بناء العربيّة والمُقترَضات

أ. إنتصار ناصر السيف

 

للعربيّة بناؤُها ونظامُها الصّرفيُّ والصّوتيُّ والنّحويُّ الخاصُّ بها الذي تتميّزُ به عن الكثير من اللغات الأُخرى، وهذا يؤثّر في مسألة ترتيب المُقترَضات في المعجم العربيّ، والتي غالبًا تأتي من لغات تختلف في نظامها عن العربيّة، خاصّة المُقترَضات المعاصرة التي تأتي من اللغات غير الاشتقاقيّة كالإنجليزيّة والفرنسيّة.

وقد نشأت الصناعة المعجميّة العربيّة على أسس تُوافق وتُلائم بناء اللغة العربيّة، فعندما صنّف المُعجميّون العربُ المعاجمَ، بحثوا عن منهج لترتيب موادّهم، فكان لهم ذلك مع الخليل بن أحمد الفراهيديّ، في طريقته في ترتيب معجمه “العين” على جذور الكلمات، فبنى معجمه على الأصناف التي يتركّب منها كلام العرب، ويرى أنّ الاسم لا يكون أقلّ من ثلاثة أحرف، حرف يُبتدأ به، وحرف يُحشى به، وحرف يُوقف عليه.

فمعظم الكلام العربيّ يعود لأصل ثلاثيّ، فالأسماء والأفعال لا تتعدّى أصولها خمسة حروف ولا تقلّ عن ثلاثة، فوجدوا أنّ كلمات اللغة العربيّة تعود لأصول لها، والتي في معظمها جذور ثلاثيّة، فبنوا موادّ معاجمهم على الجذور، ثمّ يوردون تحت هذا الجذر ما يعود إليه من مشتقّات، فكانت المعاجم تقوم على الجذور الثلاثيّة، مع جذور للكلمات ذات الأصل الرباعيّ لبعض الأفعال، والرباعيّ والخماسيّ لبعض الأسماء.

وعندما تُقترض كلمة من لغة أخرى، وتدخل الاستخدام، ونتيجة للاختلاف بين نظام كلّ لغة بما يقوم عليه استخدام مجتمعها لها، تحدث تعديلات عليها؛ لتتلاءم مع نظام اللغة المُقترِضة؛ ليسهل استخدامها على الناطقين بها، وكان العرب عندما يقترضون كلمة من لغة يغيّرون فيها؛ لتتلاءَم مع بناء لغتهم ليسهل عليهم نطقُها، فما يقومون بتغييره، يصبح كأيّ كلمة عربيّة، فهي تخضع أو تطاوع سلطة اللغة الجديدة؛ فتتغيّر صفاتها كليًّا أو جزئيًّا، لتُلائم نظام اللغة المُقترِضة، ودرجة ذلك التغيير تعود لعدّة أمور حسب بنية هذه الكلمة إن كانت قريبة من اللغة الجديدة وسهلة النطق على أهلها فلن يصيبها تغيير كثير، إنّما تغيير طفيف في بنيتها كالتغيير الذي يحدث للأصوات، وإن كانت تختلف عنها كثيرًا فقد تتبدّل بشكل كبير، حتّى تخلع رداءَها الذي جاءت به وترتدي رداءً جديدًا، وهذا التغيير يكون من قبل متُكلّمي اللغة المقترِضة ومن مطاوعة المقترضات لذلك، ولحاجتهم لذلك التغيير ليُلائم استخدامهم للّغة، وقد يكون التغيير في الدلالة أيضًا، فالمتكلّمون يتصرّفون باللغة في شتى مظاهرها الصوتيّة والدلاليّة.

تتباين المُقترَضات في موافقتها لبناء العربيّة، فمنها ما يكون بعيدًا عنها، ويصعب على المتكلّمين، فيتصرّفون بها ويخضعونها لنظام العربيّة، فيصيبها التغيير ويُسمّى معرّبًا، بينما التي لا تتغيّر ويبقونها كما هي تُسمّى الدخيل. وإنَّ التباين في بناء ونظام العربيّة عن نظام وبناء لغات المُقترَضات يخلق إشكالًا لدى صانعي المعاجم، فيضطرب أمرهم عند وضعها في معاجمهم، وتخلق لهم إشكالات في ترتيبها، وقد وقع المُعجميّون القدماءُ والمحدثون في هذه الإشكاليّة، فيجدون مشقّة في ترتيب تلك المقترضات في معاجمهم.
 

الراية