باحثة صينية تنجح في ترجمة الرواية الكلاسيكية "الزهرات الذابلات الثلاث" إلى العربية

 

منذ أوائل يوليو الجاري، ظل نبأ نشر النسخة العربية من الرواية الكلاسيكية الصينية الطويلة (الزهرات الذابلات الثلاث)، محور الاهتمام والأحاديث التي دارت على شبكات التواصل الاجتماعي، بين الصينيين الدارسين للعربية والعرب الدارسين للصينية، والعاشقين لحضارة كل منهما الآخر، حيث لم يبدوا إعجابهم فقط بالنسخة العربية للرواية الصينية، وإنما أيضا بنجاح باحثة صينية في ترجمتها

وفي حديثها مع وكالة أنباء (شينخوا) عن ترجمة هذا العمل الأدبي بشكل مستقل، منذ إطلاق هذه التجربة قبل ثلاث سنوات، لم تنف الدكتورة تشانغ هونغ يي، الخبيرة الصينية المتخصصة في اللغة العربية ببكين، ومترجمة رواية (الزهرات الذابلات الثلاث)، لم تنف الصعوبات التي واجهتها، وخاصة في ظل ما توصف به هذه الرواية، بأنها "أول معجزة من المعجزات الأربع في تاريخ الرواية الصينية".

وأضافت أن النقاش والجدل حول الرواية، قائم منذ زمن بعيد، سواء في الصين أو بلدان العالم، حيث يكمن الغموض فيما ورد بها من تفاصيل تاريخية، لم تتوافر في مثيلاتها من الروايات الصينية، وكذا الخلافات الذائعة حول فهم موضوع الرواية.

وأشارت إلى أن الرواية بدأت بفقرة من رواية (أبطال على شاطئ البحيرة) الشهيرة، فقرة عن البطل وو سونغ الذي قتل زوجة أخيه، ليواصل بذلك كاتب (الزهرات الذابلات الثلاث) تناول الشخصية التي وردت في (أبطال على شاطئ البحيرة)، وهي لـ"سيمون تشينغ" أحد أكبر الممثلين للقوى الجائرة في العهد الإقطاعي ، والذي جمع بين ثلاث صفات، وهي موظف الدولة والفتوة صاحب القوة وكبير التجار، وكذا من كان يعيش معه من أفراد عائلته وخارجها.

وقالت الدكتورة تشانغ، إن هذه الرواية تتألف من حوالي مليون كلمة بارزة وفريدة في تاريخ الرواية الصينية. وثمة تعليق يقول إنه لولا (الزهرات الذابلات الثلاث)، لما ظهرت رواية (حلم القصور الحمراء)، ومقارنة بالأخيرة التي رسمت صورة للحياة الارستقراطية، روت الأولى حكايات عن الحياة العلمانية خلال حقبة غير واضحة ما بين عصر أسرتي سونغ أو مينغ الملكيتين، شعرت معها الدكتورة تشانغ بالإعجاب أثناء عملية الترجمة، حيث وجدت أن مضمون الرواية أشبه بموسوعة شاملة وكاملة للحياة والتاريخ في تلك الفترة.

وإلى جانب المعلومات والخلفيات التاريخية الوفيرة التي وردت بين سطور هذه الرواية، جاءت شهرة "المعجزة" انطلاقا من إثارتها لجدل متواصل منذ خروجها إلى النور، حول ما إذا كانت رواية إباحية جنسية، وهو تساؤل لا يمكن أن يتجاهله أي قارئ وباحث.

وجاءت إجابة هذا التساؤل نفسه في مقدمة النسخة العربية من الرواية، والتي قالت إن الرواية رسمت حالة المرأة عبر وصفها للحياة الجنسية، وهذا أمر ذو مغزى مهم، حيث أكدت الدكتورة تشانغ أن "قصة الرواية دارت حول حياة ثلاث نساء كانت لهن علاقات رومانسية مع البطل، ولكنها لم تقتصر على ذلك أبدا".

ورغم مدى التعقيد الذي كتبت به الرواية، ومن ثم صعوبة فهمها، وفي النهاية ترجمتها إلى لغة أخرى، أنجزت الدكتورة تشانغ العمل، وثابرت من البداية إلى النهاية على هدفها الرئيسي، وهو "أن نحكي قصة صينية على لسان صينيين بلغة يفهمها العرب".

وبالفعل حققت ذلك. كما قال الدكتور علاء ممدوح عاكف، الذي يدرس في جامعة اللغات الأجنبية ببكين، ويعلم اللغة العربية في جامعة بكين، وقرأ أيضا النسخة العربية من (الزهرات الذابلات الثلاث)، إن ترجمة الأستاذة تشانغ أخذت العوامل التاريخية والاجتماعية والثقافية بعين الاعتبار، مضيفا أن عنوان النسخة العربية لـ (الزهرات الذابلات الثلاث) ينبئ بالمصائر المأساوية لشخصيات الرواية، بينما يحمل العنوان الصيني الأصلي للرواية أجزاء من أسماء البطلات الثلاث، وهو عنوان إن كان قد ترجم على ما هو عليه، لزاد بالتأكيد من صعوبة فهم القراء العرب للرواية.

وأشار ممدوح إلى أن هذا دليل على حسن ترجمة الدكتورة تشانغ، وأنها قامت بخير تعديل في أسلوب التعبير، بما يتوافق مع اللغة العربية، معربا عن تقديره لاهتمام تشانغ بالجوانب الثقافية، مع اتجاه المترجمين عادة إلى التركيز بصورة أكبر على دقة الترجمة.

كما أشاد الدكتور ممدوح بجهود أجيال من الأكاديميين الصينيين المخضرمين، الذين ساهموا ومازالوا يسهمون في تعريف العالم العربي على الثقافة الصينية، مثلما فعلت الدكتورة تشانغ. وقال إنه مقارنة بالروايات الحديثة، فإن فهم القراء العرب ومعرفتهم للأدب الكلاسيكي الصيني محدود، ولذلك فإن الأعمال المترجمة التي قدمها أكاديميون صينيون لسلسلة من الروائع الأدبية الكلاسيكية التي تتمحور حول مختلف العصور القديمة لها مغزى كبير، إذ إنه من الصعب فهم الأدب الحديث، دون الحصول على قدر كاف من الخلفيات عن الأدب الكلاسيكي.

ونوه بذلك إلى مشروع "سلسلة كنوز التراث الصيني" الذي صدرت في إطاره ترجمة رواية (الزهرات الذابلات الثلاث) عن دار النشر للغات الأجنبية، وإنه أول مشروع صيني وطني للنشر، يقدم بشكل شامل للعالم نسخا مترجمة إلى اللغات الأجنبية للكلاسيكيات الثقافية الصينية، وكان قد أطلق في عام 1995م، واختيار 100 عمل من الأعمال الكلاسيكية الصينية التي ترجع إلى عصر ما قبل أسرة شين الملكية، وتتناول المجالات الثقافية والتاريخية والفلسفية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ليقوم باحثون بترجمتها من الصينية إلى اللغات الأجنبية.

وبالنسبة إلى الترجمات العربية للأعمال الأدبية الكلاسيكية في إطار هذا المشروع، فقد أشارت الدكتورة تشانغ إلى أن هناك العديد من الأعمال الرائعة التي ترجمت، ونشرت على يد أساتذة صينيين متخصصين في اللغة والثقافية العربية، على سبيل المثال (كتاب الحوار) و(لاو تسي) و(الشعر في عصر أسرة تانغ) وغيرها من مختلف الروائع الأدبية الكلاسيكية.

وكانت الدكتورة تشانغ، قد ذكرت من قبل، أن الكتب التي تدور حول تاريخ الصين وثقافتها وتضاريسها، ويقرأها الباحثون العرب الذين لديهم شغف بالحضارة الصينية، هي في الغالب مترجمة عن كتب بلغات أجنبية؛ فعلى سبيل المثال، النسخ العربية تقريبا لجميع أعمال الروائي الصيني الشهير مو يان، الحائز على جائزة نوبل للأدب، تمت ترجمتها من النسخ الإنجليزية، الأمر الذي قد يضحي إلى حد ما بمذاق الروايات الأصلية، وفي ظل هذه الخلفية، يعد مشروع "سلسلة كنوز التراث الصيني" بمثابة قناة تدفع الحوار الصيني العربي بجودة فائقة إلى مستوى أعلى، وذلك بشكل مباشر مع تخطى حلقة الترجمة غير المباشرة، لكي يتسنى للعرب فهم الحضارة الصينية بشكل أفضل وشامل.

"إن عصر التبادل بين الصين والعالم العربي دخل مرحلة التبادل الثقافي"، هكذا أكدت الدكتورة تشانغ، مشيرة إلى أن غالبية أعمال الترجمة السابقة تمحورت حول المجالات السياسية والاقتصادية، لهذا حان الوقت لبذل المزيد من الجهد لترجمة الأعمال الثقافية والأدبية وخاصة الكلاسيكية، ودعت الباحثة الأكاديمية الصينية إلى تكريم روح الأجيال القديمة من المترجمين الصينيين، ومواصلة العمل بهذه الروح، وكذا تنشئة وتدريب جيل جديد من المترجمين الشباب، ليواصلوا إنجاز مزيد من المهام التي تدفع التبادلات الصينية العربية قدما.

واختتمت الدكتور تشانغ حديثها بأنه وخلال هذه المسيرة، من الضرورة بمكان أن يكون هناك أشخاص يحملون على عاتقهم هذه المسئولية انطلاقا من الإدراك بأن تقديم صورة شاملة للثقافة الصينية، سواء جوهرها أو جوانبها الأخرى، أمر يتطلب عزما وجرأة".
 

الأهرام