التوحيد والإصلاح تدعو إلى تعميم اللغة العربية في التعليم العالي

وائل بورشاشن

 

دعت حركة التوحيد والإصلاح إلى إلزام وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بانتظار صدور القانون الإطار في القضايا التي تثير إشكالات واختلافات مجتمعية مثل موضوع لغات التدريس، مع الوقف الفوري لكل الإجراءات التي اتخذتها بهذا الصّدد، واتخاذ كافة الضمانات القانونية حتى تكون النصوص التنظيمية التي يحيل عليها القانون الإطار عاكسة لجوهر الإصلاحات، ومحصَّنة من التأويلات الأحادية.

وأكّدت الحركة، في مذكرة قدّمت فيها رأيها حول إصلاح منظومة التربية والتكوين، على أهمية الحرص على وفاء القانون الإطار لمكتسبات المدرسة العمومية ومجّانية خدماتها أمام مختلف المواطنين، وأهمية التزام الدولة بتمويل التعليم، مع تحديد صيغ للتضامن في التمويل لا تمس مبدأ المجانية، ولا تلزم الأسر بأي رسوم أو واجبات مباشرة كيفما كان نوعها.

كما نصّت مذكرة الحركة على ضرورة بقاء اللغة العربية اللغة الأساس للتدريس بمختلف مراحل التعليم الابتدائي والثانوي، مع السعي إلى فتح مسالك جامعية تواصل التدريس بها في مختلف التخصّصات، والحرص على ضمان القانون الإطار المكانة اللائقة للّغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، مع الانفتاح على "اللغات الأجنبية الأكثر انتشارا في مجال البحث العلمي"، في إشارة إلى الإنجليزية، بينما تحدّث القانون الإطار عن "اللغات الأجنبية الأكثر تداولا"؛ في إشارة إلى اللغة الفرنسية.

ووصفت الحركة ما يعرفه انتقاء وتكوين الأساتذة، خصوصا مع اعتماد نظام التعاقد، بـ"التخبط الواضح"؛ مذكّرة بأن أي إصلاح لا يمكنه أن يؤتي ثماره دون أن يأخذ بعين الاعتبار المكانة اللائقة للمؤسسة المدرسية ومختلف العاملين بها، دون جعل مهنة التعليم متنافسة مع بقية القطاعات الحيوية في جذب أحسن الكفاءات وتوفير ظروف عمل وخدمات اجتماعية لائقة برجال ونساء التربية والتعليم.

اختلالات في المنظومة

انتقدت حركة التوحيد والإصلاح سياسة وقرارات الجهات الوصية على التعليم، وبرامجها ومناهجها التي لم توفّق كثيرا في الالتزام بالمرجعيات مثل الميثاق الوطني والرؤية الإستراتيجية، مضيفة أنه من الممكن القول إن هذه السياسات حادت عن هذه المرجعيات في خياراتها المتعلقة بالمسألة اللغوية، والتربية على القيم الإسلامية والإنسانية الجامعة، وترسيخ اعتزاز الناشئة بأمجاد بلدها وتشرّب تاريخه الحضاري العريق.

واستحضرت التوحيد والإصلاح تحجيم الممارسة العملية دور اللغتين الرسميتين بالمغرب اللتين من المفروض أن تنالا قيمة اعتبارية قوية في النظام التربوي، متحدّثة عن "عدم تحقيق المطلوب بعد" من تأكيد الوثائق المرجعية، مثل الميثاق، على التربية على القيم الإسلامية والإنسانية الجامعة كمدخل من مداخل بناء المِنهاج التربوي المغربي، وهو ما يؤكّده، حسب المذكرة، تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول موضوع القيم.

ورأت الحركة أن المدرسة المغربية أصبحت مجالا للتمييز على أساس المستوى المادي للأسر، مضيفة أن تراجع ظروف وإمكانات التعليم العمومي أدت في كثير من الأحيان إلى فقدان الثقة فيه، مستشهدة في هذا السياق بـ"التدهور الواضح في البنية التحتية للمؤسسات التربوية في الأوساط غير المحظوظة بالوسط القروي والمناطق الهامشية، فضلا عن محدودية فرص التعليم وضمان استمراريته أمام فئات مهمة من المجتمع إما بسبب الإعاقة، أو الفاقة، أو انعدام الظروف المناسبة، أو البعد الجغرافي عن المؤسسات المدرسية بمختلف مسالكها".

وانتقدت كذلك الظواهر السلبية التي انتشرت في القطاع التربوي التعليمي مثل الغش والمحسوبية، وضعف الحكامة في إسناد المسؤوليات والمهام وفي الإعفاء منها وفي اتخاذ القرارات وتنفيذها، وهو ما يمس مصداقية القطاع، وشفافيته، ويحول دون تحقيق تكافؤ الفرص فيه.

ضرورة الجودة

تناولت مذكرة التوحيد والإصلاح بالنقد تركيز جهود الإصلاح على نشر التعليم وتعميمه دون أن يواكب ذلك حرص على جودة مقاربات، ومناهج، وخدمات المؤسسات المدرسية والجامعية. كما انتقدت إعطاء الأولوية للمؤشرات الكمية، في ظل تزايد تراجع قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي، محذّرة من أن هذا قد يتكرّر مع الإصلاح الحالي في حال عدم رصد الإمكانيات اللازمة لتطوير المنظومة وإصلاح اختلالاتها، وفي حال عدم حضور الإرادة الفعلية للتغيير عند التخطيط والتّنزيل والتقييم.

وشدّدت المذكّرة على أن السعي إلى تحقيق جودة التربية والتكوين ينبغي أن يشكّل قاطرة أساسية للإصلاح من أجل مواكبة المستجدّات المعرفية والتكنولوجية في المجال، وهو ما يتطلّب كُلفة مادية ومتطلبات معرفية وبشرية ولوجيستيكية ينبغي أن توفّرها الدولة باعتبارها الضامن لحق التعليم بالنسبة لجميع المواطنين على قدر سواء.

وعبّرت الحركة عن يقينها في أن تذبذب السياسة اللغوية بالمغرب قد انعكس سلبا على مردودية المنظومة التربوية الداخلية والخارجية، على الرغم من حسم الدستور الاختياراتَ اللغوية والثقافية للبلاد، منتقدة الممارسة العملية للوزارة الوصية التي تكرّس التذبذب في السنوات الأخيرة، ولا تعطي الأولوية في تدريس اللغات للّغتين الرسميتين بالبلاد اللتين تمّت مزاحَمَتهما باللغة الأجنبية منذ المراحل التعليمية المبكّرة؛ وهو ما يؤثر سلبا، حسب المذكرة، على التمكن منهما، ويربك التراتبية اللغوية بين اللغات الأجنبية واللغات الوطنية، مشيرة في هذا السياق إلى ضعف انفتاح المنظومة التربوية المغربية على اللغات الأكثر حضورا وتأثيرا في العالم.

كما وصفت مذكرة التوحيد والإصلاح التراجع عن اعتماد اللغة العربية في تدريس المواد العلمية بـ"المؤسف وغير المبرر"، ووسمت تعميم تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية بالتناقض حتى مع مبدأ التناوب اللغوي الذي جاءت به الرؤية الإستراتيجية وحدّدته في "تدريس بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغة الأجنبية"، مشيرة إلى ضعف فاعلية المقاربات البيداغوجية وهشاشة المقرّرات والكتب المدرسية، وضمور المضامين المعزّزة للهوية، مع ملاحظة التركيز الكبير على الجوانب النظرية على حساب المهارات العملية التطبيقية، ومعبّرة عن استغرابها من العمل بالكتب نفسها لمدة تجاوزت 15 سنة أحيانا، مع قيام وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بمراجعات جزئية استفردت باتخاذ القرار فيها.

مقترحات حول الإصلاح

ثمّنت حركة التوحيد والإصلاح الإيجابيات التي جاءت بها الرؤية الإستراتيجية، وحرص الحكومة على توفير الضمانة القانونية لاستمرارية إصلاح منظومة التربية والتكوين عبر اعتماد مشروع قانون إطار وإحالته على البرلمان؛ مقترحة الحرص على مواصلة العمل بالمقاربة التشاركية في إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ورفض المبادرات الأحادية للوزارة الوصيّة في تفسير نصوص ووثائق الإصلاح وفي تنزيلها عمليا على أرض الواقع.

ودعت الحركة إلى الالتزام بالاختيارات الدستورية للبلاد في مختلف قضايا التربية والتكوين ومشاريع تنزيل "الرؤية الإستراتيجية 2015-2030"، عملا بنص الفصل الأول من الدستور الذي يقول إن "الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعدّدة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي". كما دعت إلى التربية على القيم الجامعة التي ارتضاها المجتمع، والعمل على ترسيخ الهوية الوطنية في نفوس النشء؛ لأن البلاد مؤهلة لبناء مدرسة مغربية أصيلة متجذّرة في التربة الوطنية، ومنفتحة على التجارب الإنسانية المتميّزة.

وأكّدت الحركة على أهمية الحزم في معالجة الاختلالات التي يشهدها القطاع، وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف المتعلّمين في الاستفادة مجّانا من خدمات عمومية جيدة للتربية والتكوين والبحث العلمي، بغض النظر عن إمكانيات أسرهم المادية أو ظروفهم الاجتماعية أو الصحية، مع الحرص على أن يشمل الإصلاح سائر أسلاك المنظومة من التعليم الأولي إلى الجامعي، ووضع رؤية واضحة للتعليم الأولي تستوعب الخصوصية المغربية وتتحمّل الدولة مسؤوليتها في الإشراف المباشر عليها، مع تجنب التسرّع في تعميمها دون توفير ضمانات الجودة اللازمة.

كما دعت التوحيد والإصلاح إلى الالتزام بأجل محدّد للقضاء على آفة الأمية، وأكّدت على أهمية الالتزام بجعل اللغة العربية لغة التدريس الأساس في جميع مراحل التعليم، وتعميمها في مختلف فروع التعليم العالي كمدخل ضروري لاسترجاع مكانتها في القطاعات الحيوية، مع تهيئة اللغة الأمازيغية لتتبوأ مكانتها الدستورية، وإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى حيّز الوجود حتى تقوم بدورها الكامل في العناية باللغة العربية وقضاياها، وتطوير مقاربات تعلّمها والتعلّم بها، داعية إلى التراجع عن القرارات والمذكّرات التي أصدرتها بعض المديريات والأكاديميات التي تتجاوز ما تطرحه الرؤية الإستراتيجية في موضوع لغات التدريس.
 

هسبريس