للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

وهم إتقان اللغة العربية عند غير المتخصّص في تدريسها

د. نادية هناوي

 

للغة العربية منزلة خاصة في نفوس أبنائها، سواء الذين يتقنون قواعدها قراءة وكتابة وحديثاً، أو الذين لا يتقنونها بشكل تام، وهذا الحب وتلك المنزلة لهذه اللغة، أمر طبيعي حتماً.. فهي لغتنا الأم.. ولغة القرآن الكريم التي كرّمها الله جلَّ وعلا.

وليس جديداً إذا قلنا إن من الواجب على جامعاتنا أن تولي درس اللغة العربية اهتماماً خاصاً وتكرّس جهودها من أجل أن يتقن طلبتها قواعد اللغة الأساسية، التي لا غنى لأيّ متحدث بالعربية عنها، من ناحية التوظيف للأساليب واستعمال المفردات ومعرفة دلالات معانيها..
وهذا يترتب أصلاً على مدى نجاح الذين يدرّسون اللغة العربية في تلك الجامعات وقدرتهم على ترسيخ المناحي النحوية والصرفية والصوتية والإملائية للهذه اللغة في إذهان طلابهم.
وإذا كان هذا أمراً لازماً في الأقسام الجامعية غير المتخصصة باللغة العربية؛ فإن أمر اتقان اللغة في أقسام اللغة العربية سيكون محتماً بلا مِراء، وطبيعياً بلا أدنى شك أو تمحل. 
وسأترك هنا مسألة اتقان طلاب هذه الأقسام للغة العربية ومدى كفاءتهم فيها ومقدار ملاءمة مقررات اللغة العربية لهم وبما يجعلهم مؤهلين للقيام بتدريسها في المدارس المتوسطة والثانوية الى حين آخر.. وألتفت الى التدريسيين الذين يدرّسون طلبة اللغة العربية قواعدها وآدابها.. وأحاول أن أسبر واقعهم، واقفة عند مشهد أخذ يشيع حتى يكاد أن يصبح ظاهرة؛ ألا وهو أخطاء مدرس اللغة العربية الحامل لشهادة الماجستير أو الدكتوراه في اللغة العربية.. ووهمه المنقطع النظير أنه متقن للغة حتى العظم.. وضليع بها إلى النخاع.. وكأن لا بحر أمامه عليه أن يمخر عبابه ولا كتاب فريد عليه أن يفقأ عينيه وهو يبحر في سطوره وما تخفيه تلك السطور وراءها من مخفي ومغيب.
والمرير حقاً، أن هذا الوهم الذي يتأتى من هذه الثقة العمياء بالاتقان، ستُبنى عليه أوهام أخرى أولها خطر انمحاء اللفظ الأصيل واستبداله باللفظ الغلط وتغليب الأسلوب العامّي على الفصيح وضياع العبارة السليمة بالعبارة الركيكة، وهكذا... يغدو هذا التدريسي الواهم كحاطب عشواء وهو ينقل عن كتب الاخفش وسيبويه وثعلب أو يضع بحثاً أو يقدم محاضرة هنا أو هناك.. وهلم جرا..
ومن مخاطر وهم الاتقان للغة، أن ينحدر الأمر بذلك التدريسي إلى الوهم بإمكاناته في التأليف في اللغة والنحو والتحقيق لقضايا لغوية ومناحٍ صرفية وطوابع صوتية أو لهجية وما الى ذلك، ليقدّمها لطلابه مادة يدرسونها، وقد تنتقل عدوى الوهم إليهم كلهم أو إلى أحدهم، ليقوم واهماً بدراسة ما ألّفه ذلك الأستاذ الواهم، وقد يحصل من ثم على شهادة عليا أو ينال لقباً علمياً.. وهماً على وهم..
وللتمثيل على هذه الظاهرة أقف عند كتابين الأول عنوانه (تحفة الطالبين في تجويد كتاب رب العالمين) والثاني (الحواشي المفهمة في شرح المقدمة الجزرية) وقد وُصفا بأنهما (دراسة وتحقيق). 
واشترك في تأليف هذين الكتابين ثلاثة مؤلفين حاملين للدكتوراه وحائزين على ألقاب علمية بدرجة مدرس وأستاذ مساعد، لكن القاصمة الأكبر لظهر البعير هنا، أن الكتابين يصبّان في باب التحقيق اللغوي والدرس النحوي والصوتي.. وقد أراد المؤلفون الثلاثة وضع اهداء للكتاب الثاني، فوقع اختيارهم على هذا الإهداء (الى الشهيد الدكتور موسى سلوم اخا ورفيق درب قل سالكيه) وهذا أول خطأ نحوي يصدم قارئ هذا الكتاب ويصيب مقاتله بقسوة في الصميم، حتى إذا جاءت المقدّمة وتلاها التحقيق للمخطوطة لم تتبعها أو تسبقها دراسة..!! فيخيب أفق توقع ذلك القارئ مجدداً.
وبناءً على ذلك، تتنافى بنية عنواني الكتابين أعلاه، مع متنهما المعنون والسبب الوهم المنهجي الذي جعل المؤلفين الثلاثة يعتقدون أن التقديم لصاحب المخطوطة من ناحية حياته ومماته ومؤلفاته ومنهج التحقيق ونسخ المخطوطة وما الى ذلك هو نفسه الدراسة للمادة المحققة !! 
والوهم الثالث في الاتقان، أن مقدمة الكتاب الأول بصفحاتها السبع بالقطع الصغير من الورق، ورد فيها أكثر من عشرة أخطاء وكالآتي :
1. فلم يبق جانبا إلا وتناولوه
2. الى مضاهات المقدمة الجزرية
3. وذكر بعد ذلك باب في ..
4. ولعل السمنودي واحدا من هؤلاء
5. وبعد ذلك دخل في الظواهر الصوتية مبتدأ باحكام النون 
6. بعد ذلك دخل في باب المصحف مبتدأ بتاء التانيث 
7. مبينا فيه ما اتفق او اختلف فيه 
8. وفي نهاية المطاف ذكر باب في فضل القران حاول فيه 
9. مستأنسا ومناقشا لذلك لاسيما 
10. تقع المخطوطة في اثنتي وخمسين ورقة 
ناهيك عن قيام المؤلفين بالاستلال من هذه المقدمة خمسة أسطر ليدخلوها في مقدمة الكتاب الثاني، وهنا نتساءل كم من الأخطاء سنرصد فيما لو تضمن هذان الكتابان دراسة عن المخطوطتين المحققتين ؟ !!
إن هذا الذي نؤشره هنا من أوهام اتقان اللغة هو واجب علمي نشعر بأن علينا تحمله والتفاني في أدائه وهو أيضاً مطلب ينبغي أن نؤديه بصدق وموضوعية من خلال التفكير الجدي والسريع الذي ينبغي أن تقوم به وزارة التعليم العالي مع وزارة التربية بغية وضع اختبار عالمي أشبه بالتوفل الخاص باللغة الانجليزية، لا يستثنى من اجتيازه والبراعة فيه متخصص وغير متخصص كي لا تتحول الأوهام في اتقان اللغة إلى واقع متضعضع، فتبنى على الأوهام أحلام.. وتتحول الأحلام الى واقع متهرئ، كأنه إعجاز نخل خاوية.. فتحصيل العلم لا يتحقق لصاحبه، إلا إذا بذر البذور وسهر على نموها لحظة بلحظة غير عابئ بالجهد ولا الوقت.. وقديماً قالوا (كيفما تزرع تحصد) وعندها لن يكون هناك مجال للواهمية ولا مكان للمخاتلة أو المماحلة...


 

المدى

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية