مُقارَبات أُسلوبيَّة بَيْنَ اللُّغَة العربيَّة وأَخَوَاتُهَا القَدِيمَات في النِّطَاقين الجُغرافيّ والتَّاريخيّ من خلال انْسَاقَ بِنْية التَّكرار الإِيقاعيّ الدِّلالي في الأساليبُ الأَدَبيَّة المِصريّة القَدِيمُة والعربيَّة

د. أيمن وزيري

 

إذا ما نظرنا إلى واقع الأدب في الثقافات القديمة وحينما يريد الإنسان أن يقرأ صفحة من صفحات الفكر في أي ثقافة أو أمة من الأمم سوف يجد أمامه فكر مُتمثل في مجموعة من الشواهد التي تُساعده على معرفة فكر الأمة ومرايا عصرها وعلى رأسها الأدب، والأدب أياً ما كان نوعه فهو بمثابة عصارة سلوك لنهج أمة ونتاج لتفاعلاتها إزدهاراً وانهياراً. وهو بطبيعة الحال خلاصة تجارب الإنسان في كل زمان في فترات القوة أوالضعف وأي مكان حيث المجد أو الإضمحلال يحكى أحداثاً تاريخيةً أو قصصاً أو روايات أو أساطير ويلقى الضوء على مبادئ الإنسان واخلاقياته ومبادئه ومثله وكذلك على ما تغنى به فرحاً أو حزناً وأيضاً على ما شارك به فى حياته الدنيوية والدينية . فالأدب إذن هو الوعاء الذى يحتوى على فكر الانسان فى كل جوانب الحياة، على علاقته الأسرية والمجتمعية، على تدينه من عدمه ، على شكاواه وثوراته وتمرده ،على روح السخرية لديه، على ثراءه وفقره، على طبيعة عمله ومدى حبه لهذا العمل من عدمه . 

 ولأن الادب هو الإطار الفكرى لأي مجتمع من المجتمعات وهو الذى يحكي طموحاتة واهدافه، وهمومه الداخلية والخارجية وعلاقاته بجيرانه، ومن ثَّم فهو المُعبر عن مدى ثقافة وتعليم الإنسان من  عدمه . وفي إطار ثراء الكثير من جوانب الحياة فى مصر الإقتصادية والسياسية والعسكرية والإجتماعية والفكر الدينى والتأملى والإبتكار يجىء ثراء الأدب بإعتباره المرآة التى تعكس بوضوح قصة هذا المجتمع عبر الأجيال ومبدأ التورث من جيل إلى جيل  ليظل معظمها يعيش بين ظهرانيتا فى زمنا . ومنح الله مصر أصحاب الحكمة والخبرة والتجربة لكى يقدموا لها  إبداعاتهم في الأدب ، حيث كان أدباء مصر القديمة من أكثر الذين تركوا بصمات كثيرة فى مجتمعهم وخارج مجتمعهم ، وقد نهلت الحضارات القديمة من نبع الحضارة المصرية القديمة بوجه عامٍ وعن الأدب بوجه خاصٍ . ولكل أمة خصوصيتها فى الآداب .... هكذا كان الحال فى مصر . مصر التى وهبها الله طبيعة آمنة وشعب مُسالم لا يميل إلى العنف ولا يلجأ إلى قتال إذ دفعه طرف إلى ذلك . وجاء الأدب المصرى مُعبراً عن طبيعة الأرض المصرية والإنسان المصرى ...هكذا جاء بسيطاً يصل بسهولة إلى العقول والقلوب ينساب في يسرٍ كإنسياب نهر النيل مُعبراً عن أصالة مصر والإنسان المصري، وعن جهده وجديته وعن تسامحه وانتماؤه لارضه، ولهذا خلد الأدب المصرى نفسه عبر العصور ووصل بعضه إلى مصاف الأدب العالمى كنشيد اخناتون وسفر الأمثال وقصة سنوهي وغيرها من الآداب . وقد نقل الأدب المصري مشاعر الحب والود لدى الإنسان المصري وكذلك قصائد الغزل، كما نقل إليه الكثير من المشاعر الإنسانية من خلال أدب الحكم والنصائح، كما استخدم الشعر والأمثال ليحكي جانباً من جوانب المجتمع على مستوى الفرد والوطن بأكمله . 
 وتتمثَّل أنساق بِنية التكرار الإيقاعي الدِّلالي في الأساليب الأدبية المصرية القديمة والعربية من خلال بعض الأساليب الإيقاعية والدلالية في اللغة العربية وإحدى لغات العالم القديم، وهي اللغة المصرية القديمة. كما يتمثّل موضوع البحث في دراسة بعض أنساق بُنَى التكرار الإيقاعي الدِّلالي في الأساليب الأدبية المصرية القديمة والعربية من خلال بعض الشواهد الأدبية المُتماثلة، وخاصة تلك الشواهد التي تشكلت أبنيتُها على الأنماط الأسلوبية البديعية. وتَبدُو أهمية البحث من خلال فتح أفق جديد للدراسات اللغوية المقارنة بين اللغتين العربية، والمصرية القديمة. 
 وبالنظر إلى ما بين اللغتين من العلاقات الجغرافية والتاريخية، فضلاً عن شيوع المشترك اللفظي وغيره من الظواهر التركيبية النحوية كسائر اللغات واللهجات العروبية القديمة وغيرها من الساميات والحاميات، الأمر الذي لم يلق العناية الكافية من الباحثين على مستوى الأنساق التركيبية والإيقاعية، وعلى ذلك فيتضح الكشف عن الأبعاد الدلالية للأنساق البديعية والإيقاعية في اللغتين محل المقارنة، وفيما يتجاوز الأُطُر الشكلية الجمالية(التحسينية)، وصولاً إلى أسرار التكوين البديعي في تفعيل وتشكيل الأفق الدلالي للنصِّ الأدبي من خلال مكوناته التركيبية. ولاشك في أن التقارب في قواعد النحو بين اللغات لا يتأتى عادةً إلا عن طريق وحدة أصولها القديمة حتى وإن كانت أصولاً بعيدة، ومن خلال منهجية الدراسة اللغوية المقارنة بين اللغتين العربية والمصرية القديمة في أنساق التكرار البديعي الإيقاعي والدلالي وماهيات التوارث الفكري والحضاري ، والتي لا يمكن تفصيلها في هذا المقام الموجز من تناول وصفي وتحليلي لعدد من الشواهد من اللغتين القديمتين الشقيقتين تاريخيًا وجغرافيًا، فضلاً عما بينهما من أواصر أسلوبية وشيجة، نكتفي بإجمالها عمومًا فيما يلي من مضامين تتمثل في توكيد الشواهد الأدبية من خلال الدراسة والتحليل لمدى أهمية المقاربات الأسلوبية بين اللغة العربية وأخواتها القديمة في النطاقين الجغرافي والتاريخي، ومنها اللغة المصرية القديمة في أطوراها المتعددة، بما يثري الدراسات اللسانية في هذه اللغات خاصة، وفي المجال اللساني بشكل عام. 
 ويُمكن القول أنه تشترك اللغتان (العربية والمصرية القديمة) في أنماط التعبير وتمثيل الدلالة عبر التراكيب الإيقاعية البديعية بأنساقها المتعددة المتداخلة، والتي تلعب الدور المهيمن على حركة الدلالة وتفاعلها بين أجزاء النَّصِّ جُملاً، وأشباهَ جُملٍ، وفقراتٍ، وصولاً لكتلة النَّص الكُلِّي، كما تتجاوز الأنساق البديعية – بذلك- الوظيفة التحسينية الجمالية التي قالت بها البلاغة القديمة، وتستفيد من الدرس الأسلوبي الحديث في كشف الدور الأكثر فاعليةً في تشكيل الأعماق والأفق الدلالي للنَّصِّ، وخاصة فيما يتحقق من تفاعل الأجزاء المتوازنة والمتناسبة والمتقابلة والتَّضادية بين شتى عناصر القول في الشِّعر والنثر. ويرتبط الإيقاع الصوتي والتركيبي والبديعي في اللغتين المقارنتين ارتباطًا وثيقًا بإيقاع الفكرة، حيث تتوالد دلالة الفكرة وتتنامى مع حركة الإيقاع بتشكيلاته المختلفة، وينبني النَّصُّ الأدبي على أنساق الإيقاع، كما تلعب آليات التكرار الدور الأكثر فاعلية في التشكيل الإيقاعي الدلالي، وتتجلى أهميةَ إيقاعات التركيب النحوي الإيقاعي في التشكيلات البديعية التقابلية، وتأثيرها الخلاَّق في إثراء حركة وتفاعل الأجزاء، وتنامي الدلالة واتِّساقها بين المعنى ومُقابِلِهِ أو ضِدِّهِ أو نَقِيضِهِ، حيث نجدُ الجُزءَ من الجملة يقابلُ الجُزءَ ويتفاعل معه في حركة إيقاعية نشطة وموحية.