الصحافة العربية بالسنغال.. انتشار متزايد بإمكانات محدودة

أ. محمد الأمين

 


بلغة عربية فصيحة، وبمسؤولية كبيرة يستقبل رئيس مجلة "المسيرة" التابعة للحكومة السنغالية السيد أحمد منصور سيسي زوارَه في مكتبه الجميل وسط مباني وزارة الإعلام بقلب العاصمة دكار.
مجلة "المسيرة" إحدى أهم وسائل الإعلام المكتوبة الصادرة بالعربية في السنغال، تضاف إليها وسائل إعلام أخرى صادرة باللغة العربية في هذا البلد الأفريقي كمجلة "الصحوة" ومجلة "الأمة" الخاصتين، بالإضافة إلى قنوات محلية تخصص جزءًا مهما من برامجها للبث بالعربية ويتابعها جمهور كبير قد يبلغ 40% من المواطنين الذين يفهمون العربية، كما يقول مدير تحرير "المسيرة".

نصف قرن من الأداء
يقول سيسي للجزيرة نت إن بواكير الصحافة السنغالية الناطقة بالعربية بدأت منذ فترة الاستعمار أو ما قبله نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان الحكام الفرنسيون يتقربون لقادة المجتمع باستصدار منشورات وجرائد بالعربية لمعرفتهم بمدى انتشار العربية وقوة تأثيرها، لأن السنغال أرض الإسلام واللغة العربية. وكانت هناك مجلة تصدر بالعربية في سان لوي أيام المستعمر مطلع القرن العشرين.

وبخصوص مجلة "المسيرة" التابعة للحكومة، يقول سيسي إنها بدأت الصدور منذ نصف قرن وتحديدا منذ 1967 حيث دشنها السيد مصطفى انياس مدير الأنباء بوزارة الإعلام حينها. وكانت تصدر قبل ذلك منذ 1962 تحت عنوان "السنغال الجديد"، وقد شهدت انتشارا واسعا ولها تأثير كبير في الساحة السياسية والاجتماعية، ويعمل القائمون عليها الآن من أجل تطويرها حيث تصدر منها آلاف النسخ شهريا.

رسالة للجمهور
ويقول الإعلامي السنغالي عبد الأحد امبيغ المدير العام لموقع "أخبار السنغال" إن الحكومة السنغالية تسعى من خلال تبني وسائل إعلام باللغة العربية وبث برامج بهذه اللغة في وسائل إعلام رسمية مثل الإذاعة والتلفزيون إلى تحقيق هدفين، أولهما التواصل مع جمهور عريض يفوق ثلث السكان يتكلم بالعربية، والثاني خلق جسر تواصل مع السلك الدبلوماسي العربي والجالية العربية في دكار، علاوة على التواصل مع الدول والشعوب العربية من خلال هذه الوسائل الإعلامية، وذلك لإيصال رسائل هامة تعكس السياسة العامة للنظام وتبرز أهم إنجازاتها.

 
وعن طبيعة الجمهور المستهدف أو المستقبل لرسالة الإعلام الناطق بالعربية، يقول امبيغ إنه عبارة عن خريجي المعاهد والمدارس العربية بالسنغال وهم عشرات الآلاف والنخبة الناطقة بالعربية، بالإضافة إلى الناطقين بالعربية ممن تعلموها في المدارس الأهلية التقليدية. 

وبحسب مدير المركز الإسلامي بدكار شارنو كاه الحبيب، فإن العربية في السنغال "هي اللغة الأولى دخولا وانتشارا إلى يومنا هذا"، ويؤكد على ذلك وزير التربية السنغالي الأسبق السيد أبادير تام بقوله إن 35% على الأقل من الشعب السنغالي يتكلمون اللغة العربية، وهناك من يرفع النسبة لتقارب نصف السكان.

بواكير الإعلام العربي
وقد بدأت بواكير الإعلام الناطق بالعربية بالسنغال مع استقلال البلد في أبريل/نيسان 1960 حيث أنشأ الوزير الأول حينها محمد ممادو جاه وزارة دولة (كتابة) للإعلام تابعة لرئاسة الجمهورية، وأنشأ بها قسما عربيا عام 1961، ثم طورها إلى وزارة للإعلام عام 1962 وأصدر أول مجلة باللغة العربية تحت مسمى "الأمة السنغالية" تحت رئاسة أول رئيس للبلد ليوبولد سيدار سنغور.

وإلى جانب الإعلام الرسمي المكتوب باللغة العربية، هناك برامج في التلفزيون السنغالي الرسمي مثل برنامج "أصداء الأمة"، ونشرات الأخبار في الإذاعة الرسمية التي يتم بثها باللغة العربية ولها انتشار واسع وتأثير كبير في الرأي العام السنغالي.

هذا بالإضافة إلى وسائل الإعلام الحرة أو الخاصة ومنها ما يصدر بالعربية بشكل كامل مثل مجلة "الصحوة" ومجلة "الأمة" ومجلة "الوحدة"، ومنها ما يخصص برامج مهمة وحيزا من وقته للبث باللغة العربية مثل قناة المرشد وقناة طوبى وقناة وإذاعة "والفجر"، علاوة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشر ويكتب آلاف الشباب السنغالي وكثير من الشخصيات السياسية والثقافية باللغة العربية على هذه المواقع وخاصة فيسبوك وتويتر.

دعم ضعيف وآفاق واعدة
ويقول فاضل غي مدير تحرير جريدة "الصحوة" المستقلة الناطقة باللغة العربية -التي تصدر منذ 1992- في تصريح للجزيرة نت، إن الصحافة العربية بالسنغال قوية التأثير على الرأي العام الوطني وعلى الجاليات العربية والسلك الدبلوماسي العربي في دكار، إلا أنها تفتقر لعلاقات التعاون والتواصل مع المؤسسات الإعلامية العربية والصحافية في العالم العربي.

ويضيف أن الصحافة العربية لا تحظى بنصيب يذكر مما تمنحه الحكومة السنغالية للصحافة ككل، علاوة على غياب ثقافة شراء المجلات والجرائد لدى الناطقين باللغة العربية، فأغلبهم اعتاد أن يحصل على هذه المجلات مجانا.

ورغم الواقع الصعب للصحافة الناطقة بالعربية في السنغال من حيث الحاجة إلى مزيد من الدعم من طرف الدولة، وغياب التعاون مع المؤسسات الإعلامية العربية، وعدم استعداد القارئ لشراء المجلات والجرائد، فإن أحمد سيسي يرى أن أفق هذه الصحافة واعد لتزايد تأثيرها والمهتمين بها، كما أن الجميع بدأ يفكر في تطوير هذه الصحافة، ويعطي مثالا على ذلك ببرمجة وزارة الإعلام زيادة عدد نسخ مجلة "المسيرة" وزيادة الميزانية المخصصة لها، وهو ما سينعكس إيجابا على انتشارها وتأثيرها.

الجزيرة