أزمة التعليم - 2

د. أحمد عبدالملك

 

تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال قضية تحوّل الطلبة من المدراس الخاصة إلى المدارس الحكومية، خلال العام الدراسي 2017-2018، وعرضنا بعض المحطات التي يجب التوقف عندها لتجاوز أزمة التعليم، واليوم نكمل شرح بقية المحطات.

1- كفاءة المدرس: وهو أسٌ هام من أسس العملية التربوية والتعليمية! أخبرني صديق – من المدرسين العرب في إحدى المدارس – أنه تم توظيف ميكانيكي في وظيفة مدرس لمادة الحساب! طبعًا نتحدث هنا عن (الواسطة) التي قد تدخل في عملية اختيار المدرسين في بعض المدارس الخاصة، ونظرًا لتعدد المدارس وازدياد أعداد الطلبة والطالبات، فإن هذا التوسع يحتاج إلى أعداد كبيرة من المدرسين، وقد يكون عامل الوقت له دور في "تغلغل" بعض المدرسين والمدرسات من غير الأكْفاء مع تواضع مؤهلاتهم. إضافة لذلك، فإن كان لدى المدرس مشاكل في السكن، وفي أخذ أولاده إلى المدارس، وأخذ زوجته إلى مقر عملها، ولربما لديه مشاكل مع أهله في بلده، فإنه لن يستطيع الوفاء بالعملية التربوية والتعليمية، مقارنة بالمدرس الذي يُسخّر جلّ وقته لمهمته وليس لديه ما يُشغله عنها. ناهيك إن كان الأول يقضي المساء كله في الدروس الخصوصية!؟ فالمنهج الجيد، يحتاج إلى مدرس جيد، صحي البدن، متوقد التفكير. كما أن المنهج الجيد يحتاج إلى مدرس مُبدع، لأن عملية التعليم هي خلقٌ وإبداع في المقام الأول. كما أن توصيل المنهج بالطرق التقليدية لا يُحقق الأهداف التي تسعى لها المؤسسات التعليمية، ذلك أن المدرس هو (القائد) في الفصل، ويجب أن يكون قدوة للطلبة، ويشمل ذلك: إلمامه بقواعد اللباقة واللياقة، مع احتفاظه بكاريزما القيادة، وسرعة بديهته عند حدوث مشكلة، وعدالته وتأنيه في الحكم على الأمور، وسعتة اطلاعه، وثراء معلوماته العامة ، وقدرته على السيطرة على الفصل، دونما حاجة للوعيد والتهديد، وأن يعامل الطلبة مثل أبنائه أو اخوته، وأن يمارس الحزم عبر الرأي السديد، كما أن لمظهر المدرس العام دورا مهما في اكتمال شخصيته. وضمن موضوع الكفاءة، تدخل أمورٌ ونشاطاتٌ تحبب الطالب في المادة، مثل: الزيارات الميدانية خارج أسوار المدرسة، الرحلات، البحث في الإنترنت.. إلخ. ويتعلق موضوع كفاءة المدرس بمدى تخصصه في المادة التي يُدرسّها – دون أن تمارس عليه الإدراة ضغوطًا لتدريس مادة يعرفها – وبمتابعته للجديد الذي يحصل في العالم من تطور على المادة. إن مدرسًا قضى ثلاثين عامًا يُدرس مادة دون أن يتابع ما يجري من تطور عليها، خصوصًا في المصادر الأجنبية، لا يكون جديرًا بتوصيل المادة توصيلًا أكاديميًا جيدًا.

