تفاعلات الاجتماعي و النفسي في مثقف عبد الكريم برشيد

أ. مراد ليمام

تفاعلات الاجتماعي و النفسي في مثقف عبد الكريم برشيد انطلاقا من مسرحية (ابن الرومي في مدن الصفيح)

يحيل النص المسرحي ( ابن الرومي في مدن الصفيح ) ٳلى ما يعانيه الٳنسان في الوطن العربي نتيجة الفقر و الحرمان و غياب الوعي المحفز على التغيير٬ في ظل تحيز الدولة لطبقة الأثرياء وتنكرها لطبقة الفقراء. كما يعكس النص وضعية المثقف العربي المقصي بمفاعيل السيطرة٬ و التي جعلته خارج اللعبة لأسباب ذاتية مرتبطة برفض الواقع٬ ولأسباب موضوعية تتجلى في أشكال الرقابة و الٳغراءات الممارسة عليه و التي تبقى مانعة من تحقيقه لوعيه الذاتي-الموضوعي. ففي نص عبد الكريم برشيد ٳشارة ٳلى نوعية خاصة من المثقف ٬ ذاك المثقف القابع داخل الشعب كما أن الشعب داخله مادام قد ولد وعاش في الأنقاض. فثورته تجسد رؤية مستقبلية ترادف الطموحات القصوى  التي تهدف ٳليها الجماعة٬ تتخذ شكل خطاب وعاه المثقف.
و من أهم المظاهر الاجتماعية بالنص المسرحي التي تعكس البنية المتعفنة والمتصدعة بالأوطان العربية انتشار الفساد و الفكر الاستغلالي و التفاوت الطبقي الصارخ٬ الذي نلمس بعض تداعياته في ظاهرة تفشي الفقر و انسداد الآفاق. هناك أيضا٬ الصراع الدرامي للمثقف العربي ضد الاستيلاء و الاستغلال من خلال صورة ابن الرومي و رئيس المجلس البلدي؛ و التي تعكس الصراع بين الفكر المثالي و الفكر الواقعي ناهيك عن الصراع بين الفن و الواقع.
فمن جهة نجد ابن الرومي رمزا له مدلولات عديدة استدعتها التجربة المسرحية وسياق تشكلها٬ حيث حددت كيفية التعامل مع الرمز  بأن أضفت على اللفظ ( ابن الرومي ) طابعا رمزيا حين ركزت فيه شحنة الكاتب الفكرية و العاطفية. فعبر شخصية ابن الرومي استطاع كاتبنا قول كل ما يريد قوله دون اعتماد صوته أو شخصيته. فلقد اندغمت شخصيته بالشخصية المسرحية و تفاعلت مع مكوناتها ٳلى درجة انصهار تجربته الذاتية في مقومات الشخصية  المسرحية تعبيرا عن وضع المثقف الراهن. و لعل هذا الأمر هو ما يفسر البعد الرمزي لشخصية ابن الرومي حينما اتخذها الكاتب للٳفصاح عن مجموع القوالب الدلالية التي تظهر السمات المميزة للمثقف المعاصر . و من أهم القوالب الدلالية نجد :
المثقف المتشائم المنكمش: فهناك مماثلة بين الشاعر ابن الرومي و بين المثقف العربي المعاصر في نص المسرحية٬ فهو مثقف مغترب عن واقعه الخارجي يعيش الخيال في الواقع. كما تظهر عليه مشاعر القلق و العدوانية السلبية المتولدة من فرض المكان (الحي القصديري ) و الجيران عليه٬ مما يعكس حالة المثقف المتأزم التي تجتمع بداخلة طائفة من المتناقضات النفسية تفرز حركة مقاومة فوضوية لا ترقى   ٳلى مستوى الوعي الذاتي-الموضوعي.
المثقف المتكسب و المستلب: اتخذ المثقف لسانه أداة للتملق تحقيقا لمصالحه و ثورة على قيم النفاق السلبية٬ لكنه تحول ٳلى مثقف مستلب أو حارس معبد يكتفي بالتنسيق على نحو زائف أقوالا يخدم بها مصالحه – باعتباره مثقفا –بمبرر خدمة قضايا عمومية و التي تبدو في الأخير على أنها ليست سوى مشكلات تلاقيها طبقة مهيمنة٬ تحتكر الفعل الاجتماعي في ظل انعدام أطر مثقفة واعية.
المثقف الثائر المتحرر: ٳن تصالح المثقف مع الواقع يجعل منه مثقفا داخل الشعب ثم يجعل الشعب داخله. ٳن ثورة الشاعر هنا محاولة للفهم و البحث عن قوانين لحياة أفضل لا تنفصل عن المجتمع و التاريخ٬ أي رؤية مستقبلية للتطلعات التي تسعى ٳليها الجماعة من خلال تعرية الواقع بتكسير منظور الجماعة المستبدة .
و من جهة ثانية٬ يكشف النص المسرحي عن نوعية الترابطات التي نسجتها شخصية ابن الرومي على امتداد النص مع شخوصه و التي لا تخرج عن العلاقتين التاليتين:
1- علاقة الحب : تجمع ابن الرومي بشخصيات الحي علاقة محبة. كما تحدد علاقته بالجارية (عريب ) التي احتضنته فاستطاعت بٳنسانيتها و حبها أن تغير بروده تجاه سكان الحي.
2 – علاقة الكراهية : تمثلت الكراهية في علاقة ابن الرومي مع الأغنياء و الذي كان يستحل سرقتهم و نفاقهم بنسج أقوال زائفة.
تلعب العلاقتان  دور العمود الفقري في ترابط مختلف مكونات النص المسرحي من الوضعية  البدئية إلى الوضعية النهائية٬ حيث تطفو تيمات سيكولوجية يقوم عليها الفضاء النصي في  تمظهراته السردية ٬ ولعل أهمها :
تيمة الظلم: هي التيمة المركزية في النص المسرحي٬ تتمثل في الفقر و الحرمان اللذان يعانيهما الٳنسان بالأحياء الفقيرة. كما تعكس الٳقصاء و التهميش الذي يعانيه المثقف ممثلا في شخصية ابن الرومي.
تيمة الحب: الحب الذي قدمته ( عريب )٬ استطاع أن يصالح المثقف مع واقعه و مع المجتمع. و بذلك تحول الحب ٳلى عامل ٳيجابي يحضن الشاعر و يقوي نفسه.
تيمة الغربة : الغربة الحقيقية للمثقف تمثلت في انفصال شخصية ابن الرومي عن واقعه منطويا على ذاته٬تعكس حالة المثقف المأزوم و الكاره لوضعه الاجتماعي.
تيمة القلق و الاضطراب: القلق و الاضطراب هما المعادلان الموضوعيان للٳحساس بالظلم و الغربة٬ حيث اجتمعت بنفس المثقف تناقضات تمظهرت في سلوكات تعكس التيمتين.
ختاما٬ سعى عبد الكريم برشيد من خلال التركيز على الجوانب النفسية و الاجتماعية في شخصية ابن الرومي ٳلى استجلاء التحولات الصعبة التي يعيشها المثقف المعاصر داخل المجتمع العربي. كما أراد برشيد لفت الانتباه ٳلى تداعيات ذلك على نفسية الفرد وخاصة الفقراء و الضعفاء.