الفرصة الرقمية الممكنة

د. باسم الطويسي

 

التحول الرقمي فرصة لكل مجتمعات الدنيا، ورافعة اقتصادية واجتماعية للدول وميدان التنافس الراهن في مختلف انحاء العالم، ولكن هل ثمة فرصة خاصة لاقتصادات المجتمعات العربية، وأين مكانة الأردن في هذا المجال، منذ أول جهاز حاسوب أدخلته الجمعية الملكية الأردنية الى المنطقة قبل نحو اربعة عقود الى وقت قريب شكل الأردن بيئة ريادية وجاذبة لتكنولوجيا المعلومات. ولكن كما هي العادة في القصة التاريخية؛ أن الأردن دوما يمارس دور ما يمكن ان نسميه "الريادة المبتورة " اي الريادة غير المكتملة كما حدث في قصص الاستثمار والمدن الإعلامية والحكومة الالكترونية وغيرها. 

يشكل العالم العربي نحو 6 % من سكان العالم يعيشون على 10 % من مساحة العالم مع اقتصادات مفرطة في التفاوت بين الغنى والفقر، الجميع يتحدثون لغة واحدة تعد اللغة الرابعة انتشارا في العالم، أما التركيب العمري والنمو السكاني في العالم العربي فهو حالة تستحق النظر بعمق من منظور الفجوة الرقمية وتطوير المحتوى العربي على الشبكة. في كافة الدول العربية يميل التركيب السكاني لصالح فئة الشباب المبكر، كما يشير تطوير التركيب العمري إلى بداية العديد من المجتمعات العربية الانتقال نحو ما يسمى (النعمة السكانية)، أي التغيير الذي يحدث على هرم التركيب السكاني لصالح اتساع قاعدة الشباب القادرين على العمل والمنتجين بدل هيمنة فئة الأطفال والفتيان المعالين عادة. فبينما تشكل هذه الفئة نحو 25 % في اوروبا فإنها تشكل نحو 55 % من سكان العالم العربي وهؤلاء هم الاكثر استهلاكا وإنتاجا للرقمنة. 
كما يعد استخدام التقنيات الجديدة عادة راسخة لدى الشباب، كما يعد إرسال المحتوى من خلال الشبكات الاجتماعية الطريقة المفضلة لهم للتواصل ويميل هؤلاء الشباب إلى إنفاق نسبة من دخلهم على الاستهلاك الإعلامي تفوق النسبة التي ينفقها من هم أكبر سنا، وهم أكثر قدرة على إنتاج محتوى جديد ومتنوع ومتعدد، وحيث إمكانيات الريادة والابتكار الاجتماعي والثقافي والسياسي لديهم أكثر من أي فئة سكانية أخرى. هذه النعمة السكانية التي يقبل عليها العالم العربي قابلة أن تتحول خلال السنوات العشر القادمة إذا ما أحسن التصرف والتعامل الحكيم والرشيد معها إلى نعمة رقمية توفر فرصة حقيقية لتنمية وتطوير المحتوى الرقمي العربي، فهي جاذبة لكافة أطراف سلسلة القيمة الاقتصادية (مُلاّك رأس المال، مطوّري المحتوى، المشغّلين...). 
ماذا عن اللغة العربية؟! وهل تشكل موردا للتحول نحو الرقمنة ام عائقا ؟ الحقيقة ان التيارات التقليدية ما تزال غير قادرة على اكتشاف فرص اللغة العربية في هذا العالم الجديد، فثمة فرص متعددة لازدهار اللغة العربية ان تكون اداة للتحول الرقمي الذي سينعكس على مختلف مناحي حياة المجتمعات المتحدثة فيها. اللغة أحد أهم الجسور المتينة للعبور نحو التنمية والحداثة، بكل ما تحمله من مضامين اجتماعية وثقافية ذات قيمة مضافة للاقتصاد. ومن هنا، تبدو أهمية العناية بالمحتوى العربيّ الرقميّ الذي ما يزال يعاني ثنائية الوفرة والندرة؛ أي وفرة ما يمكن أن يكون، وندرة ما هو عليه فعلاً اليوم ؛ لكن اللغة العربية ما تزال حقل خام لم يستثمر ؛ ما يعني عمليا اننا امام مؤئل هائل لفرص الاستثمار في رقمنة اللغة العربية، وتطوير المحتوى العربي، وتطوير برمجيات وتكنولوجيا تدعم الحرف العربي وبرمجيات وتطبيقات تقدم المزيد من الحلول المرتبطة بالسياق الثقافي والاجتماعي. 
التحول الرقمي لا يعني الحكومة الالكترونية بل إن أتمتة الخدمات الحكومية لا يعدو أكثر من جزء بسيط من هذا التحول الذي يفترض تدشين بنية تحتية من الأتمتة في كافة مؤسسات الدول وأعمالها، وأتمتة اعمال القطاع الخاص وبناء قواعد معلومات ونظم ادارة البيانات وربط ذلك في شبكات وطنية للمعلومات ؛ كل هذا التحول هو القادر على جعل البلاد موئلا لفرص جديدة  لا تنضب.
 

الغد