للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

وقفات على أبواب القوافي - 9

أ.د. محمد عبد الله سليمان



أبو رِياشٍ سُوَيْدُ بنُ كُراعَ: منْ فُرْسانِ العَرَبِ وشُعَرائِهِم، وكُرَاعُ: اسمُ أمِّهِ لا ينْصَرِفُ، واسمُ أبيهِ عَمْروٌ، وقيل: سَلَمَةُ العُكْلِيُّ ".

 وحين هجا سويد بن كراع العكلي بعض الناس استعدوا عليه سعيد بن عثمان بن عفان، فهرب وتوارى، وفي تواريه يصور حاله وهو ينظم القصيدة، فكأن القصيدة سرب من الحيوانات الوحشية فهو يداريها ليصيد منها شيئا، ويأخذ في مراقبتها حتى يجئ وقت السحر، وهي أبيّة تعصي ولا تطاوع، بعيدة شأو لا يردها طالبها إلا بعد أن يكل ويتعب. ويربط سويد بين عملية النظم وخوف ابن عفان، فهو لا يظهر القصيدة وإنما يردها ويخضعها للتثقيف حولا كاملا وربيعا:
أبيت بأبواب القوافي كأنما
أصادي بها سربا من الوحش نزعا

أكالئها حتى أعرس بعد ما
يكون سحير أو بعيد فاهجعا

عواصي إلا ما جعلت إمامها
     عصا مربد تغشى نحورا وأذرعا

أهبت بغر الآبدات وراجعت
طريقا أملته القصائد مهيعا

بعيدة شأو لا يكاد يردها 
لها طالب حتى يكل ويظلعا

إذا خفت أن تردى علي رددتها
وراء التراقي خشية أن تطلعا

وجشمها خوف ابن عفان ردها
فثقفتها حولا حريدا ومربعا

وقد كان في نفسي عليها زيادة
فلم أر إلا أن أطيع وأسمعا

 وإنما يبيت عليها لخلوه بها ومراجعته النظر فيها وقال:
أعددت للحرب التي أعنى بها
قوافيا لم أعي باجتلابها

حتى إذا أذللت من صعابها
واستوثقت لي صحت في أعقابها

 فهذا كما ترى مزاولة ومطالبة واغتصاب لها ومعاناة كلفة بها.
وقد اهتديت لعنوان هذه المقالات:(وقفات على أبواب القوافي)، من بيت سويد "أبيت بأبواب القوافي" والبَابُ معروفٌ والجمعُ أَبْوَابٌ وبِيْبَانٌ فأَمَّا قولُهُ:
هتَّاكُ أَخْبِيَةٍ ولاجُ أَبْوِيَةٍ
يخْلِطُ بالجِدِّ منهُ البِرَّ واللِّيْنَا

فإنّما قالَ أَبْوِيَةٍ لمكَانِ أَخْبِيَةٍ وزَعمَ ابنُ الأعرابي واللحيانيُّ أَنَّ أَبْوِيَةً جَمْعُ بَابٍ مِن غَير أَنْ يكونَ إِتْبَاعًا وهذا نادِرٌ لأنَّ بَابًا فَعَلٌ وفَعَلٌ لا يُكَسَّرُ على أَفْعِلَةٍ واستَعارَ سُوَيدُ بن كُرَاعَ الأَبْوَابَ للقوافي فقالَ:
أَبِيْتُ بِأَبْوَابِ القوافي كَأَنَّما
أَذُودُ بها سَرْبًا مِنَ الوَحْش نُزَّعَا

 ورَجُلٌ بَوَّابٌ لازمٌ للبابِ وحِرفَتُهُ البِوَابَةُ وبَابَ للسُّلْطَانِ يَبُوبُ صَارَ لَهُ بَوَّابًا وتَبَوَّبَ بَوَّابًا اتَّخَذَهُ وقال بِشْرُ بن أَبي خازِمٍ:
فَمَن يَكُ سائِلاً عن بَيْتِ بِشْرٍ
فَإِنَّ له بجَنْبِ الرَّدْهِ بَابَا

 إِنّما عَنَى بالبَيْتِ القَبْرَ ولما جَعَلَهُ بَيْتًا وكانت البُيُوتُ ذَوَات أَبَوابٍ استَجازَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بابًا والبابَةُ والبابُ في الحُدُودِ والحِسَابِ ونَحْوِه الغايَةُ واسْتَعار سُوَيْد بن كراع الأَبْوابَ للقوافِي فقال:
أَبِيتُ بأَبْوابِ القَوافِي كأَنَّما
أَذُودُ بها سِرْباً مِنَ الوَحْشِ نُزَّعا

والبَوَّابُ الحاجِبُ ولو اشْتُقَّ منه فِعْلٌ على فِعالةٍ لقيل بِوابةٌ بإظهار الواو ولا تُقْلَبُ ياءً لأَنه ليس بمصدر مَحْضٍ إِنما هو اسم قال وأَهلُ البصرة في أَسْواقِهم يُسَمُّون السَّاقِي الذي يَطُوف عليهم بالماءِ بَيَّاباً ورجلٌ بَوّابٌ لازم للْباب وحِرْفَتُه البِوابةُ وبابَ للسلطان يَبُوبُ صار له بَوَّاباً وتَبَوَّبَ بَوَّاباً اتخذه وقال بِشْرُ بن أبي خازم:
فَمَنْ يَكُ سائلاً عن بَيْتِ بِشْرٍ
   فإِنَّ له بجَنْبِ الرَّدْهِ بابا

أما المِرْبَد: الخشبة أو العصا تُوضَع في باب الحَظيرة تعترض صُدورَ الإِبل فتمنعها من الخروج. كذا رُوِيَتْ عن أبي زيد. وأحسِبُ هذا غلطاً، وإِنما المِرْبَد مَحبِس النَّعَم. والخشبة هي عصا المِرْبَد. ألا ترى أنَّ الشَّاعرَ أضافَها إلى المِرْبَد، فقال سُوَيد بن كُراع:
عَوَاصِيَ إِلاّ ما جعَلْتُ وراءَها
عَصَا مِرْبَدٍ تَغْشَى نُحُوراً وأذرُعا

وبيت سويد الذي نحن بصدد الوقوف عنده يؤكد أنمن شعراء العرب من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولا كريتا وزمنا طويلا يردد فيها نظره ويقلب فيها رأيه اتهاما لعقله وتتبعا على نفسه فيجعل عقله ذماما على رأيه ورأيه عيارا على شعره إشفاقا على أدبه وإحرازا لما خوله الله من نعمته وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمنقحات والمحكمات ليصير قائلها فحلا خنذيذا وشاعرا مفلقا وفي بيوت الشعر الأمثال والأوابد ومنها الشواهد ومنها الشوارد والشعراء عندهم أربع طبقات فأولهم الفحل الخنذيذ والخنذيذ هو التام قال الأصمعي قال رؤبة: هم الفحول الرواة ودون الفحل الخنذيذ الشاعر المفلق ودون ذلك الشاعر فقط والرابع الشعرور ولذلك قال الأول في هجاء بعض الشعراء:
يا رابع الشعراء فيم هجوتني
وزعمت أني مفحم لا أنطق

فجعله سكيتا مخلفا ومسبوقا مؤخرا وسمعت بعض العلماء يقول طبقات الشعراء ثلاثة شاعر وشويعر وشعرور قال والشويعر مثل محمد بن حمران بن أبي حمران سماه بذلك امرؤ القيس بن حجر ومنهم ثم من بني ضبة المفوف شاعر بني حميس وهو الشويعر ولذلك قال العبدي:
ألا تنهى سراة بني حميس
شويعرها فويلية الأفاعي

قبيلة تردد حيث شاءت
كزائدة النعامة في الكراع

 والشويعر أيضا صفوان بن عبد ياليل من بني سعد بن ليث ويقال إن اسمه ربيعة بن عثمان وهو الذي يقول:
         فسائل جعفرا وبني أبيها
بني البرزا بطخفة والملاح

         وأفلتنا أبا ليلى طفيلا
     صحيح الجلد من أثر السلاح

وقد زعم ناس أن الخنذيذ من الخيل هو الخصي وكيف يكون ذلك كذلك مع قول الشاعر:
     يا ليتني يا ليت لم أر مثلها
أمر قرى منها وأكثر باكيا

وأكثر خنذيذا بجر عنانه
إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا

وقال بشر بن أبي خازم:
وخنذيذ ترى الغرمول منه
كطي الزق علقه التجار

وأبين من ذلك قول البرجمي:
وخناذيذ خصية وفحولا
 ويدل على ما قلنا قول العبسي:
دعوت بني سعد إلي فشمرت
خناذيذ من سعد طوال السواعد

 وكان زهير بن أبي سلمى يسمى كبار قصائده الحوليات وقد فسر سويد بن كراع العكلي ما قلنا في قوله:
أبيت بأبواب القوافي كأنما
أصادي بها سربا من الوحش نزعا

وقال الحطيئة: "خير الشعر الحولي المحكك"وهو القائل "والله لحسبك بي عند رغبة أو رهبة إذا رفعت إحدى رجلي علي الأخرى ثم عويت في أثر القوافي عواء الفصيل الصادي"وكان الأصمعي يقول:" زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر"وكذلك كل من يجوّد في جميع شعره ويقف عند كل بيت قاله وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة، وكان يقال لولا أن الشعر كان قد استعبدهم واستفرغ مجهودهم حتى أدخلهم في باب التكلف وأصحاب الصنعة ومن يلتمس قعر الكلام واغتصاب الألفاظ لذهبوا مذهب المطبوعين الذين تأتيهم المعاني سهلا ورهوا وتنثال عليهم الألفاظ انثيالا، وإنما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة ولذلك قالوا في شعره مطرف بآلاف وخمار بواف وكان يخالف في جميع ذلك الرواة والشعراء، وكان أبو عبيدة يقول ويحكي ذلك عن يونس ومن تكسب بشعره والتمس به صلات الأشراف والقادة وجوائز الملوك والسادة في قصائد السماطين وبالطوال التي تنشد يوم الحفل لم يجد بدا من صنيع زهير والحطيئة وأشباههما وإذا قالوا في غير ذلك أخذوا عفو الكلام وتركوا المجهود ولم ترهم مع ذلك يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد وفي صنعة طوال الخطب، بل كان الكلام البائت عندهم كالمقتضب اقتدارا عليه، وثقة بحسن عادة الله عندهم فيه.
إن العرب ربما خاطبت الواحد بلفظ الإثنين كما قال سويد بن كراع العكلي وكان سويد هذا هجا بني عبد الله بن دارم فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان فأراد ضربه فقال سويد قصيدة أولها:
تقول ابنه العوفي ليلى ألا ترى
     إلى ابن كراع لا يزال مفزعاً

مخافة هذين الأميرين سهدت
     رقادي وغشتني بياضاً مقزعاً

فأن أنتما أحكمتاني فازجرا
    أراهط تؤذيني من الناس رضعاً

    وإن تزجراني بابن عفان أنزجر
    وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعاً

قال وهذا يدل على أنه خاطب اثنين سعيد بن عثمان ومن ينوب عنه أو يحضر معه. وقوله:" فإن أنتما أحكمتاني "دليل أيضاً على أنه يخاطب اثنين. قلنا البيت الأخير يروى فذا ويكثر وروده في كلامهم شاهداً على جواز مخاطبة الواحد بلفظ اثنين والصواب فيه (يا ابن عفان) بالنداء. والظاهر أن ناسخ الأصل تبع فيه من يرى حذف ألف ابن في هذه الصورة فتصحفت الياء المثناة التحتية على المصحح بباء الجر ولم ينتبه إلى إخلالها بالمعنى إذ لا خلاف في أن عفان مرادٌ بالخطاب في البيت سواء خوطب وحده أو مع من يحضر معه ويكون في الأبيات الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. وهذا موجود عند العرب قديما، قال امرئ القيس:
    قفا نبك من ذِكرى حبيبٍ ومنزل
بسِقطِ اللّوى بينَ الدَّخول فَحَوْمَلِ

قيل: خاطب صاحبيه، وقيل: بل خاطب واحدًا وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين؛ لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، فمن ذلك قول الشاعر سويد بن كراع العكلي: [الطويل]:
فإن تزجراني يا بن عفان أنزجر
وإن ترعياني أحم عرضًا ممنّعًا

خاطب الواحد خطاب الاثنين، وإنما فعلت العرب ذلك لأن الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرون ألسنتهم عليه، ويجوز أن يكون المراد به: قف قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُون} المراد منه: أرجعني أرجعني أرجعني، جعلت الواو علمًا مشعرًا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارًا، وقيل: أراد قفن على جهة التأكيد فقلب النون ألفًا في حال الوصل؛ لأن هذه النون تقلب ألفًا في حال الوقف فحمل الوصف على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى: {لَنَسْفَعَا} قلت: لنسفعًا؟
خلاصة ما تقدم أن سويد بن كراع يبيت ساهرا على أبواب القوافي فيشبه القصيدة بسرب من الحيوانات الوحشية يداريها ليصطاد منها شيئا، ثم يحكك بعد ذلك وينقح كما يفعل شعراء الصنعة مع أشعارهم.
ووقفنا مع أبياته على الشواهد النحوية من مخاطبة العرب للواحد بلفظ الاثنين وتفسير ذلك، وشرحنا بعض الكلمات التي تحاج إلى شرح، ووقفنا وقفة لغوية مع جمع لفظة (باب) وما ورد عنها في معاجم اللغة، كما وقفنا على آراء النقاد حول بعض القضايا النقدية من خلال الأبيات.

المراجع:
1. محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف: تحقيق مجموعة من المحققين الناشر دار الهداية عدد الأجزاء، 40ج22.
2. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري، عمان، دار الشروق، 1997.
3. أبو الفتح عثمان ابن جني الخصائص تحقيق محمد علي النجار الناشر عالم الكتب سنة النشر مكان النشر بيروت عدد الأجزاء 3ج1 .
4. أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي، المحكم والمحيط الأعظم تحقيق عبد الحميد هنداوي الناشر دار الكتب العلمية سنة النشر 2000م مكان النشر بيروت عدد الأجزاء 11ج10 .
5. ابن منظور، لسان العرب، المحقق: عبد الله علي الكبير + محمد أحمد حسب الله + هاشم محمد الشاذلي دار النشر: دار المعارفالبلد: القاهرة عدد الأجزاء: 6ج1. 
6. أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا معجم مقاييس اللغة المحقق: عبد السلام محمد هارون الناشر: دار الفكر الطبعة: 1399هـ -1979م. عدد الأجزاء: 6ج2.
7. الجاحظ، البيان والتبيين، ج1.
8. الأصفهاني-الأغاني -ج2.
9. ابن قتيبة، الشعر والشعراء.
10. الزوزني شرح المعلقات السبع دراسة وتحقيق: الناشر: دار احياء التراث العربي الطبعة الأولى 1423هـ - 2002م.
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية