الخط العربي: إستعادة الاهتمام بالرمز والقيمة

أ. فيصل طالب

 

تهتم جامعة الجنان بطرابلس بإقامة مباريات ومسابقات في الخط العربي، وقد أطلقت في هذا السبيل ″جائزة منى حداد يكن في الخط العربي″. ولا ريب أن إيلاء الأهمية لهذا النشاط التربوي الثقافي الجمالي يستحق الثناء والتقدير لأنه يستهدف استعادة اهتمام التلامذة والطلبة برمز من رموز هويتهم الأصيلة وعلامة من علامات شخصيتهم الثقافية، بالنظر الى ما آلت إليه حال الخط العربي لدى ناشئينا، والذي هو الوعاء الذي ينضح فيه أحد ركنيّ اللغة العربية التي تقوم على المشافهة والكتابة، لأسباب تتعلق بتراجع الاهتمام بلغتنا الأم، المرتبط بدوره بالتراجع العام الذي لحق بجوانب أخرى من المنظومة المتكاملة للحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية العربية، بتداخل وثيق مع ارتدادات الثورة الالكترونية وتداعيات عصر العولمة وتحدياتها، التي تبقى أبرز تجلياتها العولمة اللغوية المترسخة أكثر فأكثر، كلما أمعنا في تغييب السياسة التربوية الكفيلة بتدعيم اللغة العربية تعليماً وممارسة، نطقاً وكتابة.

في أدبيات خطابنا التربوي، غالباً ما نكرر القول إن الغاية في هذا السبيل هي محو الأمية العلمية التعليمية، ولا نولي كبير اهتمام بغاية أشمل وأرحب هي محو الأمية الثقافية، ومن ضمنها بطبيعة الحال أمية الخط العربي الذي يمثل برمزيته وجماليته حاملاً طيّباً لمحمول عظيم هو القرآن الكريم، ووجهاً مشرقاً من وجوه الحضور الفني والثقافي لأمتنا في الإرث الحضاري للبشرية، فضلاً عن أن تمثّل الحرف العربي بأبهى صوره وأشكاله هو قيمة مضافة إلى ما أكتنزته العربية من ثراء في خاصية الإعراب والخصائص الصوتية، والاشتقاق، وتوليد الألفاظ والمعاني، وغزارة المفردات والتراكيب.

ليس الحرف العربي ذا قيمة تصويرية فقط تستند إلى ميزاته في المرونة والطواعية وقابليته للمد والاستدارة والتداخل، بل هو يضطلع أيضاً بوظيفة رمزية تطلقه من أسر الإطار الذي خط فيه، إلى فضاء مفتوح يتنفس فيه أبعاداً روحانية وفنية تسمو دلالاتها على ما انطوت عليه معانيه الظاهرية، وبهذا المعنى لا يعود الاهتمام بالحرف العربي قاصراً على الذين يكتبون لغاتهم به، بل يصبح هذا الحرف شكلاً مجرّداً، أي صورة فنية خالصة يتذوق جماليتها حتى الذين لا يقرأون العربية ولا يكتبونها.

على هذا الأساس تبدو أهمية إعادة الاعتبار إلى تدريس أصول الخط العربي وتعرّف تقنياته وأنواعه حاضرةً في هواجسنا وأفكارنا أكثر من أي يوم مضى، بالنظر إلى الحال المأساوية التي آل اليها كما أسلفنا.

ولا يختلف اثنان على أن الاهتمام المطلوب في هذا النطاق لا يجوز أن يكون وقفاً على مدرّسي اللغة العربية، بل يجب أن يتولّاه معلمون مختصّون، بمعاونة معلمي المواد الدراسية الأخرى التي تُدرّس بالعربية، وذلك لتحقيق أهداف تربوية وتعليمية أولية من طريق اكتساب مهارات الجلسة الصحيحة، ومسك القلم بطريقة سليمة، والدقة والترتيب وتنمية الحس الجمالي، وتيسير فهم المكتوب لحسن قراءته، واكتشاف الموهوبين في هذا المجال وتحفيزهم، مع الإشارة إلى أن اكتساب مهارات الخط ترتد إيجاباً على مهارات الرسم والتعبير الكتابي والإملاء. وأن تدريس الخط بصورة منهجية يجب أن يستكمل بأنشطة لا منهجية كمثل إقامة المعارض للأعمال “الخطية” الجميلة، وإقامة المسابقات في جودة الخط في المدرسة الواحدة، أو بين عدة مدارس. على أن الأساس في كل هذا الاستشراف لمستقبل الخط العربي هو أن تتعهد التربية بشقّيها البيتي والمدرسي هذا الأمر، وتوليه العناية القصوى، فتقيم العلم في الصغر كي يصبح نقشاً في الحجر.

قال أحد كبار الخطاطين العرب: الخط العربي كائن حي،. فإذا دخل الكمبيوتر خرجت منه الروح!..
 

سفير الشمال