2- نأتي إلى الجدول اليومي: فلقد ظهرت دراسات عن تراكم الحصص وإنهاك الطالب بتتابع الحصص، وذلك يؤثر تأثيرًا سلبيًا على تحصيل الطالب. وهنالك من الدول مَن قلّص عدد ساعات الدراسة، في المراحل الأولى (روضة، ابتدائي، إعدادي، ثانوي)، كي يحقق الطالب ميزة الاعتماد على الذات باكتشاف العالم من حوله. إن زيارة طلبتي – بكلية المجتمع – إلى مقر (سهيل سات) بالدوحة، كانت نتائجها مُبهرة ومفيدة، حيث خرج الطلبة من بين الجدران الأربعة، وناقشوا متخصصين غيري، وشاهدوا الخرائط والمُرسلات على طبيعتها. وهذا يؤكد أهمية إشراك الطالب في العملية التعليمية، والتقليل من التعليم (الرأسي)، وما يستتبعه من "حشو" قد لا يكون مفيدًا للطالب. لذا، فإن إعادة النظر في جدول توزيع الحصص من الأمور الهامة التي تساعد في إنجاح العملية التعليمية.

3- تحبيب الطالب في القراءة: من المعروف لدينا أن غالبية طلبة وطالبات هذه الأيام، لا يقرَؤون! وهذا يؤثر على حجم وطبيعة معارفهم وتجاربهم، مع التقدير لما يأخذونه من الإنترنت، والذي لدينا عليه ملاحظات عديدة! وأعتقد أن مشاهدة طالب لسيارة تنقلب، أو يقودها شاب على عجلتين، أو ببغاء تتكلم، أو قرد يدخن سيجارة، أو (نكته)، أو "هلا بالخميس"،..إلخ ، كل هذه المعلومات لا تُثري عقل الطالب، وإن أضحكته لثوان، إلا أنها تساهم في تسطيح معلوماته. وما يجب اتباعه هنا، أن يُكلف المدرسُ طلبته بقراءة كتاب، وتلخيصه، وشرحه أمام الطلبة (لقاء درجة في مجموع الدرجات)، حتى لا يُهمل الطالب هذا التكليف! وعلى المدرس أن يُدرك أنه من خلال تدريسه، يمكن أن يخرج شعراء وكتُاب قصة، وفنانون تشكيليون، ومخرجون، ومسرحيون... لذلك، فإن القراءة خارج المنهج ضروية جدًا لإثراء معارف الطالب.

4- ويتعلق الأمر الأمر أيضًا بمدى معرفة الطالب اللغة العربية! فبسلامة اللغة يسلم التعليم. ونحن اليوم تواجهنا مشكلة عدم إجادة اللغة العربية في المراحل الجامعية، لأن بعض الطلبة والطالبات نتاج المدارس الأجنبية، ونظرًا لعدم وجود التوجيه المُمنهج من قبل الأسرة، نجد هذا الطالب أو تلك الطالبة يدخلان في تخصصات عربية! وهذا يوقعهما في مشاكل عدة لمواجهة متطلبات المساق! وأرى أن حُسن إيصال مادة اللغة العربية – خصوصًا النحو والصرف – وبطريقة مُبسّطة من الأمور الأساسية في تعويد الطلبة على الاستخدام السليم للغة العربية، خصوصًا في ظل الاستخدام غير السليم لهذه اللغة، عبر أدوات التواصل الاجتماعي. ولا بد للمدرس أن يقارن بين تدريس اللغة – في الماضي – وبين تدريسها في الوقت الراهن، خصوصًا في ظل وجود تكنولوجيا التعليم، والتي تساعد على سرعة إيصال المعلومة وإبهارها للطالب، عوضًا عن الطبشور والسبورة. ويتصل الأمر بترديد آيات الذكر الحكيم في الفصل كشواهد لمنهج اللغة العربية. كما أن إدخال الشعر والأغنية (باللغة الفصحى) من الوسائل التي تُعين الطالب على حفظ النحو والصرف.

وأخيرًا، فإن تريبة وتعليم هذا الجيل أمانة في رقابنا جميعًا، ولا بد من أن تتظافر الجهود، خصوصًا جهود الأسرة، في دعم المبادرات الإيجابية نحو خلق مواطنين قادرين على التعامل مع معطيات العصر، في الوقت الذي لا يفرطون فيه بقيمهم وتقاليدهم الإيجابية، وأن يضعوا نُصب أعينهم خدمة مجتمعهم ووطنهم بطريقة ناجحة، في الوقت الذي يُنشؤون فيه بيوتًا ناجحة ويحسنون إدارتها.
 

الشرق