للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

عن السباق لولوج مدارس البعثات الأجنبية في المغرب

أ. محسن زردان

 

أن يتقن طفلك لغة أجنبية غير لغة بلده، أضحت مفاخرة في مجتمعنا تصل عتبة قيمة اجتماعية راقية، وهي تمتلاث نابعة من الواقع التراتبي لشرائح المجتمع المغربي، فالنخب الحاكمة والمالكة للثروة، تحاكي في معظمها نمط عيش الآخر الأجنبي، وتسعى لتبني لغته واحتضان ثقافته، باعتبارها سلما حضاريا لا مفر منه للترقي الطبقي و المهني والرمزي.

هذا المعطى وجدت فيه مدارس البعثات الأجنبية وخصوصا منها الفرنسية تربة خصبة للنمو والازدهار، مستغلة أزمة التعليم العمومي، وفشل السياسات الإصلاحية، وربط المرور بالمدرسة العمومية بالفشل المحتوم وضياع المستقبل المهني والاجتماعي، حيث لم تعد تكتفي تلك المدارس باستقبال المتعلمين الحاملين لجنسيات بلدانهم، بل أصبحت تستقبل حتى المتعلمين المغاربة، حيث يتسابق آباؤهم وأمهاتهم أي تسابق، مكرسين جهدا جهيدا بالمال الوفير والوساطة لعلهم يفوزون بمقعد في أسوارها، بل حتى أن العديد منهم يطلبون الجنسية الفرنسية، أو يرسلون زوجاتهم الحوامل المقبلات على الوضع لولادة مواليدهن على التراب الفرنسي، ليضمنوا الجنسية التي ستيسر عليهم ولوج مدارس البعثات الفرنسية مستقبلا.

أمام هذا الوضع لم يعد مفاجئا أن يسقط أبناء المقبلين على مدارس البعثات الفرنسية في فخ الانسلاخ عن هوية المجتمع الذي يعيش في تربته، حيث تصبح اللغة الرسمية للدولة على الهامش، حتى أن العديد منهم لا يتقن الحديث باللغة العربية، وهذا راجع إلى طبيعة المناهج المعتمدة التي تحاكي المناهج التعليمية للدول الأجنبية، ناهيك أنه في داخل كل بيت مغربي خصوصا من جانب أفراد الطبقة المتوسطة والغنية المتعلمة هناك بعثة فرنسية مصغرة متمثلة في الأبوين، الذين يحرصون على الحديث مع أبنائهم باللغة الفرنسية في تهميش صريح للغة بلدهم، ويكفي أن تقوم بجولة داخل محلات التسوق الكبيرة لتكتشف واقعا مرا، ينطوي على تبادل الآباء مع أبنائهم الحديث باللغات الأجنبية في مشهد يحمل أكثر من دلالة، ويكرس انقسام واضح في الهوية و الثقافة بين مكونات المجتمع المغربي.          

السباق المحموم على مناهج التدريس الأجنبية، انتقل إلى التعليم الخاص، الذي بدأ يكرس جهده لتبني تلك المناهج، بغية إقناع الزبناء بجودة مناهجهم، التي تساير إيقاع المناهج الأجنبية، التي قد تضمن لأبنائهم استكمال دراستهم في الخارج.

إذا كانت الغايات الكبرى من الانفتاح على لغة الآخر، هو الإطلالة على ثقافات متعددة تضمن لنا الغنى والتنوع من تجارب الشعوب، للاستفادة من تطورها العلمي والأدبي والتكنولوجي، فإن تلك الغايات انحرفت عن مساراتها، وأصبحت نسبة مهمة من المتعلمين زبناء مدارس البعثات الأجنبية يعيشون في قوقعة ثقافية داخل مكون ثقافي معين، فيحيون بذلك غربة في بلدهم، نظرا لتشبعهم بثقافات أجنبية، وبالتالي يصبح ارتباطهم بالخارج أكثر من الداخل، وفي ذلك نستحضر ظهور مصطلح جديد يقرب الصورة أكثر، وهو مصطلح الجالية المغربية بالداخل.

جورج واشنطن ، ليوطي، خوان رامون خيمينيز، نموذج لمدارس البعثات الأجنبية، التي عرفت نموا مضطردا بالمغرب، وصل حسب الإحصاءات إلى ما يقارب 50 مؤسسة تعليمية، الشيء الذي يحفز استثمار القطاع الخاص للتسابق على السوق المغربية، حيث وجدت فيه سوقا واعدة، حتى أن دول لا تربطها مع المغرب روابط تاريخية من قبيل رابطة الاستعمار أو الجوار، حطت هي الأخرى رحالها مؤخرا بتربة البلد، كما يتعلق الأمر بالمدرسة البلجيكية، التي عرفت هي الأخرى إقبالا منقطع النظير، وقد يكون المستقبل القريب مبشرا بتقاطر نماذج تعليمية لدول أخرى خصوصا منها ذات التوجه الأنجلوساكسوني، مع ازدياد الوعي بأهمية اللغة الانجليزية، وتراجع دور اللغة الفرنسية عبر العالم.

في هذا السياق، دخلت التجربة التعليمية التركية إلى المغرب، نظرا للطفرة الاقتصادية والثقافية التي عرفتها بلاد العثمانيين، حيث انتشرت مؤسسات تعليمية، تحمل في طياتها نموذج يختلط فيه الفكر العلماني مع الفكر الديني، مما شكل نقطة تحول في واقع تواجد مدارس البعثات الأجنبية، أدى إلى تداعيات وصلت إلى حد إغلاق تلك المدارس، المعروفة باسم محمد الفاتح، حتى وإن كان ذلك في وسط السنة الدراسية، الشيء الذي يطرح عديد الأسئلة حول مصير متعلميها، ومدى جدوى هذا الإجراء من الناحية البيداغوجية الصرفة، لكن المخاوف الأمنية، تبقى سيدة الموقف، خصوصا مع موجة تسرب الأيديولوجية الدينية السياسية إلى التعليم.

هذا الأمر يشكل مناسبة ينبغي أن تنبه السلطات الوصية على التعليم، نحو التفكير في وضع دراسة تقييمية لتجارب المؤسسات التعليمية للبعثات الأجنبية بالمغرب في شموليتها، وحول أهدافها وغاياتها التي حققتها، وفي مدى مساهمتها في توحيد أو تقسيم النسيج الاجتماعي والثقافي للبلد.

إذا كان النموذج التعليمي لمدارس البعثات الأجنبية يلقى إقبالا منقطع النظير من طرف النخبة التي تمتلك العلم والثروة، وبالتالي فمسألة الولوج إليه ستكون جد محدودة، بشكل يقصي شرائح واسعة من المجتمع، الذي لا يملك الامكانيات المادية المناسبة، مما سيطرح إشكالية تكافؤ الفرص ودمقرطة الخيارات.

هناك بوادر تشكل قناعة لدى الوزارة الوصية، على أهمية اللغات الأجنبية الحية، كعامل حاسم في جودة التعليم، مما أفضى إلى اعتمادها بشكل تدريجي في تدريس العلوم، على الرغم من الجدل الذي رافق هذه  الخطوة، غير أنها خطوة جاءت متأخرة بعدما قضت على أجيال كانت تهدر وقتها في دراسة العلم غير النافع.

هذا الأمر يدفعنا إلى القول، أنه ما دام هناك اعتراف رسمي ضمني بأهمية المناهج التي تعتمد على اللغات الحية، فلماذا لا يتم اعتماد تلك  المناهج الأجنبية على الأقل بنسبة معينة في المدارس العمومية، حتى يصبح هناك خيار لدى عموم الأسر المغربية، لتتساوى فرصها مع باقي الأسر النخبوية، علما أن المناهج التعليمية المعتمدة في القطاع الرسمي العمومي، ما هي في حقيقتها سوى صور مستنسخة من المناهج الأجنبية، يتم فقط ترجمتها للغة العربية خصوصا في العلوم ليس إلا.

على هذا الأساس تطرح إشكالية عميقة، لم يتمكن نظامنا التعليمي إلى حدود الساعة من الجزم فيها، وهي إشكالية الحسم اللغوي، حول أية لغة نريد أن ندرس بها، والإجابة عنها ستكون لا محالة مدخلا للإصلاح الحقيقي. 
 

لكم

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية