لغة الضّاد لن تموت

أ. فاطمة العسيلي

 

قال الله تعالى في سورة البقرة :

{وعلم آدم الأسماء كلها} الله تبارك وتعالى علم آدم كل الأسماء

وهذه الأسماء لقنها النور الإلهي إلى آدم لغة عربية نورا دريا مفعما بالعلم والمعرفة والبصيرة، فأي فخر وعز أن ترسل إلينا من الخالق العظيم، ثم نزل بها القرآن الكريم على سيد الخلق النبي العربي الأمي محمد- صلى الله عليه وسلم- وهذا شرف ثانٍ لهذه اللغة الكريمة: فقال: {بلسان عربي مبين}.

أدرك أجدادنا الأوائل أن قضية اللغة هي قضية (دين)، لأنها لغة القرآن، فكانوا يحترمونها ويوقرونها، وتعاملنا نحن معها بتهميش، لأننا لم ندرك ذلك، فحينما يقرأ إنسان القرآن ولا يفهم ما يقرأ ماذا سيحدث بعد فترة؟!

وللأسف هذا حال أغلبنا كعرب مسلمين.

وهذا ما نجح فيه الغرب؛ قتل اللغة العربية بقصد القضاء على الدين.

يوم العاشر من شهر سبتمبر قرأت خبرا أصابني بالاندهاش والحسرة والغيرة! فحواه: وزير التربية والتعليم الفرنسي يعيد اعتبار "اللغة العربية"، فقد أشار الوزير الفرنسي "جان ميشيل" إلى ضرورة تعليم اللغة العربية في المدارس الفرنسية إلزاما في المراحل التعليمية، لأنها واحدة من لغات الحضارات العظيمة ولغة أدبية يجب تعلمها!

لكنه لم يحظ بتأييد، لأنهم متأكدون أن إحياء اللغة العربية من جديد هو [نهاية الغرب]، ألم يستوقفكم هذا الخبر؟! ولم يثر انتباهكم؟ ويا ترى هذا الكلام صادق أم هناك غرض آخر لا نعلمه؟!

وأمر آخر غريب! فقد ألقت وزيرة خارجية النمسا كلمتها باللغة العربية في مجلس الأمم المتحدة، وصفق لها وزراؤنا العرب، في الوقت ذاته ألقى بعضهم كلمته بلغة أجنبية!

والسؤال: لم يا ترى يحدث ذلك الآن؟!

وهذا كله في الوقت الذي أصبحت في بلادنا العربية اللغات الغربية أهم كثيرا من لغتنا العربية، وأصبحنا نتفاخر بإدخال أولادنا المدارس والبعثات الأجنبية التي تلقن أجيالنا لغتها الملوثة بثقافتها الغربية الهجينة!

إن من بين ما أصاب لغتنا الغراء مهاجمة المشروع (الفرنكفوني) الهدام لها: حيث تُصرف ملايين الدولارات على تسريب مناهج للتعليم العربي تضرب في عمق أصالة اللغة، وتحاول قوقعتها في إطار ضيق، هذه المشاريع الهدامة تقحم سرا وجهرا محتويات هجينة من اللهجات، وكلمات مترجمة عن لغات أجنبية أصبحت في حكم اللغة، لأننا تداولناها فترسّمت في لغتنا.

وخير مثال على ذلك، ما يقع في بلدان المغرب العربي من دفاع مستميت من دعاة مشروع ترسيم اللهجات الأمازيغية، بدعوى أنها لغة البلد الأصلية ولغة الأجداد، فعملت حكومات بعض البلدان على تدريسها في المدارس النظامية، وإقحامها على مستوى إدارات الدولة الرسمية، فأصبحت الوثائق الرسمية لا تخلو من عبارات وحروف اللهجات المحلية!

هذا الهجوم الخطير هدفه (غربنة) الدول العربية، وضرب هويتها الأصيلة التي من بين أسسها المتينة لغتنا الجزلة الجميلة.

سامحينا لغتنا: ما تعلمناك حق التعلم، ولا أعلم أين الخلل، هل هو من المناهج العقيمة، أم مدرسيك الذين قصروا في دورهم المجيد، أم هناك أيادٍ خفية حرصت على إخفاء ملامحك وعزك وعلمك؟!

سامحينا: قد أخذوا يتندّرون عليكِ وجعلوك وسيلة لإثارة الضحك والصخب في المسلسلات والمسرحيات!
 
ولم نر هذا يحدث مع أي لغة غيرك!

سامحينا: نحن أهلك أهملناك ولم نعد نتحدث بك، أصبحتِ بالنسبة لنا من الماضي السحيق، (موضة قديمة) لأننا أصبحنا (مودرن)!

لا يليق بنا التحدث بكِ، فلكي نكون متمدنين يجب التحدث بالإنجليزية وأخواتها!

تعلمنا منذ الصغر وقرأنا في الكتب كلمة (صلي) الآن فقط أعلم أن الأصح صلِّ، والياء ياء مخاطبة فحولت الكلمة من فعل أمر غرضه الدعاء إلى ياء تأنيث!

وتخرجت من كلية كذا أي خرجت، والأصح هو تخرجت في.. أي تأدبت وتعلمت! والكثير من الأخطاء الشائعة التي نجهلها ونتداولها ونقع فيها بشكل يومي! بالطبع لأننا تربينا ونشأنا عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن أسباب الاعوجاج في اللغة:

أولا: الداهية الأعظم [الاختلاط] ما بين العرب وغيرهم، كانت أسلم الألسنة فصاحة قريش في عصرها، لذلك نزل فيها القرآن بلهجتها، كانت تتردد عليها القبائل من بقاع الأرض بغرض التجارة ثم الحج، فكانت تأخذ منهم الفصيح وتترك ما دون ذلك، وكانت تتجنب خطأ الاختلاط الذي وقعت فيه القبائل الأخرى، وبذلك حافظت على هويتها وفصاحتها وعمت لسانها من الخطأ، وحينما دونت اللغة سماها العرب الأقحاح (قح) أي خالص العروبة لم يخالط لسانه حرفا أعجميا.

الاختلاط هو السبب (الرئيسِ) وليس (الرئيسي) في تشويه اللغة، بالطبع أكملنا نحن مسيرة تخريب اللغة بزيادة الاختلاط ومعاشرة الغرب دون أن نحصن لساننا العربي من الزيغ والتقليد الأعمى!

أيضا من أسباب ضياع اللغة العربية: هو كف اللسان عن التكلم بها واستبدال اللغات الأجنبية الغربية بها، وبالطبع من منا الآن يدخل مقهًى ويقول أعطني قهوة بالحليب! سيقولون جاهل! ويضحكون عليه لكن يجب أن يقول أعطني (كافيه لاتيه) لزوم التأنق والتفاخر و"الحداثة" طبعا!

 لكن بالتأكيد سنعود لها لأنها لغة القرآن، ولغة الأجداد ومنهم نبينا الكريم، وهي لغة أهل الجنة.

إنها لغة العلم والحضارة والأدب والشعر. ومنبع الإبداع وتقويم الألسن.. لقد استوعبت كلام النور الإلهي السماوي، فكفانا فخرا وعزا أنه كلام الخالق عز وجل!

سنحيا بك لغة الوحي والقرآن فلتقري عينا ولتهنئي لغتنا الجميلة.

إنما الأيام دول، فصبرا، فالمستقبل مشرق لك ولنا.
 

الشرق