الخوف أن تتحول أكاديميات اللغة إلى مجالس لتقاعد الإطارات

خالد بودية

 ما الجديد الذي جاء به تعديل الدستور في قضايا الهوية والانتماء الحضاري؟

 وردت عبارة في مقدمة الدستور الجديد هي “تشكل هذه الديباجة جزءا لا يتجزأ من الدستور” أي الجديد، تجعل منها مضامين مقدمة ومؤطرا قانونيا وتنظيميا لقضايا الهوية والمصالحة والعدالة الاجتماعية والاقتصاد المنتج والتنمية المستدامة والبيئة. والملاحظ أنه أضيفت عبارة “دولة ديمقراطية وجمهورية” بدون شعبية، ومن هنا كان لزاما إعادة تسمية الدولة الجزائرية بحذف صفة “الشعبية” المحددة إيديولوجيا بالدول الغربية الاشتراكية في الزمن الماضي.

وقلت إن الديباجة معظم فقراتها حول الهوية الجزائرية، تاريخيا ودينيا وعروبيا وأمازيغيا، والعبارة الجديدة في الفقرة الثالثة “التي تعمل الدولة دوما لترقية وتطوير كل واحدة منها”، الترقية والتطوير المشار إليها يتكرر في مواد الدستور، سواء الخاصة بالعربية أو تامزيغت أو الإسلام، من خلال مجالس أو أكاديميات، ما يحيل إلى أن القوانين المنظمة لهذه الهياكل لا تخرج عن تنصيب أعضاء. والخوف أن يتحول بعضها إلى “مجالس تقاعد” لبعض الجامعيين والإطارات. وأعطي هنا مثالا، لماذا تسند في البلدان العربية رئاسة المجامع اللغوية إلى الطاعنين في السن وكأن العربية عجوز شمطاء؟ أو هي النحو والصرف فتكون أشبه بقسم أو معهد يدرس اللغة العربية، إنه تحنيط يعطل طاقة الاجتهاد واستغلال قوة الشباب.

في قضية اللغة العربية ودسترة الأمازيغية، هل المجالس والمجامع تؤدي الأهداف؟
 سابقا كان مجلس استشاري للعربية مثلا وتبقى له هذا الصفة الاستشارية في الدستور الجديد. الإضافة المهمة هنا في تحديد المهام وهي “ازدهار” و”تعميم” استعمالها في الميادين العلمية والتكنولوجية، لأنها كانت مقتصرة على العلوم الإنسانية والاجتماعية. والمهمة الأبرز والضرورية هي “الترجمة” إليها. ولكن المشكل هو غياب طابع “الإلزامية”، أي أن ما يصل إليه الخبراء يبقى غير ملزم، وأرى بالمناسبة توحيد الجهد في تطوير وترقية العربية بضم المجمع والمجلس الأعلى للغة العربية ومركز العربية للبحث في مجلس واحد، وتقويته وخلق فروع له مع ميزانية معتبرة. كما أنه لا يكون هذا المجلس فرعا تابعا لأقسام اللغة العربية في الجامعات، وأذكر أن المجلس قام سابقا بمجهود متميز في التفتح على الاختصاصات الأخرى، وكنت أنا المشتغل بالفلسفة والفكر الإسلامي خبيرا لديهم، كما أن هناك علماء نفس ومختصين في العلوم التكنولوجية والإعلام الآلي، وهي خبرة ينبغي تطويرها مستقبلا مع إمكانات مادية وتقنيين، ما يسمح لهذا المجلس بالاجتهاد والمساهمة في ترقية هذه اللغة.

لكن الدستور ترك الأمور غامضة بشأن ترسيم فعلي للأمازيغية؟
 نفس الملاحظات المتعلقة سابقا باللغة العربية تنطبق على الأمازيغية، رغم أن الدستور يعترف بالعائق اللساني والعلمي، ويترك للخبراء توفير المستند الاجتهادي لترقية هذه اللغة وترسيمها، ومن هنا وردت جملة “فيما بعد” واختتمت المادة 3 مكرر بـ”تحدد كيفيات هذه المادة بموجب قانون عضوي”. وقد بدا منذ الآن الخلاف السياسي بين المناضلين من أجل تامزيغت وبعض الإسلاميين في أن تكتب بالحرف العربي أو اللاتيني، ويخفون طبعا خلافات أخرى -أقصد الإسلاميين- مع الديمقراطيين والعلمانيين، وهذا تكتيك منهم مؤقت لأن غريمهم واحد، ولكن المهم أن فصائل منهم تؤمن بدسترة الأمازيغية وحرية المعتقد والرأي.

على ذكر حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، بعضهم يرى أن ذلك جاء استجابة للتقارير الأمريكية المنتقدة للحريات الدينية في الجزائر، ما رأيك؟
 الجديد في هذا المشروع إضافة عبارة “حرية ممارسة العبادة مضمونة” في ظل احترام القانون طبعا. ممارسة أية عبادة بما فيها الصلاة في المساجد تخضع للقانون، وكذا بناء المساجد وإنشاء الزوايا، تنظيم الشأن الديني اليوم ضروري منعا لبروز “الطائفية والفتن المذهبية” والتعصب والتكفير، وعلينا أن ندرك من جهة أخرى أن آلاف الأجانب من غير المسلمين في حاجة إلى دور عبادة في منشآتهم، والقانون رقم 06-03-2006 الذي يحدد شروط وقواعد ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، من أسباب وضعه ظاهرة التبشير البروتستاني “الإنجيليون الجدد”، التي انتشرت حينها، وهنا نسجل موقف الدولة الجزائرية وحرصها، رغم الانتقادات التي وجهت لنا من طرف بعض السفارات والداعين لحرية المعتقد. أتصور أن القوانين والتنظيمات القادمة التي تصدر لاحقا بخصوص هذه المادة الدستورية، ستكون أكثر انسجاما مع روح الدستور والحريات الفردية والعامة. وبالمناسبة هناك معوقات لقبول الآخر في الوعي العام الشعبي وعند بعض النخب الدينية، التي لا تزال تقسم العالم بثنائية، دار الإيمان ودار الكفر، أو لا تضع مفهوم “الردة” في سياقه الحضاري والثقافي حين ارتبط ذلك بمحاولة هدم كيان الدولة القائمة، ما يشبه اليوم “الخيانة العظمى للوطن”.

فالمشتغلون بالديانات والأهواء والفرق قديما كالشهرستاني وابن حزم، كانوا في حرج ممن أسموهم “من له شبهة كتاب”، يعني أقرب إلى أهل الكتاب كالبوذية مثلا. ترى، لماذا يسود اليوم الاعتقاد بأن المساحة المسموح بها للأديان الأخرى هي فقط “المسيحية واليهودية”؟ ماذا نفعل أمام آلاف الصينيين الذين يتبعون البوذية في الجزائر؟ أقول لهؤلاء عودوا إلى ابن حزم الذي يعترف بالبوذية كديانة وليست أهواء أو نحلة، أعتقد أن ما يواجهنا مستقبلا هو التعصب المذهبي وتحول بعض المتأثرين بالتشيع أو الأحمدية مثلا إلى “طوائف”، والتدين السري أخطر، فلابد من قوانين منظمة وعلنية في العلاقة مع الله، وأن المجتمع المدني القاسم المشترك فيه هو “المواطنة”.

حسب رأيك، هل القوانين المنظمة للدستور مستقبلا تتجاوز الفراغات القانونية في قضايا الهوية والتاريخ؟
نرجو ذلك، فمثلا قضية دسترة المصالحة والسلم تبقى هلامية إن لم نحدد الإجراء لحماية ذلك، وأنتم تلاحظون اليوم تصريحات بعض الجنرالات قد تثير ردود الفيسيين والجماعات الجهادية التي دخلت السلم، وبالتالي نورط أجيالا جديدة في صراع لم يكونوا جزءا منه، صحيح، ذلك متروك على المستوى العلمي وللشهادات، ولكن إحياء ثقافة الانتقام وتصفية الحساب وفتح ملفات لا ندري ما عواقبها يهدد هذه المادة في الدستور، ولذلك ستكون هذه المسألة غصة في حلق السلطة والمعارضة على السواء.

هل يفهم من كلامك أن حرية المعتقد لابد لها من تشريع جديد؟
 نعم، حرية المعتقد تتطلب تشريعا جديدا مرنا يتجاوز المرسوم السابق، ومن جهة أخرى نحتاج إلى تشريعات تمنع “ازدراء الأديان” حسب اللوائح الدولية، ومنع المس بالقيم الروحية للشعب الجزائري، ولكن في نفس الوقت “تجريم التكفير”، لأن هناك من يستغل مواد الدستور كالإسلام دين الدولة واحترام القيم لتجريم الآخرين، أو تفسيقهم وتبديعهم، وهذا لا يكفي قانونيا، بل على المؤسسة الدينية الرسمية وغير الرسمية تقديم خطاب اجتهادي يحترم الآخر ويدعو للوسطية والاعتدال، ومراجعة مادة “التربية الإسلامية” في مدارسنا، واللغة العربية والفلسفة والتاريخ، وبالمناسبة فالكتاب المدرسي في بعض نصوص التاريخ يعتبر الإباضية خوارج، وفي ميراث السنيين “الخوارج مارِقة”، المعركة أكبر من أحصنة شاخت لم تستطع الدفاع عن الدولة والسلطة، وهي تحارب بوسائل بالية وبقلوب غير مخلصة لأنها تبحث عن المغانم والمناصب.
 

الخبر