لغتنا العربية ومفرداتها!

د. رضا العطار

 

كل من يعرف اللغة الانكليزية يدرك الفرق العظيم بين اللغة التي كان يستعملها شكسبير حوالي سنة 1600 , وبين اللغة الانكليزية الان . وهذا الفرق هو فرق النمو والتطور. فإن اللغة الانكليزية لم تجمد وتتحجر. ولم يلتمس الكتاب – جملا مختارة – من شكسبير كي يزخرفوا بها انشائهم . بل اخذت اللغة تتميز بالتنقية والتنفيه، حتى اختلفت اختلافا كبيرا من لغة شكسبير. رغم ان المدة بينهما تزيد على 400 سنة .

ومما يذكر في تطور اللغة الانكليزية ان الملك جيمس حين زار كنيسة سان بول الكاتدرالية عقب انتهاء المهندس من بنائها, عبر عن اعجابه بها بهذه الكلمات :
 
artificail , awful , amusing . فسر المهندس المعماري سرورا عظيما بعبارات المديح هذه . ولكن هذه الكلمات قد انتقلت في عصرنا من معنى الاستحسان الى معنى الاستهجان والاستقباح والاستهزاء.

هذا هو التطور وهذا هو الرقي، فان اللغة الحية التي يستخدمها مجتمع حي يجب ان تتطور, ومحاولة تجميد اللغة والتزام عباراتها القديمة وكراهة ايجاد الكلمات الجديدة انما تعني تجميد الاذهان وعرقلتها في التفكير الناجع.

يقول المؤلف عندما كنت احرر في احدى الجرائد كان بها شيخ مصحح يشرف على اللغة ويمنع تسرب الاخطاء. وكان رجلا طيب السريرة جامد الذهن, يعارض في كلمة – ماهية الموظف – ويشطبها ويكتب مكانها مرتب الموظف . الذي من جانب كوفئ من قبل الوزارة لكنه عنف من قبل رئيس القلم الذي طالما كان يهرول اليه ينفعل ويصرخ.

وهذا هو النظر الجامد للغة, ولو ان كتاب العرب القدماء كانوا قد التزموا هذا الجمود لقصرت اللغة في التعبير. ولكن في اللغة العربية اكثر من ثلاثة الاف كلمة رومانية واغريقية وفارسية. وهذا زيادة على المعاني الجديدة التي الحقت بالكلمات القديمة. فتخصصت الكلمة لمنعى معين بعد ان كانت عامة. وهذا ما نفعله الان فقد خصصنا

الدستور للنظام الاساسي للدولة. والصحيفة للجريدة اليومية. والغارة لهجوم الطائرات الحربية. والعلم للمعارف القابلة للتجربة والتحقيق. والاذاعة الخاصة بالمحطة الاشعاعية. والجامعة لمجموعة كليات مستقلة في ثقافاتها.

وبهذا التخصص وبأيجاد كلمات جديدة, مرنت لغتنا بعض المرونة وخدمت مجتمعنا . ولكن مشكلاتنا اللغوية لا تزال كثيرة. وما زلنا نلتزم عبارات مقتبسة يعافها الذهن الذكي. ومرجع هذه العبارات تلك البلاغة العاطفية الانفعالية التي تعلمناها. وغرست في نفوسنا قيم مزيفة للاستعارة والمجاز. فما زالت صحفنا مثلا تقول :
 
وخاض غمار الحرب. بدلا من حارب – حمي وطيس القتال, بدل من حمي القتال

دارت رحى المعركة, بدلا من دارت المعركة – وضعت الحرب اوزارها, انتهت الحرب – لتعزيز اواصر الثقة بدل من لتعزيز الثقة – صب جام غضبه بدل من غضبه

اطلق سراحه بدل من اطلقه . نتجاذب اطراف الحديث بدل من نتحدث.

وقل منا يقول : الحرب الضروس او الموت الزؤام . ان العبارات السابقة التي ذكرت لا تزال ترى كل يوم في جرائدنا على الرغم مما فيها من استعارات ومجازات يمكن ان نستغني عنها, بل على الرغم من انها كلمات نحتاج الى مجهود كبير لتفسيرها لصبياننا. مثل وطيس , اوزار , اواصر , جام , رحى .
 
وفي استغنائنا عن هذه العبارات اقتصاد ذهني ومادي. ويجب الاّ يفهم القارئ اننا نعارض الاستعارة كائنة ما كانت, ولكننا نعارضها حين يمكن الاستغناء عنها. فيكون الاقتصاد الذهني والمادي. كما يتضح من الامثلة التي ذكرنا, اذ الغيناها جميعها ولم ينقص المعنى. وايضا حين يعكس لنا مجتمعنا هذه الكلمات – الوطيس والجام والرحى التي هي من صلب المجتمع العباسي والتي لم يستفيد منها شبابنا, على عكس الكلمات العصرية مثل قطار وطيارة وتلفزيون.

* مقتبس من كتاب البلاغة العصرية واللغة العربية للعلامة سلامه موسى.
 

صوت العراق