"نصر بن عاصم" أول من وضع النقاط على الحروف

 

اللغة العربية من اللغات السامية القديمة، وأرقاها وأكثرها انتشاراً، لغة القرآن الكريم، كُتبتْ بها المنقوشات والمخطوطات المهمة، كانت تكتب الحروف دون نقاط أو تشكيل، وكان الإنسان العربي يقرأ الكلام معتمداً على سليقته اللغوية، وفهمه سياق الكلام، مميِزاً بين الحروف المتشابهة، وواضعاً الحركات الفتحة والضمة والكسرة، كلا في موضعه.

استمرت الحروف العربية بشكلها غير المنقوط وغير المشكول حتى منتصف القرن الأول الهجري، وأُجري تنقيطها في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ففي الثلث الأخير من القرن الأول الهجري أضحت اللغة العربية لغةً عالمية، خاصة عندما بدأت تنتقل مع انتقال الإسلام إلى المناطق المحيطة بشبه الجزيرة العربية، واستخدمت في تلك المناطق، وأصبحت اللغة الرسمية للدول، وكان استخدامها دليلاً على التقدم الحضاري والاجتماعي.
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول شعوب وثقافات مختلفة في الدين الإسلامي، أصبح كل شعب يقرأ القرآن بالقراءة المناسبة له، مما أثار خوف المسلمين من دخول كلمات أو تغّير شيء في القرآن عن طريق لفظ أو تشكيل الحروف بما يُناسبهم، بعدما اختلط العرب بالأعاجم، وظهر اللحن باللغة العربية، وانتشر والتوت الألسنة، وتفشى الخطأ وعدم القدرة على التمييز بين الحروف المتشابهة رسماً، كالباء والتاء والثاء والنون، والفاء والقاف، والعين والغين، والجيم والحاء والخاء، والصاد والضاد، والسين والشين، خاصة بين حديثي العهد بالإسلام من غير العرب.
خشي العلماء أن يستمر اللحن، ويتجاوزه إلى القرآن الكريم، فلجأوا إلى ضبط اللغة العربية من الناحية النحوية والإملائية، من خلال تشكيل أواخر الكلمات، كما قاموا بضبط الحروف عن طريق تشكيلها وتنقيطها، من أجل أن يذهب الالتباس والخطأ بين الأحرف المتشابهة. وحدث أن رجلاً رومياً ألقى على الحجاج بعض الأبيات الشعرية بطريقة مضحكة، لأنها لم تكن منقوطة، فقام بوضع النقط على هواه فتغير المعنى، فطلب الحجاج على إثرها من «ابن عاصم» أن يصحح الخطأ بوضع النقاط على الحروف. وأجمع علماء العربية أنه كان لنصر بن عاصم الليثي، الدور الأكبر والأبرز في وضع النقاط على الحروف، وتم للتمييز بين الأحرف المتشابهة، وهو نصر بن عاصم بن عمرو بن خالد بن حرام بن أسعد بن وديعة بن مالك بن قيس بن عامر بن ليث بن بكر من قبيلة بني كنانة، كان فقيهاً فصيحاً عالماً باللغة العربية أفضل علم، ومن علماء النحو المبرزين في زمانه، وكان أستاذه أبو الأسود الدؤلي قد سبقه بوضع حركات التشكيل «الضمة والفتحة والكسرة»، بتوجيه من الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، تلافياً للحن وتسهيلاً للنطق السليم وضبطاً لأواخر الكلمات. وذكر الجاحظ في كتاب «الأمصار»، أن نصر بن عاصم، أول من نقط المصاحف، وكان يقال له نصر الحروف، وقال الزهري: إنه ليفلّق بالعربية تفليقاً. وذكر ابن حجر العسقلاني، أنه لما انتشر اللحن في العراق فزع الحجاج بن يوسف الثقفي إلى كُتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، وعندئذ انبرى العالم الفذ نصر بن عاصم، لهذه المشكلة، في محاولة لإزالة عُجْمَة هذه الحروف أي إبهامها، فقام بوضع نقاط فارقة ومميزة عليها، ومنذ هذا اليوم وضحت الأمور بوضع النقاط فوق الحروف وزال اللبس والإبهام وصار هذا مثلاً على ذلك المعنى، وقد أدى هذا العمل الجليل إلى انقلاب عظيم في عالم اللغة العربية، ودشن نظاماً جديداً في ترتيب الحروف.
توفي نصر في العام التسعين الهجري.
 

الاتحاد