للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الأقمار المتداخلة

أ. بهيج إسماعيل

 هناك مسرحية تعرض حاليا باسم «قمر العميان»، والعنوان مكثف وموحي.. وهى تدور حول الصراع بين قمرين.. قمر حقيقى موجود، وقمر خادع مصنوع..

فلاشك أن للأعمى قمره الخاص الذى شكله لنفسه داخل ظلامه الذى (يري) فيه.. ونحن لا نعرف شكل هذا القمر الداخلى الذى صنعه.. فهو لم ير القمر الحقيقى أصلا.. لكنه وصف له.. ولأنه لا يملك ملكة الإبصار فقد أمكنه ـ بتصوره الخاص ـ عمل ذلك القمر الذى به يستضيء بتصوره وطريقته التى لا نعرفها.. ولا يمكننا تصورها نظرا لاختلاف العين واختلاف الرؤية واختلاف المفاهيم.. نحن لن نصل إلى نور قمره.. إن كان له نور.. كما أنه لن يصل إلى «قمرنا»، حيث هو فاقد قدرة الإبصار. 

وحين ذهبت لمشاهدة المسرحية لم أجد هذا المعني.. لكنه أوحى إلى برسم تلك الصورة الفارقة بين القمرين منعا للتداخل.. حين حاول أحد أصحاب »الأقمار المظلمة« قتل نجيب محفوظ لم يكن قد قرأ له شيئا.. إذ أنه جاهل البصر والبصيرة والطريق.. ومع هذا حين أدرك الكاتب الكبير المبصر جدا ذلك.. أهدى إليه ثلاثة كتب.. كتب فى بداية الإهداء: «إلى من حاول قتلي، وفى نهايته.. وإلى مجتمع لن ينصلح حاله إلا بالثقافة» هذه الجملة المكثفة الموجهة للمجتمع الذى هو مصر أساسا لا شك أن من أملاها على الكاتب الكبير المفكر هو ضميره.. هو «الأنا الأعلى» فيه.. هو الرسالة التى حملها والتى يريد توصيلها «إصلاح الثقافة حتى ينصلح حال المجتمع».. وهل كان الأنبياء إلا مصلحين؟ 

هذه هى القضية الكبرى الآن.. فى مصر وفى كل ما حولها من الدول العربية والناطقة بالعربية.. والتى يشكل عقلها اليوم القاموس المحدود من تراث اللغة العربية بعد أن سدت أمام نفسها الآفاق طلبا للدعة والاسترخاء من ناحية.. وراحة للحكام المتتابعين. 

فيما قبل أن يقال «العلم نور» وحين نزل القرآن على النبى الكريم كانت أولى آياته: «اقرأ».. وكانت اقرأ تعنى العلم والتعلم والإحاطة.. وفى الإنجيل «فى البدء كانت الكلمة».. والكلمة هى اللبنة الأولى فى خلق الكون بـ «كن».. وهى اللبنة الأولى فى تكوين عقل الإنسان أيضا.. إذ منها وحسب مفهومها تتكون الجمل التى هى أدوات التفكير. 

القضية التى تهمنا اليوم.. والتى أوصلت مصر إلى أن يخرجوها عالميا من منظومة التعليم.. بمعنى جودة التعليم.. هى طلب التعليم المضيء.. التعليم الذى يفتح العقول ويجعلها «تري».. لا التعليم الذى يغلقها على معلومات معينة متوارثة أو مطلوبة يبدأ بها الطفل حياته فى سنيه الأولى حيث تثبت فيها ـ علميا مدى الحياة حيث التعليم فى الصغر ـ بحق ـ كالنقش على الحجر.. إزالته صعبة بل صعبة جدا. 

القضية فى شكلها الملح الآن والمحدد هو إصلاح الخطاب الديني.. فباسم الدين والفهم المتشعب له.. تدور الحروب الآن فى كل منطقة الشرق الأوسط.. يرفع فيها الجميع علم الدين وصيحة «الله أكبر».. ويصبح فيها القتل والذبح وفصل الرءوس والحرق حيا وسائل للوصول للجنة فى الآخرة.. وللوصول للسلطة على الأرض! 

كيف يمكن تغيير تلك المفاهيم إن لم تتغير مدلولات الكلمات أولا؟ فى المدارس والمعاهد الأزهرية.. وزوايا الخطب عالية الصوت.. ومشايخ الإفتاء غير الواعين.. والأهم تلك القنوات الفضائية الراعية للسحر والشعوذة تدعمها ـ بلا ضمير ـ آيات الدين؟ 

هو صراع إذن بين العلماء الحقيقيين.. علماء العلم وعلماء الدين الواصلين لروح الدين.. وبين الكهنة الذين يتاجرون به؟ ورغم أنهم يمتلكون حسا أرضيا عاليا يجعلهم يسعون لامتلاك الأراضى والعمارات على الأرض.. فإنهم يدعون الناس إلى نبذ الحياة على الأرض سعيا إلى الحياة الأخري!! أين «وقل اعملوا؟». 

الحرب دائرة الآن فى الساحة العربية والإسلامية، والغرب يعتبرها «فرجة رومانية».. وسوقا يصرف فيها الأسلحة المخزونة لديه.. أمريكا وروسيا وأخيرا انجلترا التى دخلت إلى السوق! 

ما الذى يجعل شابا فى بدايات حياته يفجر نفسه ليتحول إلى أشلاء داخل الكنيسة المرقسية كما حدث؟ باسم الدين ورفضا لأى دين آخر إلى حد القتل.. ما الذى أبعد عن هذا الدين أن القتل محرم كما قال الله فى جميع الأديان.. ما الذى أوصل إليه مفهوم أن غيره كافر.. سواء خالف مفهومه إن مسلما أو مسيحيا.. مع أن النبى الكريم رفض الحكم على كافر حين قال لمحدثه: «كيف عرفت.. هل شققت عن صدره لترى ما فى قلبه!». 

 
{ هى الثقافة إذن.. تغيير المفاهيم.. وهذا لن يحدث إلا بثورة ثقافية واعية ومتسارعة تبدأ من التعليم.. تغيير المناهج للصغار.. بإضافة حصة إلى الدين تتعلق بروح الأديان كلها بصفتها نابعة من إله واحد.. أليست كلها تحرم القتل؟ أليست كلها تدعو إلى التسامح والحب؟ أليست كلها تدعو إلى حسن معاملة الجار.. وإلى أن الناس جميعا سواسية.. أليست كلها تستنكر الغش والكذب والخداع؟ وقد قال خاتم المرسلين إلى الأرض: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.. فإن لم يستطع فبلسانه.. فإن لم يستطع فبقلبه.. وهذا أضعف الإيمان». 

ونحن قد وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيها اللسان بكاف.. ولا القلب بواصل.. وأصبحنا فى حاجة إلى اليد العملية القادرة على الهدم والبناء لتشييد العقل من جديد.. ولتكن هذه اليد هى يد القانون القوى القادر على التنفيذ. 
 

الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية