للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

من نحن… سلاح اللغة والهوية

د. عمر محمود بنجلون

 

“من نحن …” سؤال جوهري طرحه فلاديمير لينين في تنظيره للثورة البولشيفية و هو يحدد هوية الاتحاد السوفياتي سنة 1917، نفس السؤال طرح بعد الاستقلالات التي شهدها العالم العربي منتصف القرن الماضي قبيل استنزافه بمواجهات مع الكيان الصهيوني و حروبه الداخلية. انهار الاتحاد السوفياتي و معه العراق، ثم استلب النيل وسط ثورة لا مؤطر لها سوى “الدبلوماسية الغربية” التي نجحت في تفكيك ليبيا و اليمن ،متوجهة إلى باقي الأقطار، ولولا صمود الجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد لوجدت سوريا نفس المصير،وتم هذا  لهدفين استراتيجيين و هما تأمين إسرائيل و إجهاض النهضة العربية في القوس الجنوبي للمتوسط. هدفان أضحيا اليوم تحصيل حاصل ،لتبتدئ مرحلة التوسع الأيديولوجي و الترابي لإسرائيل مؤكدة ما قيل بعد اغتيال أبرز القادة الوطنيين في العالم العربي : “لقد غادر الاستعمار ليعود أقوى من ما كان”.

من بين الأسس الحاضنة لسياسات التوسع هاته هو مخطط دمار الهوية من خلال إضعاف اللغة العربية بعد تقسيم المجتمعات إلى طوائف عرقية و دينية و قبلية، من الفرات إلى المحيط ،حيث تعلن كل “لهجة محلية” قيام جمهورية خاصة بها من كردستان إلى الصحراء المغربية، و بروز ظواهر مثيرة كتلك التي يعرفها المغرب في بداية كل سنة مدرسية و جامعية،متمثلة في هجمات ممنهجة على العربية من طرف لوبيات تريد مأسسة العامية في التعليم و الإدارة و الفضاء السمعي -البصري. نعم، العربية الفصحى و المنطقية و العلمية و الفلسفية و الأدبية. اللغة الرسمية لجامعات السوربون و اكسفورد في أوج الحضارة الأندلسية من القرن ١٣ إلى حقبة “الريكونكيسطا”، و المعتمدة اليوم داخل منظومة الأمم المتحدة، تنازع شرعيتها في بلد تم توحيده بها، و التي جعلته يمتد من طليطلة الاسبانية إلى نهر السينيغال، حيث قال احد علمائها الامازيغ الفقيد المختار السوسي رحمه الله : “و الله لو هدا اللسان أبعدني عن اللغة العربية لاقتلعته من جذوره”.
إن الآلية التواصلية التي تستطيع التدريج من أجل تبسيط الكلام بين الناس بتنوعهم العرقي و الطبقي و الأيديولوجي من جهة،و تقدر على التعقيد ألمفاهيمي لمتطلبات الفكر و العلم و التنظير من جهة أخرى، هي الوحيدة التي تميز بين تعريف اللهجة و معنى اللغة بتدقيق نظري يؤسس لمنظومة تعليمية صلبة تشمل العلوم و الآداب و الفكر. لذلك لا يحتمل التعليم ومن خلاله موقع اللغة العربية فوضى كلام العامة المتطفل على تأمل المثقفين أمثال المفكر المغربي عبد الله العروي، الذي قال سنة 2013 في مناظرة مع شخص يملك شركة إشهار بالدار البيضاء : “الهدف من التركيز على اللهجة الدارجة هو أن تُكوّن طبقة من الناس ليسوا أميين و ليسوا متعلمين بما فيه الكفاية، يعني مفاهيمهم محدودة جدا لكي يتم تشغيلهم في المعامل فقط”. هنا ينصب الفخ لكي يستغني المثقف عن حصانته العلمية ،ليدافع عن المسلمات مع فاقدي الصفة في موضوع حضاري كاللغة و الهوية، عوض الخوض في شؤون بلاده و تحدياتها الحقيقية. الخطر هنا في أن تفرز بيئتنا على من يدافع عن رداءتها و العودة بها إلى الصفر، و الأخطر أن يكون القانون صامت أمام تعرض الجذور الحضارية للمغرب أو لبلد عربي آخر لمحاولات إضرام النار. في فرنسا مثلا لن تجد من يدافع عن ترسيم لهجة ضواحي مرسيليا أو لهجات “الشتي” في الشمال و “النيسار” في الحدود الايطالية و “الاكسيتان” في الحدود الإسبانية، لان هناك دولة … إن تدخلت في الدفاع عن إسرائيل بخلط مفاهيمي فيما بين المعاداة للسامية و مناهضة الصهيونية من أجل التحكم في جالياتها المختلفة، فلن تقبل بالتدخل في أسسها اللغوية و الجمهورية و العلمانية و الأوروبية مع أنها تدرج العربية في البرامج  و السياسات العمومية لتكون جزءا لا يتجزأ من منظومتها التعليمية.
منذ الاستقلالات حوربت كل الإيديولوجيات ذات المد القومي في الوطن العربي، فهزمت المؤسسات في محاربة الأمية و الفقر و التخلف ،لتنتصر لوبيات الرداءة على أحد أهم عناصر الوجود و الهوية، لكي لا نقول القوة و هي اللغة العربية. فبالتشويش على لغة كونية بلهجات لا ترتقي إلى الغزارة الاصطلاحية و التعقيد النظري اللازمين لمواكبة الفكر، يقصد ضرب التعليم و من خلاله ضرب “العقل العربي” كما اصطلح عليه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري. فلسطين مثلا، لا يحصى ضمنها أمي واحد في الضفة و القطاع و هي تحت احتلال غاشم لان لديها قضية. كوبا،و هي تحت عقوبات اقتصادية تعسفية منذ ثورتها الكاسترية لا يسجل بها جاهل واحد. مصر، رغم حروبها ضد إسرائيل و تعرضها لسرقة النيل لا زالت تدعم الكتاب مثلما تدعم المواد الأساسية، و جامعاتها في مقدمة ترتيب “شانغاي”. إثيوبيا، رغم تحقيرها من طرف الدعاية الغربية للإطاحة بالنظام الشيوعي ل “هايلي مريم” فهي تعرف نهضة اقتصادية قل نظيرها بفضل شعب واعي. على عكس دلك فالمغرب، و منذ 1956 و هو مستقل عن الاستعمار الفرنسي-الاسباني بعد تراكم تاريخي و حضاري لأكثر من 1500 سنة، لا زال رقم “50% من الأمية” يردد كعنوان لفشل جماعي ذو المسؤولية المتعمدة، كارثة إحصائية تمهد لمخططات لهجاتية مفادها ،تقزيم مكامن البناء الوطني و القومي.
يقول المفكر الألماني “كونتر اندرس” في كتابه –انقراض الإنسان- الصادر سنة 1956  : “بعيدا عن القمع التقليدي يكفي هيكلة الشعب بتعليم رديء و خلق الهوة بينه و العلم و جعل المعلومة مبعدة عن كل تأثير فلسفي و قتل التفكير بكل ما هو تافه و مأسسة السخرية حول كل ما له قيمة و الإشادة بالسطحية و جعل الدعاية التجارية المرجع الوحيد للحرية. كلما كان الفرد محدود التفكير و مثقل بانشغالات رديئة كلما سهل تطويعه”. فالدفاع عن العربية هنا ليس بمنطق الدفاع عن التراث أو عن لهجة منقرضة أو لغة ميتة ،لأن واقع الحال لا يضعف إلى هكذا تدني. كل هجمات التاتار و المغول و الامبريالية لم تستطع طمس لغة ال”ض” إلى اليوم، فكيف لمناصري “النموذج المالطي” أن يغيروا ميزان القوى مع لغة أممية أثرت في لغات أجنبية عريقة غزت العالم ،و منها الاسبانية و البرتغالية آو الفرنسية التي تحمل أزيد من 1000 كلمة عربية… و لغة عابرة للقارات يصلي بها أزيد من مليار و نصف مسلم ؟ المطروح هنا هو الحد من نقاش فج يريد استبدال اللغة العربية بالعامية كمدخل للتعلم ،مما يشكل خطرا حقيقيا على ما تبقى من عقول الأفراد، و الوعي الجماعي في قدرتهما على التفكير و الدفاع عن هوية استثنائية و تراكم حضاري ،يجعلان الشعوب تتمسك بعمق و بعد استراتيجيين للإبقاء على شروط نهضة ممكنة في  فضاء إنساني عرف قرونا من التخلف. و نحن نقترب من ذكرى اغتياله يوم 29 أكتوبر 1965 بباريس، نستحضر ماقاله السياسي الاممي المغربي المهدي بن بركة في إحدى استجواباته : “لن نقبل أن يكون المغاربة نوادل لدى المستعمرين. الثورة الحقيقية تبتدئ من التعليم كمدرسة للوطنية”.
 

رأي اليوم

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية