اللغة العربية، عماد الحضارة الناهضة

د. رضا العطار

 

الثقافة تعني العلوم والفنون والعقائد والعادات ولكن الاهم من هذا كله هي اللغة الوطنية التي يتفاهم بها الشعب، لأن اعظم تراث اجتماعي لأية أمّة، هو لغتها. وهي اعظم مؤسساتها واقدرها على خدمتها. وقد قيل ان الكلمات هي بذور الافكار ولكننا ننسى ان الكلمات ايضا هي بذور الأعمال. فإن الفاظ الحرية والمساواة والأخاء التي ترددت على اقلام الكتاب الفرنسيين في القرن الثامن عشر كانت بذورا لآفكار تبلورت مع الزمن. . .

لقد تكهرب العالم عام 1919 ب (مفردات اللغة) التي وردت في خطابه والتي القاها الرئيس الامريكي ولسون بشأن حقوق الأمم الصغيرة وتقرير المصير. ونشأت من هذه الكلمات عصبة الأمم وقس على ذلك.
 
فقاعدة الثقافة هي اللغة الصحيحة المجردة من شوائب الالفاظ المبهمة، ولا يمكن بتاتا ايجاد ثقافة راقية بلغة منحطة. ولا ثقافة متحركة بلغة جامدة، لأن تحرك الثقافة ورقيها يجب ان يستتبعا رقي اللغة وتحركها. اي تطور الفاظها القديمة وتلبّسها بالمعاني الجديدة. ومن هنا هذه الظاهرة التي يوضحها لنا التاريخ وهي انه عندما وجدت الامم الاوربية ان اللغة اللاتينية التي كانت وسيلتها الثقافية مدة القرون الوسطى قد اصبحت لا تتفاعل مع المجتمع الاوربي في نهضته الجديدة ولا تسايره، عمدت الى نبذها واتخاذ لغاتها الوطنية، بعد ان نقتها وهذبتها من الزوائد.

وهذا ايضا هو تفسير الانقلاب الثقافي الجديد في الصين اذ انها بقيت آلاف السنين وهي تعتمد على لغة قديمة حجبت عنها الحضارة العصرية. فلما استقر رايها على الاخذ بهذه الحضارة عمدت الى لغتها فاستحدثت منها طرازا جديدا للأراء يتفق وضرورات هذه الحضارة.

ومهما كتبنا فاننا لن نبالغ في قيمة اللغة للشعب، نعني اللغة العصرية التي تقبل التطور وتقدرعلى الاستيعاب للفنون والعلوم واصطناع الالفاظ الجديدة. اللغة التي لا يجد فيها المفكر حرجا يضيق عليه تفكيره ويضلله باتخاذ الفاظ لا تؤدي اغراضه او تمنعه من ان يتناول بعض الموضوعات العلمية او الفنية او الفلسفية لانه يجد عجزا في اللغة عن اداء معانيها.

* مقتبس من كتاب الحضارة : تأليف د. حسين مؤنس
 

صوت العراق