للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

هذه خارطة الطريق للخروج من نفق العزلة اللغوية

الشروق

 اتفق الأساتذة الذين شاركوا في ندوة "الشروق" حول "واقع ومستقبل اللغات الأجنبية في الجزائر" أن الوضع ليس بتلك السوداوية الني ترسمها عادة وسائل الإعلام على اعتبار أن هناك إقبالا كبيرا من طرف قطاع واسع من الجزائريين على تعلم اللغات لكنهم اعتبروا في الوقت نفسه أن سبب الاختلالات التي تعرفها العملية التعليمية يعود أساسا إلى طريقة التلقين وتدريس هذه اللغات أو ما يعرف بتعليمية اللّغات.


مديرة المعهد العالي العربي للترجمة الدكتورة إنعام بيوض:

نحن من أهان اللّغة العربية بالرّياء السّياسي!

علينا إعادة النظر في تعليمية اللّغات

أكدت مديرة المعهد العالي العربي للتّرجمة أن تعليم اللغات في الجزائر يعاني من مشكلة كبيرة تتعلق بطريقة التّلقين والتدريس، أو ما يعرف اصطلاحا بتعليمية اللّغات، حيث قالت المتحدثة خلال ندوة الشروق حول "واقع تدريس اللغات في الجزائر" إننا مدعوون إلى إعادة النظر في طريقة تدريس اللغات جميعها بما في ذلك اللغة العربية.  وأوضحت بيوض أن "الشيء الأساسي في تعليم اللغات هو أن يكون للطالب أو المتعلم مرجعية في لغته الأم لأن الدراسات الحديثة أثبتت أنه لا يمكن تعلم لغة أجنبية وإتقانها بشكل جيد إلا بامتلاك ملكة اللغة الأم وتمثيلها تمثيلا كاملا مبنيا على مرجعية معرفية فيها". واستشهدت صاحبة "السمك لا يبالي" بتجربة فنلندا التي تخصص ثماني سنوات كاملة من أجل التحكم فقط في اللغة قبل مباشرة المسار التعليمي للطالب.

وبما أن الإتقان والتحكم في أي لغة أجنبية يمر بالضرورة عبر التحكم في ناصية اللغة الأم قالت إنعام بيوض إننا اليوم مجبرون على إعادة النظر في تعليمية اللغة العربية "ّلا نستطيع أن ننكر أننا مجتمع يعيش "الديقلوسيا" أو الازدواجية اللغوية هناك لغة منشودة ولغة محكية ولم يتم التقريب بين العامية والفصحى من أجل خلق لغة وسيطة لأن الدراسات تؤكد أن ما يطور اللغة هو الكلام وليس اللسان". وتضيف مديرة معهد الترجمة قائلة "عاملنا اللّغة المحكية كجسم دخيل حتى صارت فقيرة بينما هي ظاهرة نتاج تطور وصيرورة اجتماعية للغة التي تسعى دائما للإيجاز والدقة". تضرب بيوض المثال بكبار السن الذين لا يعرفون اللغات الأجنبية كانوا يتحدثون لغة عامية مفهومة ولا تشوبها شائبة ويسمون الأسماء بمسمياتها؟

ورافعت مديرة معهد الترجمة لصالح إيجاد لغة "جزائرية" تقرب الفصحى الأكاديمية بواقعها الاجتماعي "فكل لغات العالم اليوم تنزع للتبسيط وتضع نفسها في قلب عصرها لتتطور إلا العربية ما زلنا نصر على ربطها بأشياء ماضية تعيق تطوّرها"، وهنا تؤكد المتحدثة أن ربط العربية بالقداسة والدين له جانب كبير من مسؤولياتنا تجاه هذه اللغة. العربية حسب بيوض لغة وجدت قبل القران وعلينا فصلها عن المقدس والرياء الديني. "اللغة التي صمدت 20 قرنا معناها أنها تملك إمكانيات متجددة لاستيعاب عصرها فلماذا نصر على ربطها بالماضي بحجة القداسة؟. وتعطي الدكتورة والمتخصصة في الترجمة أمثلة بلغات نزعت إلى التبسيط والتجديد حتى سادت العالم مثل الصينية والعبرية التي لم تكن تملك ما تملكه العربية من ثراء ومقومات لكن أهلها حولوها إلى لغة علم ومعرفة.

من جهة أخرى اعترفت إنعام بيوض أنه لا يمكن الفصل بين العوائق الإديولوجية واللغات واستشهدت بما تعيشه اللغة الفرنسية في كندا من تجاذبات لكنها رافعت في المقابل من أجل جعلها منهلا لثراء اللغة وتجددها لأن اللغة، أي لغة كانت، تبقى وعاء للعلم والمعرفة والفكر لا ينبغي أن ينطلق الدارس لها من خلفية معينة .

من جهة أخرى ربطت إنعام بيوض بين المستوى اللغوي المقدم في الجزائر وبين التأطير والتكوين خاصة في الطور الابتدائي قائلة "مستوى التأطير في الإعدادي والثانوي منعدم وسيء وحتى المستوى في الجامعة انحدر، مع العلم أن من يتخرج بشهادة دكتوراه غير مقنعة هو من يتولى التكوين والتدريس وبالتالي نوعية التكوين التي يعطيها هؤلاء بدورهم للتلاميذ والطلبة تكون ناقصة أو سيئة.

وترى بيوض أن جزءا من إشكالية مستوى التكوين يعود إلى سياسة دمقرطة التعليم "التي أساءت إلى المستوى" كانت مطلبا شعبيا لم نضع له الحدود التي لا يبغي تجاوزها، لم نحدد الحد الأدنى المقبول حتى صرنا نخجل مما يحدث في رسائل الدكتوراه، هناك أطروحات ترفض لكن أصحابها يغيرون المشرف ويناقشون ويعودون إلى الجامعة كمدرسين".  وتعتقد بيوض في السياق ذاته أنه في منتهى الأهمية اليوم أن نهتم بمستوى التدريس وخاصة في الابتدائي والأطوار التعليمية الأولى التي ينبغي أن نوفر لها أحسن الكفاءات، "لماذا نضع الطلاب على منحدر الجرف ونطلب منهم أن يلقوا بأنفسهم، الطالب الذي يأتي إلى الجامعة وهو بالكاد يفك ناصية لغته الأم، كيف نطلب منه أن  يخوض غمار لغة أجنبية ليس مستعدا لها أبدا". ورفضت إنعام بيوض اتهام المدرسة الجزائرية في المطلق مؤكدة أنها نتاج هذه المدرسة  تعلمت الفرنسية في الجامعة وأتقنتها لكنها انطلقت من لغتها الأم، مؤكدا في السياق ذاته على ضرورة التجرد من الأحكام المسبقة في مقاربة اللغات تقول "نحن من أهان اللغة العربية من خلال الرياء السياسي ونعالج الواقع بمعطياته وتناقضاته، خطابنا شيء وممارستنا الواقعية شيء آخر". واعتبرت المتحدثة أن فصل اللغة العربية عن التقديس الديني من شأنه أن يبعد مخاوف الذين يقفون ضدها كونها لغة يمكنها أن تحمل إليهم المد السلفي والتعصب.

الأستاذ زهير احدادن:

لا توجد إرادة سياسية لتعميم استعمال اللّغة العربية

لا يمكن تحميل المدرسة مسؤولية ضعف اللغات في غياب إحصاء دقيق

قال الإعلامي المخضرم والأستاذ الجامعي زهير إحدادن إنه لا يمكننا اتهام المدرسة والجامعة بسوء التعليم في اللغات ما دمنا نفتقر إلى إحصاء علمي دقيق في هذا الاتجاه، مؤكدا أن اللغة الأم ليست عائقا في وجه تعلم لغة أخرى منطلقا من تجربته كمنحدر من عائلة أمازيغية تعلمت الفرنسية في المدرسة  الكولونيالية والعربية في مدارس جمعية العلماء. لكنه شدد في المقابل على ضرورة أن تدرس اللغة الأم بإتقان. واعترف الدكتور إحدادن أن المنهجية المعتمدة في مجال تدريس اللغات تعاني من عيوب ونقائص لكن ليست سوداوية تماما. وقال المتحدث إن اللغات في الجزائر تعاني من وضع خاص يفرضه التعدد الموجود بين الفرنسية والعربية الفصحى والأمازيغية والعامية علينا أن نجد روابط بين هذا الخليط لتطوير اللغات واستعمالها بشكل صحيح، مؤكدا في السياق ذاته أن الاستعمال وتوظيف اللغة هو الذي يقرب بين العامية والفصحى ويخلق نقاط تقاطع.

وزيادة على الإشكالات والمشكلات البيداغوجية لوضعية  تعليم اللغات في الجزائر قال إحدادن إننا نعاني من مشكل سياسي يتعلق بمدى وجود إرادة سياسية لتعميم استعمال اللغة العربية وتحسين وضع اللغة الأم بإعطائها مكانتها بالشكل الذي لا يجعلها منبوذة من الطلاب ما دامت ليست لغة  سوق العمل. وشدّد إحدادن على وجوب مساءلة دور المجلس الأعلى اللغة العربية في المسألة خارج نشر وطبع كتب لا يقرأها في الغالب إلا المختصون، وبالنسبة لزهير إحدادن فإن طرح المشكلة اللغوية في الجزائر يجب أن يكون من مختلف جوانبه بما في ذلك مكانة الفرنسية في سوق العمل إذ ما تزال قطاعات إدارية واسعة تستعمل الفرنسية رغم إقرار ترسيم العربية كلغة وطنية .

البروفيسور مسعود بوجنيبة:

هناك أشخاص في وزارة التربية يعملون لصالح فرنسا!

المدرسة الجزائرية زوّدت الفضائيات العربية بخيرة الصحفيين

قال الأستاذ الجامعي مسعود بوجنيبة إنّ المدرسة الجزائرية زوّدت القنوات العربية بخيرة الصحفيين الذين أسهموا في تطوير محتواها وشكلها، بصورة جيدة على غرار الإعلامي مدني عامر الذي أسس بعض القنوات العربية التي أصبحت الأولى في العالم العربي. وأضاف بوجنيبة أنّ اللغة وعاء العلوم وكلما كان مكتملا كلما حافظ على ما فيه وكلما كان مكسورا ضاع ما فيه.

وقدّم المتحدث بخصوص تدريس اللّغات الأجنبية في الجزائر مقاربة عن كيفية تدريسها في فرنسا، حيث أشار أنّ الدولة الفرنسية تترجى العائلات لتدريس أبنائها اللغة الفرنسية الأكاديمية بدءا من روض الأطفال، كما تدعوهم إلى مراعاة سلامة اللغة كتابيا. لافتا أنّ الدارجة الفرنسية مختلفة كما في الجزائر لكن وجب حسبهم إيجاد كلمات متعارف عليها.

وفي السّياق قال إنّ أغلب الجزائريين ليسوا فصحاء اللسان لكن فصحاء في القلم. وتأسف في معرض حديثه لواقع المدرسة الجزائرية اليوم من خلال إلغاء فقرات الإنشاء والمحفوظات التي كانت مطبقة قبل حلول الألفية الثالثة لاسيما وأنّ الممارسة اللغوية تجعل التلميذ ذكيا.

وفي سياق حديثه عن الدين وعلاقته باللغة أوضح بوجنيبة أنّه من حيث الدين  والطرائق فاللغة شيء لا مفر منه فمثلا في إسرائيل لا يوجد طالب يهودي غير متمكن من ثلاث لغات، لكن في العالم العربي وفي الجزائر يقول: "هناك إصرار على التخلف".

وفيما يتعلق باستعمال تعميم اللغة العربية في الجزائر عبر مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة يرجع المتحدث السبب إلى غياب إرادة سياسية واضحة. وعبرّ بقوله: "هناك نفاق سياسي". وحسبه معظم الوزراء متزوجون من أجنبيات؟، فضلا عن غياب نص معين ومحدد ينص على تعميم استعمال اللغة الفرنسية ومع ذلك هذه اللغة مستعملة ومتوغلة في الإدارة والهيئات والمؤسسات في بلادنا، بالرغم من أنّ الواقع يجب أن يكون العكس أي بتعميم استعمال اللغة العربية كلغة أولى  للتعامل داخل الإدارة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الخدماتية وغيرها.

ويروي المتحدث في هذا السياق أنّه قبل 9 سنوات في معهد العلوم الفلاحية رفض التدريس باللغة الفرنسية وخاطب المسؤولين وقتها بقوله: "من يدرسون بالفرنسية هم خارجون عن القانون؟". وأردف: "قلت لهم رسّموا الفرنسية ودرسوا بها أو رسموا العربية ودرّسوا بها".

وأشار أنّ المشكل الذي يعيق طريق اللغة العربية في التعميم يبدأ من المرحلة الابتدائية.

ولفت في حديثه إلى وجود منظومتين في العالم متطورتين على المستوى التكنولوجي وهما ألمانيا واليابان، حيث أعلى راتب يقدم للموظفين هو لمعلم الابتدائي. وتمنى المتحدث أنه لو كان القرار بيده لعيّن بروفيسور لغة عربية للتدريس في المرحلة الابتدائية لأن الأساس هو الطفل وتكوينه منذ مراحل عمره الأولى في اللغة العربية.

وبخصوص محل اللغة العربية في وزارة التربية الوطنية أكدّ ضيف "الشروق" على وجود رجال أو أشخاص في وزارة التربية الوطنية يعيقون تطوّر اللغة العربية واللغات الأجنبية الأخرى كالألمانية والروسية والإنجليزية وغيرها. وقال: "هناك رجال في وزارة التربية يعملون لصالح فرنسا فإذا طلبت أن تدرس ابنك لغات أخرى غير الفرنسية يواجهوك ويعيقون طريقك. ولفت أنّهم يفعلون ذلك عمدا للحفاظ على انتشار الفرنسية في الجزائر. ووصف ما يحدث: "فرنسا لو تتنازل عن لغتها لأعلنوا عليها الحرب".

ويرى بوجنيبة أنّ الحالة السائدة أن هناك تعطيل للغة الانجليزية من خلال الإضرابات والاحتجاجات التي تحدث على مستوى كليات اللغات الأجنبية، فضلا عن الصراعات بين معاهد تعليم اللغة الفرنسية ومعاهد تدريس اللغة الإنجليزية.   

أستاذة اللغات بجامعة الجزائر 2 غنية عيسو:

نشهد إقبالا كبيرا من الطلبة على تعلم اللغات الأجنبية

أكدّت أستاذة اللغات في جامعة الجزائر غنية عيسو وجود إقبال كبير في السنوات الأخيرة على دراسة اللغات الأجنبية على اختلاف تخصصاتها لأسباب عديدة منها أنّ الطلبة يرون في اللغات الأجنبية مستقبلهم وطريقهم إلى عالم الشغل.

وأوضحت غنية عيسو في منتدى "الشروق" حول واقع اللغات الأجنبية في الجزائر أنّ ملاحظتها تنطلق من جامعة الجزائر 2 التي تدرس بها، حيث ترى ذاك الإقبال الرهيب على اللغات الأجنبية من دون استثناء لاسيما وأنّ مخبر أو معهد اللغات يضم تخصصات عديدة في الترجمة مثلا عربي إنجليزي، انجليزي عربي، ألماني- عربي وعربي ألماني، تركي، إيطالي وغيرها.

وأكدّت غنية عيسو أنّ هذا الإقبال للطلبة المنتمين إلى جميع ولايات الوطن على اللغات الأجنبية يقابله نفور على دراسة اللغة العربية بناء على انطلاقهم من خلفية معينة أنّ اللغة العربية لا مستقبل لها ولا مصير، لذلك نقول إنّ رغبتهم تزداد نحو اللغات الأجنبية بأشكالها المختلفة.

ولم تخف في حديثها أنه انطلاقا من تجربتها فإنّ الطالب في الجامعات الجزائرية يخلط عندما يتحدث بين كلمات بالعربية وأخرى بالفرنسية ولا يتقن الحديث بالعربية جيدا، إلا أنّ عيسو تشدد أنّه وجب الانطلاق من العربية كقاعدة نحو دراسة اللغات الأخرى لأنّها مفتاح وممهد النجاح في اللغات الأجنبية شريطة إتقانها وتعلمها على أسس صحيحة.

وأشارت المتحدثة أنّ الطالب يرى في اللغات الأجنبية مستقبله، ويراها مفتاحه إلى عالم الشغل ويعتبرها لغة التجارة والأعمال. وفي سياق ذي صلة تعتقد المتحدثة أنّ أغلب المشرفين على القطاعات على اختلافها لاسيما قطاعي التعليم العالي والتربية الوطنية تلقوا تكوينا بالثقافة الفرنسية خاصة أو الأجنبية بصورة عامة، وبالتالي هذا التكوين الغربي أثر على الطلبة والتلاميذ في بلادنا.

باحث الفيزياء النظرية البروفيسور جمال ضو:

الجزائر لا تمتلك سياسة لغوية والمسألة تتعدى حدود الوطن

يعتقد الأستاذ الجامعي البروفيسور جمال ضو أنّ "قضية اللغة أو اللغات في الجزائر والعالم العربي عموما، مسألة معقدة"، فهي - حسبه- انعكاس لتركة استعمارية وهزيمة حضارية مادية أدت إلى هزيمة فكرية لدى معظم النخب، وتمخض عنها صراع لغوي داخلي، يأخذ في ظاهره أشكالا مختلفة من بلد إلى آخر.

وقال جمال في ندوة "الشروق" إن كل الشواهد تشير إلى أنّ الجزائر لا تمتلك سياسة لغوية واضحة، بل سلسلة من التخبط وسياسة أمر الواقع، والذي تمثله الفرنسية"، إلى درجة "أصبح من الصعب تحديد هل هي لغة أجنبية أم وطنية أم غنيمة حرب أم تركة وغنيمة مسمومة".

وأضاف المتحدث "بدل أن نضع سياسة لغوية بما يخدم حاجياتنا العلمية والاقتصادية بنظرة براغماتية بحتة، دخلنا في حرب لغوية وهوياتية داخلية طاحنة، وأصبحت اللغة الفرنسية هي اللغة الأجنبية الأولى واللغة الوطنية في آن واحد"، لأنّ الجزائر، وبحكم مرحلة الاستعمار الطويلة، ورثت وضعا لغويا وفكريا وثقافيا لم تستطع التخلص منه إلى يوم الناس هذا، وبدل أن نتصالح مع لغاتنا وهويتنا بمركباتها المختلفة ونضع الفرنسية في إطارها الصحيح كتركة استعمارية، أصبحنا نراها تزحف على كل شيء، مثلما يوضّح البروفيسور ضو.

ودليل ضيف ندوة "الشروق" على تقييمه لواقع وآفاق اللغات الأجنبية في الجزائر "هو أنّ الفرنسية أصبحت هي اللغة التي لا يجد أي وزير أو مسؤول حرجا في مخاطبة الشعب بها، في مشهد لا يرى تقريبا في أي دولة أخرى في العالم، بينما في التعليم العالي والمؤسسات الاقتصادية فاللغة المسيطرة هي اللغة الفرنسية ولكن اللغة العربية هي المتهمة كسبب رئيس في تخلفنا"، على حدّ رأيه.

وعن المستقبل، يؤكد الباحث الجامعي أنه "على الرغم من أن القاصي والداني يعلم أن اللغة الانجليزية هي لغة التواصل العلمي والتكنولوجي والاتصالات الحديثة والاقتصاد، إلا أن هذه اللغة لا يكاد يتقنها أغلب الأساتذة الجامعيين الجزائريين والمسئولين السامين".

وأردف "لقد كانت هناك محاولة من طرف وزير التربية السابق علي بن محمد، لوضع إستراتيجية لغوية بأن تُعطى الانجليزية المكان التي تستحق، كمفتاح لغوي لا غنى عنه اليوم، إلا أننا نعلم المصير الذي لقيه الرجل"، ولهذا، يشدد المتحدث على أنّ مسألة الحديث عن سياسة لغوية في الجزائر مسألة تتعدى الحجة الفكرية والعلمية، إلى صراع أعمق بكثير، وتتعدى حدوده حدود الوطن.

الأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة البروفيسور خالد سعد الله:

كفانا تنابُزًا...وهذه خارطة الطريق للخروج من نفق اللغات

يرى أستاذ الرياضيات بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة بالعاصمة البروفيسور خالد بوبكر سعد الله أنّ "وضع اللغات الأجنبية في الجزائر، وفي عديد البلدان المجاورة وغيرها، وضع مزر ومعقد، خاصة إذا أضفنا مشكل اللغة أو اللغات الرسمية ومكانتها مقارنة باللغات الأجنبية"، وما يزيد الوضع تعقيدا عندنا – حسبه- هو تداخل الإيديولوجيات والمصالح والتنابز بالألقاب مثل أوصاف "أسلامو-بعثيست" على فريق و"حزب فرنسا" على طرف آخر، وهو تنابز لا يفيد أي من الفئات.

ويعتقد الباحث خالد سعد الله، المهتم بشؤون التربية والتعليم، "أن هناك عقدة نفسية قوية، أي عقدة المغلوب على أمره، ومن الصعب أن نقنع رجل الشارع أو ولي الأمر بأهمية تعلم اللغة العربية، لأنه يرى حوله بأن محيطه في البلاد، إدارة وتجارة واقتصاد وسياسة، لا يستعملها"، وهذا راجع أيضا، من وجهة نظره، إلى تخاذل الفئة المسماة بـ "المعربين".

وبشأن اللغات الأجنبية، قال ضيف ندوة "الشروق" إنّ "هناك بصفة خاصة لغتان: اللغة الفرنسية –غنيمة الحرب- لنا معها تاريخ، وهي حاضرة بقوة لدى الساسة ولا يوظف أحدهم في مناصب عليا إلا إن أتقنها ولا يهم مستواه باللغة العربية، وهذا أكبر دوس وإهانة للغة العربية، كما أنها حاضرة في التعليم العالي، أما اللغة الثانية فهي الأنكليزية، ولا يربطنا بها سوى أنها اللغة المهيمنة في العالم في كل الحقول الدبلوماسية، الاقتصاد، العلوم، الاتصالات، التجارة، الصناعة وغيرها.

يبدو أن الحل يكمن في: أما المخرج من نفق الصراع اللغوي في بلادنا، فيؤكد الباحث الجامعي أنه لا بدّ لكل من يتولى منصب من مناصب العليا من إتقان اللغة العربية، وإصدار – وهذا أضعف الإيمان- تعليمة لكل الجامعات حتّى تتيح الفرصة لكل من يريد التدريس بالعربية أن يدرّس بها، كما ينبغي إعادة النظر في طريقة تدريسها، مثلما يقترح سعد الله.

وأضاف المتحدث أنه يجب "إعادة النظر في طرق تدريس اللغات الأجنبية في مدرستنا، إذ ينبغي أن يكون تحصيل التلميذ من اللغة الفرنسية يعادل عدد الساعات التي يقضيها في تعلمها، وهذا ليستفيد منها المتعلم في حياته، بوصفها غنيمة حرب، وليست كلغة التدريس والإدارة والاقتصاد والسياسة".

أما بشأن اللغة الأنكليزية، فقد شدّد على ترقيتها في المدرسة، كي يتزود الجيل الصاعد بلغة تنفعه في دراسته، وفي أداء مهامه مهما كانت وظيفته، وتنفعه في التواصل مع جميع سكان العالم في كل مكان يحل به، على حدّ رأيه.

وبطبيعة الحال، فهذا لا يمنع، مثلما يقول خالد سعد الله، من تعلم اللغات الأخرى الأوروبية والآسيوية، لأن تعلم اللغات، مهما كانت، لا يمكن أن تأتي منه إلا المنافع للفرد وللجماعة. 
 

الشروق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية