للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

دافعوا عن الأمازيغية .. لكن احترموا لغتنا العربية

أ. عبد العزيز المحمدي

 

حينما تخلو الساحة من الكتاب المحترمين يقتحمها الأدعياء والمنتحلون ، وحينما يترفع أصحاب القامات العلمية عن الرد يكابر الأقزام ويجاهرون بأناهم المتضخمة فيضنون أنهم قد أفحموا الخصوم وأقنعوا العموم. والحقيقة أن بعض المقالات تستفز القارئ المبتدئ فيتمنى أن تتاح له الفرصة للتوضيح فيصاب بالحسرة من زهد أهل الاختصاص في الرد تعففا لا عجزا ، ومذهبهم في ذلك قول الشاعر :" لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار".

مناسبة هذه التوطئة هو سلسلة مقالات كتبها الأستاذ مبارك بلقاسم في موضوعات تتعلق باللغة الأمازيغية، غير أنني أجد طريقته في الدفاع عن الأمازيغية مستفزة وحاقدة وعنصرية ، مثله في ذلك مثل كثير من نشطاء الحركة الأمازيغية الذين يجلبون لهذه القضية العادلة الأعداء أكثر مما يجلبون لها الأنصار والمكاسب، لأن طرحهم للقضية الأمازيغية لا يمر إلا من خلال الغمز واللمز في اللغة العربية والثقافة الاسلامية، اللتان يناصبونهما العداء ويتهجمون عليهما بمناسبة وبغير مناسبة.

لا يجادل أحد في ضرورة رفع الظلم الذي لحق بالأمازيغية لغة وثقافة ومجتمعا، كسائر الظلم الذي لحق كل أطياف الشعب المغربي، وليس من الانصاف تحميل اللغة العربية والمغاربة العرب( الذين بالمناسبة يسميهم محمد بودهان الشواذ والمتحولين جنسيا) مسؤولية الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمازيغية، ومهما يكن فالأمازيغية شأن مغربي عام يهم الجميع ، وليست أصلا تجاريا لبعض الغلاة من المتطرفين والنشطاء الذين يصبون النار على الزيت بمقالاتهم المغرضة وكتاباتهم المحرضة على الكراهية والتعصب والفتنة.

لقد اطلعت على المناظرة الراقية بين الكاتبين عبد السلام بن عيسى وامبارك بلقاسم حول الحرف المناسب لكتابة اللغة الأمازيغية ، فبينما ينتصر الأول للكتابة بالخط العربي انطلاقا من عدة اعتبارات لسانية ودستورية ووطنية ، ينتصر الثاني للخط اللاتيني لعدة اعتبارات لغوية وتقنية وتاريخية وثقافية، غير أن ملاحظاتي موجهة للأستاذ بلقاسم حول منهجية الكتابة ابتداء، والحجج "العلمية " التي ساقها للدفاع عن وجهة نظره في الموضوع ثانيا.

فمن حيث منهجية الكاتب في طرح آرائه ، لاحظت من خلال تتبع عددا لا يستهان به من المقالات التي ينشرها في موقع هسبريس المبالغة في تحليل الافكار وشرحها وتبسيطها إلى درجة التسطيح ، مما يسقطه في التكرار الممل والإطالة التي لا طائل من ورائها، فهو يفترض أنه يخاطب جمهورا أميا في اللغة الأمازيغية ، وينصب نفسه مدرسا وأستاذا يعرض الفكرة الواحدة بطرق متعددة ، ثم ينهي مقالته دائما بخلاصات تركيبية ، كأنه يدون الملخص في دفتر التلاميذ أو على السبورة، وقد فاته أنه لا يقدم الجديد في كل مقالاته الطويلة ،فالموضوع واحد والعناوين متكررة.

أما من حيث الموضوع ، فأنطلق من المقال المعنون ب " يجب على اللغة الأمازيغية أن تغزو الحرف اللاتيني" لأوضح بعض الملاحظات التي تنطبق على كل الانتاج الفكري للباحث مبارك بلقاسم، باعتباره ناشطا أمازيغيا ومتحمسا للدفاع عن هذه القضية المغربية العادلة، لا بد من التأكيد أن الدفاع عن الأمازيغية والهوية المغربية لا يكون باحتقار مكون آخر من مكون الهوية المغربية ، فلإقناع الجمهور بعدالة مطلب ترسيم الامازيغية واستعمالها في كل مجالات الحياة الإدارية والتعليمية والثقافية والاقتصادية لا يتحقق من خلال الهجوم على اللغة العربية واحتقار الخط العربي دون أي سند علمي أو أي دراسة موضوعية، فمقال كاتبنا المشار إليه مليء بأحكام القيمة والسخرية والاسفاف من الخط العربي لا لشيء إلا للانتصار للأهواء الشخصية والحقد الإيديولوجي الأعمى.

وحتى لا يتهمني الكاتب بالافتراء والكذب ، فقد أحصيت في المقال المذكور أكثر من عشرين مفردة أو وصفا للغة العربية وللخط العربي كلها تدخل في خانة أحكام القيمة والازدراء والكراهية، فقد وصف هذا الخط بأنه " الأدنى" و" الأسوء" وأنه يبعث على " الفوضى" و"الشلل "و"العطل" و"الارتجال" و"المعاناة" وأن الحركات " قزمية" ، كما وصف اللغة العربية بأن من بين خصائصها "الصعوبة" و" المزاجية" و"الكسولة" و " الغامضة" و" المتضاربة" و" الكارثية" و" المدمرة" و" العويصة"...

فمن أين للكاتب كل هذه الثقة في نعت اللغة العربية وخطها الفريد والجميل بكل هذه الصفات القدحية، بينما نجد الكاتب قد أثنى على اللغة الأمازيغية والخط اللاتيني بكل عبارات المدح والتبجيل. هل فعلا اللغة العربية لغة متجاوزة وعاجزة وصعبة و هل فعلا الحرف العربي غير قادر على التعبير عن معاني اللغة الأمازيغية المتنوعة والغنية والقادرة على غزو قلاع اللغة الفرنسية واقتلاعها من بالمغرب إذا ما كتبت الحرف اللاتيني.

ما يحيرني فعلا أن هؤلاء الناقمين على اللغة العربية من النشطاء الأمازيغ لا يستغنون عن الكتابة بهذه اللغة في هجائها واحتقارها ومدح غيرها، ولا يستعملون حروف اللغات الأخرى الأسهل والأنفع والأجدر، بل يعتبرون اللغة العربية لغة المقابر والمنابر والأعراب، ولا يجدون غيرها للتعبير عن أفكارهم بكل سهولة بهذه اللغة المهجورة والمعطوبة بحسب وصفهم ، وأعترف أنهم يمتلكون ناصيتها ويطوعونها بسلاسة لطعنها واحتقار الناطقين بها، وأستغرب لماذا لا يكتبون بلغتهم المعيارية يأي حرف يختارون، فلن نطالبهم بكتابتها بالحرف العربي حتى يسهل على القراء فك رموزها ومعانيها. فلماذا يطالبون الدولة باستعمال اللغة الأمازيغية بينما هؤلاء النشطاء أنفسهم يكتبون بغيرها.

وبكل ثقة في النفس يكتب مبارك بلقاسم مجموعة من الانطباعات والاهواء التي يسوقها حججا علمية "ترجح كفة الحرف اللاتيني بالأطنان" كما يقول ، فينتقد بشدة مقومات الحرف العربي كالحركات والتنقيط والهمزة والشدة، ويسرد بعض الأمثلة لكي يبرهن على عجز الحرف العربي على التعبير عن الأمازيغية، لكنه لا يلتفت إلى العيوب التي ترتبط باستعمال الخط اللاتيني كأنه خط مثالي ومقدس وأصيل بالنسبة للأمازيغية، فهو أشار إلى الحروف التي لا وجود لها في الخط العربي، ولم يشر البتة إلى الحروف الناقصة في الخط اللاتيني وتحضر في الأمازيغية والعربية معا، وعددها أكثر من أن ينسى كالصاد والضاد والظاء والغين والعين والهاء والحاء والخاء والذال والقاف والتاء والثاء... فكل الكلمات الأمازيغية التي تحتوي على هذه الحروف سيشوهها الخط اللاتيني ويضيع معناها. مع العلم أن عددا لا يستهان به من الكلمات العربية دخلت المعجم الأمازيغي مما يرجح كتابة الأمازيغية بالخط العربي.

ومن الانتقادات التي وجهها أيضا إلى الخط العربي ما يتسم به من غموض وتشويه بحسب رأيه ، حيث يقول "ومشاكل الحرف العربي ليست مقتصرة على طريقة الكتابة الأبجدية الكسولة القزمية بل تمتد إلى نشر الفوضى الكتابية وتشويه اللغة بسبب ذلك الغموض ونزوع الناس إلى الارتجال في الكتابة والقراءة. فمثلا كلمة Tamaziɣt يكتبها الحرف العربي بـ16 طريقة فوضوية متضاربة" ثم كتب جميع الاحتمالات الممكنة لكتابة كلمة " تمازيغت" ولكي يضفي مزيدا من التشويق والعبث لتدعيم رأيه كتب جميع هذه الاحتمالات نصفها مشكول ونصفها من غير شكل.

لكن صاحبنا لم يلتفت إلى العيوب التي يطرحها الخط اللاتيني في القراءة ، هل فاته بأن نطق الحروف اللاتينية وخاصة الصوائت منها les voyelles يختلف من لغة أوربية إلى أخرى ، وهل فاته أيضا أن بعض الحروف تكتب ولا تقرأ وتعد حروفا ميتة في معظم اللغات الأوربية مما يعقد الكتابة بالحرف اللاتيني في اللغة الأمازيغية. وهل نسي أستاذنا الجليل الصعوبات التي يجدها التلاميذ في استعمال الحروف اللاتينية وخاصة في مادة الخط والاملاء ، خاصة إذا علمنا أن الحرف اللاتيني الواحد يكتب بأربع طرق مختلفة minuscule –majuscule- lettre de la machine – lettre cursive ، وإذا أردت استعمال نفس المنطق الفرجوي الاستعراضي الذي يستعمله صاحبنا لتشويه استثمار الحرف العربي في الأمازيغية ، يمكن أن أكتب كلمة تيطاوين الأمازيغية التي كتبها بصيغ مختلفة بالخط العربي ، بصيغ مختلفة أيضا بالخط اللاتيني ومنها titawin-tetawin-tittawin-tettawin-titaouin-tettaouin- tyttawin-tytawin-tyttawin-tyttaouin

ويمكن أن أضاعف هذه الصيغ العشرة بأربع مرات من خلال تغيير شكل الحرف اللاتيني ، وبهذا تكتب كلمة تيطاوين بأربعين صيغة في اللاتينية ، "ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا" كما قال شاعر العرب عمرو بن كلثوم.
 

هسبريس

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية