية يتخرجون إلى سوق العمل فيفاجؤون بأن كل الوظائف تتطلب اللغة أو تفضلها.
 
ويقول: «إذا لم تكن معك لغة فعليك أن ترضى بالوظائف الدنيا، وأن تكون في آخر الطابور، وربما خارجه أصلا».
 
ويؤكد ذلك متابعا: «صاحب اللغة الأجنبية الآن يستطيع استخدام التكنولوجيا بشكل أفضل، والتواصل مع العالم، ومطالعة الصحف الأجنبية، والحصول على وظائف ربما بالخارج وربما منح دراسية».
 
ويستدرك: «أما غيره فهم من طبقة أقل.. طبقة أبناء الفقراء والمهمشون، حتى لو كانوا خريجين جامعيين أو أذكياء.. لكنهم منبوذون على حافة المجتمع، يعانون من أمية من نوع خاص، أمية اللغة».
 
ويلتقط صديقه، الذي رفض ذكر اسمه، منه طرف الحديث قائلا: «هكذا يريدنا الوزير بقراراته.. معاك فلوس علم ولادك.. ممعكش خليهم عبيد، دي ردة عن مجانية التعليم».
 
ويتابع بالقول: «المشكلة إن أي حد معترض هيقولوا عليه إخوان.. امبارح كانت الجرايد كاتبة إن المعترضين على قرار الوزير هما الإخوان المستفيدين من سبوبة التعليم؟! قول لي ازاي.. طيب ما القرار دا كدا بيفيد مدارس الإخوان بعد ما هنضطر نخرج ولادنا من التجريبي ونوديهم لمدارسهم اللغات». 

لكن «أسامة السيد» لا يتفق مع هؤلاء، إذ يرى أنه تعلم في مدرسة حكومية عادية وتخرج، وهو يعمل الآن، وكذلك أدخل أبناءه مدرسة حكومية عادية، ويأمل أن يسيروا على نهجه.. يتخرجون ويعملون.
 
ويضيف «أسامة»: حاسس إن الأهالي مكبرين المشكلة.. كلنا اتعلمنا في مدارس حكومية وعشنا واتخرجنا، وما درسناش إنجليزي غير في إعدادي، إيه الجديد؟ ولادنا كمان هيتعلموا كدا، ما يلغوا التعليم باللغات واللا يخلوه.. إيه الفرق.
 
لكنه بسؤاله عما إذا كان بعد دراسته يتقن اللغة الأجنبية أو يشعر بالمساواة بينه وبين الدارسين باللغات الأجنبية من خريجي نفس كليته (تجارة بنها) أجاب قائلا: «بالتأكيد فيه فرق».
 

 

مصر العربية