للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية وتحديات عصرنا المتغير

أ. نبيل عبد الفتاح

 

نستخدم اللغة أيًّا كانت في تفاصيل حياتنا التفكير والتعبير، وفي عديد الأحيان نتناسى بعض البداهات وهي أننا لا يمكن تصور حياتنا دون اللغة، لأنه من خلالها يتحقق الوجود والكينونة والاتصال والتعبير عن الذات في كافة لحظاتها وحالاتها النفسية من الحب والعشق والشبع والجوع والكراهية والصداقة والألم والعذاب، والبهجة والسعادة والظفر والتحقق، كلها تعبيرات ذاتية تتم عبر اللغة، ومن خلال تجسيدها ومفرداتها وأوصافها، وسواء أكانت اللغة محكية أو مكتوبة، وأيًّا كانت مستوياتها لغة فصيحة أو لغة المثقفين والمتعلمين أو لغة العوام من الناس وما يطلق عليها العامية. اللغة هي أحد أبرز مكونات الهوية الفردية / الشخصية أو الجماعة أو الشعب أو تحوله إلى أمة بالمعنى الحداثي للمصطلح. اللغة الألمانية واللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية تشكل أحد معالم تشكيل وتكوين الأمم الألمانية والفرنسية والبريطانية، في إطار تطور بنيات التطور الاقتصادي الرأسمالي داخل هذه البلدان، وما أحدثته من تحولات اجتماعية وتشكلات لحالة الأمة الحديثة.من هنا كانت هذه اللغات الأوروبية -وغيرها- أداة توحيد وبناء للهوية الجامعة داخل هذه البلدان في مرحلة القومية والدولة / الأمة. ارتبط أيضًا تطور الأنساق اللغوية الكبرى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية بالكولونيالية -الاستعمار-، وتمدد هذه اللغات مع غزو البلدان المستعمرة، وفرض لغة الغزاة عليهم، من هنا كانت اللغة المفروضة من المستعمرين أداة للتعليم في المدارس، وأجهزة الإدارة وأحد مظاهر التميز الاجتماعي للناطقين والكاتبين بها. اختلفت السياسة اللغوية بين النمط الكولونيالي الفرنسي والبريطاني. الاستعمار الفرنسي المباشر استخدم سياسة لغوية مباشرة من خلال فرض الفرنسية كلغة أساسية، وذلك في مقابل تهميش اللغة العربية بوصفها أداة للمقاومة، مع تشجيع اللغة البربرية، وهو ما تم في الجزائر والمغرب وتونس. الاستعمار البريطاني أخذ بنظام الحكم غير المباشر، أي إدارة شئون المستعمرات من خلال بعض النخب المحلية، لكنها كانت تشجع في البلدان العربية اللغات العامية -المحلية- وسعى بعض المستشرقين إلى محاولة وضع قواعد لها بل ونظام نحوي لها، كما تم مع العامية المصرية في مواجهة اللغة العربية الفصحى، لكنها محاولات لم تحقق الأهداف المبتغاة منها، وذلك على الرغم من مطالبة بعض كبار المفكرين المصريين بالكتابة باللغة العامية على أساس أنها تعبير عن ثقافة المصريين وخصوصيتهم، ووصل الأمر إلى مطالبة بعضهم بكتابة العربية الفصحى بالحروف اللاتينية، وتوارت هذه الدعوى مع استمرارية اللغة العربية صامدة، وتتطور على نحو نسبي مع تطور اللغة الصحفية والإعلامية، واللغة الأدبية مع تطور السرديات الروائية والقصصية، والمسرحية والشعر. من ناحية اخرى كانت العربية أحد أبرز مكونات الهوية الوطنية المصرية، ويكتب بها ويقرأ ويتحدث المسلمون والأقباط مع اللغة العامية. اللغة العربية الفصحى تطورت خلال عديد العقود، إلا أن سؤال تطورها ومواجهة التطورات الكبرى في مجال العلوم الاجتماعية والطبيعية لا يزال مطروحًا، لا سيما في ظل ثورة الرقميات، والتطور الذي سيشهده العالم في مجال الذكاء الصناعي، وهو ما يطرح سؤالا بات قديمًا حول مستقبلها، ومدى قدرتها على استيعاب الانهمار الكبير في المفردات والاصطلاحات الجديدة التي يفرضها التطور العلمي الكبير والنوعي في عديد المجالات، في اللغات الكبرى في عالمنا الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية. تطور اللغة مرتبط بمستويات التطور العلمي في البلدان التي تتحدث وتكتب بها، ومدى قدرة الأنساق اللغوية على مواكبة هذا التطور من خلال المفردات الجديدة التي يبتدعها العلماء واللغويون، أو من خلال الترجمة من اللغات الكبرى بين بعضها بعضًا، سواء على الصعيد اللغوي والاصطلاحي المعجمي، أو استيعاب المفردات الجديدة داخل النسق اللغوي الوطني، وهو ما يتم سنويًا من دخول مئات من المفردات الإنجليزية إلى اللغة الفرنسية، وتدخل إلى القاموس الفرنسي، ولا يجد اللغويون الكبار أي غضاضة في ذلك، وهي علامة صحة وليست تعبيرًا عن الضعف، وإنما تمد الفرنسية بالحيوية اللغوية. بعض التطور اللغوي يتم من خلال سياسة الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغات الأوروبية الكبرى لا سيما الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، بل وتمتد الترجمات إلى الصينية واليابانية والروسية والتشيكية.. إلخ في عديد المجالات لا سيما الأدب والعلوم الاجتماعية، وهي وجه آخر من الدينامية اللغوية لهذه اللغات الكبرى. إعادة طرح السؤال مجددًا حول مستقبل اللغة العربية القديمة والجديدة يرجع إلى عديد الأسباب، وعلى رأسها ما يلى: 1- الفجوة بين الإنتاج اللغوي لمجامع اللغة العربية وتعريبها للمصطلحات الغربية، ومستهلكي اللغة من غالبية المثقفين والمتعلمين وأساتذة الجامعات في العلوم الاجتماعية. 2- ضعف مستويات التعريب للنظريات والمصطلحات في العلوم الطبيعية، وذلك لأنها لا تزال تدرس في الكليات الجامعية في غالب البلدان العربية، كالطب والهندسة والصيدلة وطب الأسنان... إلخ بالإنجليزية أو الفرنسية، وثمة تزايد في عديد الجامعات والكليات التي تدرس مواد التخصص فيها بالإنجليزية والفرنسية في دول الخليج العربي، كالإمارات وقطر... إلخ، وفي مصر، وذلك لأن الطلاب وذويهم يسعون إلى حصول أبنائهم على نمط من التعليم الأجنبي، الذي يسمح لهم بالتميز الاجتماعي، وإيجاد فرص عمل لهم في أسواق العمل في المنطقة، حيث الإنجليزية هي سيدة اللغات انتشارًا في السوق اللغوي في عالمنا. وتجربة التعريب العربية الوحيدة قامت بها الجامعات السورية، ولم تؤثر هذه التجربة على الجامعات العربية الأخرى. 3- نقص الترجمات للمراجع الأساسية في العلوم الاجتماعية، واعتمادها أساسًا على المبادرات الفردية لبعض المترجمين وفق اختياراتهم وميولهم الفكرية. 4- التحولات النوعية الجديدة في مجال الثورية الرقمية، والجينية، والذكاء الصناعي، وما تتطلبه من سياسة للترجمة واللغة تتسم بالدينامية، ومن ثم مدى قدرة النسق اللغوي العربي على قبول هذا التدفق السريع للمفردات والمصطلحات الأجنبية. 5- بعض النخب الأكاديمية العربية لديها بعض الشكوك حول قدرة اللغة العربية الفصيحة على التطور واستيعاب وترجمة العلوم الطبيعية، بل وبعض المصطلحات والمفاهيم والنظريات في العلوم الاجتماعية، وهو رأي قديم ولا يزال له بعض أصدائه في وسط الباحثين والمتخصصين في هذه العلوم. بعض هؤلاء يتناسى التجربة السورية أو يتجاهلها بقطع النظر عن مدى نجاحها، وديناميتها في تعريب الجديد والمستمر في هذه العلوم. في مجال العلوم الاجتماعية، وعلى الرغم من ترجمة بعض المعاجم الإصطلاحية في علم الاجتماع والفلسفة، فإن بعض التطور لم يتم تعريب مراجعه الأساسية، واصطلاحاته، لأن الترجمة عن هذه العلوم تتسم بالبطء، وعدم توحيد المصطلحات من جانب بعض المترجمين في البلدان العربية. من هنا يبدو دور المجامع اللغوية العربية من الأهمية بمكان في تعريب المصطلحات في العلوم الطبيعية التي هي إنتاج غربي بامتياز، مع دخول الصين واليابان وروسيا كأطراف فاعلة في الاقتصاد والعلوم التقنية، ومن ثم تحتاج إلى مختصين في هذه اللغات للترجمة عنها ومتابعة التطور العلمي فيها، ونقله إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى العلوم الاجتماعية، والترجمات عن آدابها لإثراء الأدب العربي من خلال استيعاب الأدباء والنقاد والقراء للإنتاج الإبداعي بهذه اللغات، وهو ما يشكل رافدًا حيويًا للترجمة عن اللغات الكبرى في عالمنا، وألا تقتصر الترجمة على اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية فقط. من هنا يشكل التعريب والترجمة رافدين لمواجهة مشكلة تطور اللغة العربية في العلوم الطبيعية والاجتماعية، وهو أمر يتطلب سياسة لغوية، وسياسة للترجمة من خلال توحيد جاد لعمل المجامع اللغوية العربية، وربما للجهود الفردية للمترجمين، وكذلك للجهات الحكومية العربية المختصة بالترجمة، وعدم تكرار الجهود في ترجمة بعض الأعمال في أكثر من بلد عربي، وهو ما يشكل جهدًا ضائعًا، يمكن توظيفه في أعمال أخرى لو كان هناك تكامل وتنسيق في مجال جهود الترجمة، وربما يتم ذلك عبر النشر على المواقع الرقمية لموقع يتم إنشاؤه حول الترجمة والتعريب، يطرح كافة المختصين اختياراتهم للترجمة عن اللغة المختلفة، والتنسيق فيما بين بعضهم بعضًا، حتى لا تتكرر جهودهم في هذا الصدد. يبدو أن ثمة حاجة موضوعية لعمل مؤتمرات وطنية لغوية ومن المترجمين العرب لوضع سياسة لغوية وسياسة للترجمة إرشادية، ثم عقد مؤتمرات عربية شاملة يدور حولها الحوار حول قضايا ومشاكل السياسة اللغوية، والترجمة والتعريب، وتتشكل من كبار اللغويين والمترجمين والمتخصصين في العلوم الطبيعية والاجتماعية للحوار حول مشاكل اللغة العربية في مواجهة التطور في هذه المجالات وسبل مواجهتها، وذلك كي تظل لغتنا العربية الجميلة قادرة على استيعاب مستجدات العلوم والمفردات والمصطلحات، وتظل أحد محركات الثقافات العربية على متابعة تطورات العلم والمعرفة في عالمنا.


 

التحرير

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية