صالح بلعيد: لهذه الأسباب أُرغمت فرنسا على تدريس العربية

إيمان عويمر

 

يؤكد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، صالح بلعيد، أن فرنسا أُجبرت على تدريس اللغة العربية في مؤسساتها التعليمية الحكومية، بعدما فرضت نفسها كلغة أجنبية أولى في فرنسا بالإضافة إلى أسباب أخرى، يسردها في حوار مع ” TSA عربي”.

ويدعُو صالح بلعيد، الحكومات العربية إلى ضرورة مباركة هذه الخطوة التي يصفها بـ”الإيجابية” عن طريق تفعيل تواجدها في المراكز الثقافية بالمدن الفرنسية التي أوصدت أبوابها في وجه المحاضرات والملتقيات.

تُثير فكرة تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية جدلاً واسعًا في صفوف النخبة السياسة الفرنسية، ما تعليقكم؟
بدأت اللغة العربية تأخذ مكانتها في فرنسا بصفة رسمية وعملية، بتقلد بلقاسم نجاة، ذات الأصول المغربية منصب وزيرة للتربية الفرنسية، وذلك نظرًا لعدد المتكلمين بها وتزايد أعداد المهاجرين، وهو ما مكّن اللغة العربية من أن تصبح اللغة الأجنبية الأولى في فرنسا.

بعدها جاء وزير التربية الفرنسي الحالي، ميشال بلانكير، ليؤكد على هذه الحقيقة بإعلانه الرسمي عن قرار تدريس اللغة العربية في المدارس الحكومية رغم معارضة البعض لها.

ما أعلن عنه ميشال بلانكير شيء إيجابي، حيث أكد أن اللغة العربية ستُعطي لها مكانتها وموقعها، ويُقصد من كلامه أن بلاده ستتجه نحو تدريس اللغة العربية بالفصحى، بدّل الاعتماد على اللهجات، وهو ما نعتبره نقلة نوعية سنباركها بالفعل.

الاستعمال الفصيح للغة العربية سيسمح بتطويرها لتكون جامعة، أما تدريس اللهجات يدخُل في الشتات اللغوي والتهجين وهذا أمر مرفوض، كونه لا يخدم لغتنا العربية.

ألا تعتقدون أن الحملة التي يشنها اليمين المتطرف في فرنسا سيقف في وجه الفكرة ويجهضها في المهد؟
وزير التربية الفرنسي ميشال بلانكير انطلق من شيئين عند حديثه عن فكرة تدريس اللغة العربية في فرنسا، أولهما يرتكز على الواقع الموجود وهو أن المهاجرين والمسلمين في تكاثر وهذا الأمر لا يمكن إنكاره.

أما الشيء الثاني هو أن الكلام المستعمل في فرنسا حاليًا، المستوى الثاني للغة العربية وليس الأول، بمعني هناك لهجات لجاليات عربية متعددة، مثل الجزائرية، اللبنانية، السورية وغيرها، لكن بلانكير أعلن رسميًا عبر وسائل الإعلام الفرنسية عن رغبته في التدريس الرسمي للغة العربية بالفصحى، ما يعني وجود إرادة حقيقة لتدريسها.

هل يمكن القول أن اللغة العربية فرضت مكانتها في المجتمعات الأوروبية؟
في عام 2017 احتلت اللغة العربية المرتبة الثانية بعد الإنجليزية، كما أنها اعتمدت منذ سنة 2012 كلغة رسمية في الأمم المتحدة وهيئاتها الـ 21 . إضافة إلى ذلك باتت اللغة العربية تستعمل في 60 دولة، أولاً في 22 دولة عربية كلغة عربية رسمية وطنية، وعبر 12 دولة أجنبية غير الدول العربية، كإيران، بنغلادش، وكثير من الدول الأسيوية، إلى جانب 26 دولة تستعملها كلغة أجنبية ثانية. دون أن ننسى أن خط اللغة العربية أصبح معروف وهو من الخطوط التي فرضت نفسها.

للإضافة فإن اللغة العربية ليست لغة العرب وإنما هي موجودة في فرنسا منذ عام 1514. اللغة العربية هي لغة فرنسا، وكانت تستعمل في “كوليج دو فرانس”، كما أنها لغة الحضارة الإنسانية لأنه يجب الإقرار بشيء أن حضارة الغرب وعلى وجه الخصوص أوروبا، الفضل فيها يعود إلى أيام تواجد العرب في الأندلس.

هل من أمثلة على ذلك؟
أشير في هذا المقام إلى حقيقة، هي أن الأوروبيين كانوا يأتوننا من إيطاليا وفرنسا لتعلم اللغة العربية بولاية بجاية، وتعلم الرياضيات التي كانت تدرس باللغة العربية، ويقرؤون علوم الطب. وفي فرنسا بجامعة السوربون هناك تمثال ابن سينا مجسد باللغة العربية ويضربون به المثل.

الأوروبيون يُقرون أن اللغة العربية هي “شمس الغرب” مثلما قالت المستشرقة الألمانية زقريد هونريد :” إن الفضل للحضارة الغربية يعود لشمس العرب الذي سطع على أوروبا”، يعني أن العرب قدموا للأوربيين العلوم الأولى الأساسية كالرياضيات.

حقيقة العرب قدموا للغرب أرضية عملوا على تطويرها وزادوا عليها، فأخذوها كمنارات لهم وأصبحوا يبحثون فيها، ففي القرن الـ 18 عشر كانت الكتب الأساسية بالنسبة لهم هي الكتب العربية. لكن بعد دخول الدول العربية في انحدار شاقولي بسبب سقوط الفردوس المفقود الأندلس، وضياع كل شيء، دخلنا في عصر الظلمات واستعمار معظم البلدان العربية وتفننوا وعملوا وأَجّروا العلوم الأساس للعرب وطوروا الأفكار وتقدموا بشكل جيد، لكن العلم لا يوجد في لغة واحدة.

هل ترى أن مساهمة الحكومات العربية في نشر لغتها كافية؟
أدعو من خلال منبركم الإعلامي المحترم، كل السفارات والقنصليات العربية وفي مقدمتها الجزائرية إلى تنشيط محاضرات ولقاءات ولعب المجتمع المدني لأدواره الرئيسية.

في 18 ديسمبر الماضي ألقيت محاضرة بمناسبة احتفالية باللغة العربية في باريس، ونلت جائزة اليسكو للسانيات، كانت الفرصة مواتية للالتقاء ببعض الجاليات العربية في فرنسا منها اللبنانية والجزائرية. هنالك لمست أن المجتمع المدني اللبناني يهتم باللغة العربية كثيرا. وعندما التقيت بجاليتنا أخبروني أنهم يريدون تعليم أبنائهم اللغة العربية وأن تتدخل الدولة لمنح فرص تعليم اللغة العربية بالفصحى لأبنائهم.

لذا ندعو المركز الثقافي الجزائري لأن يتحرك ويكون له فروع في المدن الكبيرة، وأن تفتح السفارات العربية أبوابها لكل الجاليات العربية عن طريق المحاضرات والتدريس، لأن هناك متطوعون لتدريس اللغة العربية مجانًا نرجو أن تفتح لهم الأبواب وتُعطى لهم الفرص.

فمثلا في كوريا الجنوبية أولوا أهمية للغة العربية وكل الجاليات تجندت لتحقيق ذلك حتى باتت اللغة العربية تدرس في الجامعة، في بداية الأمر كان مجرد قسم لتدرسيها في جامعة سيول والآن باتت لها كلية. نحن بحاجة لأن نتعلق بأمثال هذه المبادرات ونزكيها ونعمل لصالحها ونساندها لكي تستمر ويقع فيها التألق والإشعاع، لا نريدها أن تكون ظرفية.

TSA عربي