للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

جاك لانغ: اللغة العربية ضحية إيديولوجية مقيتة

بوعلام رمضاني

 

لم يكن وجود ثلاثة صحافيين عرب وعدم حضور صحافي فرنسي واحد في الندوة الصحافية التي عقدها جاك لانغ وزير الثقافة والتربية السابق والرئيس الحالي لمعهد العالم العربي مفاجأة بالنسبة للذين يعرفون طبيعة مجتمع تربى على إيديولوجية حكام ومثقفين علمانيين مزيفين يتحسسون مسدساتهم حينما يسمعون كلمات اللغة العربية والإسلام. جاك لانغ "دونكيشوت اللغة العربية" ظهر صباح الثلاثاء، الرابع من الشهر الجاري، أكثر حزما في مكتبه المطل على نهر السين والمزين بشكل يشبه مسار ومسيرة رجل يتنفس الجمال بكل أشكاله الممكنة ويعشق التحدي الذي يسري في دمه ويعد طبيعة ثانية لصيقة بمزاجه كما سبق أن عبر عن ذلك في لقاء انفرد به "ضفة ثالثة" العام الماضي.

مسمار جحا.

 قبل أيام معدودة من تاريخ عرس اللغة العربية الذي سيحتضنه معهد العالم العربي، من الرابع عشر حتى غاية السادس عشر من الشهر الجاري، وبحضور مديره الرجل الثاني في المؤسسة معجب الزهراني، لم يتردد "العربي الخائن" - كما كتب عنه أحد أعدائه اللدودين، مستغلا زمن منابر التواصل الاجتماعي - في تعميق عزمه على المضي قدما في إعادة الاعتبار للغة الخامسة في العالم، والتي يتحدث بها أكثر من 430 مليون شخص، وصاحبة المجد الحضاري الذي ما زال يشع بتركته المرادفة لمعالم تاريخية ومبدعين في شتى المجالات الأدبية والعلمية والطبية. رئيس معهد العالم العربي تحدث مبتهجا وغير عابئ بالذين فشلوا في كتم صوت لغة الضاد وحجب نورها في مستويات سياسية وأدبية وفكرية عليا، وهي المستويات التي قال عنها لانغ: "إنها أسيرة خلفية إيديولوجية مقيتة وتناقضات فظيعة، والقول إن تدريس اللغة العربية تشجيع للإسلاميين كلام أقرب إلى الهزل والتسطيح والتشويه منه إلى الجدية والموضوعية، والعكس هو الصحيح تماما، ما دامت اللغة العربية ليست دينا فقط، كما يروَج لذلك، وهي لغة عظيمة تتجاوز المعتقد الديني، كما أنها غير مسؤولة عما آل إليه العالم العربي والإسلامي والعالم بوجه عام". أمامنا، راح لانغ يسرد الحقائق التي تدحض ادعاءات خصوم تدريس اللغة العربية في فرنسا، وتتجاوز في تقديره "منطق" الخصوم الذي يمشي على رأسه وليس على قدميه وتكشف في الوقت نفسه العداء الإيديولوجي المرضي حيال ما تمثله اللغة العربية. لأن فرنسا معروفة بانغلاقها حيال لغات أجنبية أخرى. راح لانغ يشجع إلى حد "الإحراج" جان ميشال بلانكيه وزير التربية الذي لم يطبق تجاوبه بعد مع دعوة الرجل الذي كان وزيرا للتربية مثله وعمل على تدريس اللغة العربية في مرحلة مبكرة من التعليم، والذي توقف وقبر بعد رحيله من الوزارة المعنية بين 1992 و1993 في المرة الأولى و2000 و2002 في المرة الثانية. بعد حديثه عن محاورته الوزير الذي ينام بصعوبة هذه الأيام بعدما امتدت الاحتجاجات الباريسية إلى مجال مسؤوليته وعن تاريخ وجود اللغة العربية في فرنسا منذ تأسيس كوليج دو فرانس عام 1530، استمر لانغ في التعبير عن حزنه التراجيدي لواقع اللغة العربية في فرنسا بأكملها، مذكرا بنسب مفجعة مفادها أن طفلا واحدا من بين ألف يتعلم اللغة العربية في مرحلة التعليم الابتدائي واثنين في مرحلة التعليم المتوسط: "هذه اللغة هي أيضا لغة حية وعالمية ولغة العرب المسيحيين والمسلمين واليهود، سواء كانوا مؤمنين أو ملحدين، ولغة التواصل الاجتماعي والشباب والفنانين والكتاب والعلماء والباحثين والصحافيين والمبدعين بوجه عام".

جريمة في حق اللغة العربية:

اللغة الفرنسية المنتشرة في عدد كبير من البلدان العربية والإسلامية بشكل لا يرقى إلى قوة حضور اللغة الإنكليزية في الخليج العربي، كما أكد ذلك بضرب أمثلة من صلب تجاربه كمثقف وسياسي جال العالم، يرى لانغ أنه يجب أن يقابلها اهتمام باللغة العربية في فرنسا التي تستفيد أكثر من تعليمها، خلافا لما يروجه تجار الخوف، على حد قوله في المقال الذي نشره في صحيفة "لوموند" بتاريخ 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، تحت عنوان "لنطور تدريس اللغة العربية في مدارسنا". بتدريس اللغة العربية لا نقلل من شأن اللغة الفرنسية ولا نضعفها ولا نهددها، والعلم أثبت أكثر من أي وقت مضى: "أن دماغ الطفل الذي يتغذى بلغات عدة ينشط أكثر من أدمغة أطفال أحاديي اللغة، وبمقارنة حصيلته اللغوية العامة والخاصة باللغة الفرنسية، نجد أنه يتحسن أكثر في تعاطيه لغة بلده، فلماذا التردد في أعلى مستويات سلطة بلد فولتير، نسأل لانغ، علما أنكم كتبتم وكررتم أن رئيس الجمهورية قد التزم بفتح باب التعددية اللغوية؟ استمر لانغ في الدفاع عن أهمية تدريس اللغة العربية، مناهضا تجار الخوف بإضافته ردا على سؤال كاتب هذه السطور: "إن معهد العالم العربي لا يعوض وزارة التربية ومهمته وإمكاناته محدودة، وتبقى المدرسة المستوى الأول في تعليم اللغة العربية من منظور لغوي تعددي أشمل، وخلافا لما يروج له تجار الخوف والتخويف والترهيب تحديدا، فإن المدرسة الجمهورية العلمانية هي الكفيلة بقطع الطريق على خطابهم المخادع". رغم تدريس اللغة العربية في الكثير من المعاهد كالمعهد الوطني للغات الشرقية ومعهد العلوم السياسية ومعاهد أخرى، يبقى الإنجاز ناقصا كثيرا، في ظل تقاعس تدريس اللغة العربية، في المدارس، من منطلق تربوي شامل و: "التردد في تحقيق هذا الطموح وعدم تنفيذه يعد جريمة تستفيد منها الجماعات الإسلامية المتطرفة، الأمر الذي يجعلنا مسؤولين عن الخلط بين اللغة والدين وتغذية أرضية الانغلاق الهوياتي والتطرف المميت". أخيرا أنهى لانغ ندوته الصحافية مستعينا بلحسن كركور المدير الجديد لمركز اللغة والحضارة العربية منذ سبتمبر/ أيلول الماضي والساهر بدوره على تطوير مسار تدريس اللغة العربية في معهد العالم العربي، استكمالا للمجهودات التأسيسية الجبارة التي بذلتها ندى يافي مترجمة الرئيسين ميتران وشيراك قبل التحاقها بمعهد العالم العربي وصاحبة الإشراف على كتاب "العربية لغة العالم". للرد على السؤال الثاني لممثل: "ضفة ثالثة" الخاص بمعرفة التركيبة السوسيولوجية للجمهور في شكل إحصاءات ملموسة تثبت صحة ونوعية وطبيعة ما يسميه مسؤولو المعهد بقوة الإقبال على تعلم اللغة العربية من سنة لأخرى، تدخل مجددا لحسن كركور، مؤكدا حقيقة إقبال جمهور فرنسي خالص ليست له علاقة بالعالم العربي والإسلامي على دروس اللغة العربية، فضلا عن آخرين منحدرين من أصول عربية، ويقبل عليها، مذ إطلاق عرس اللغة العربية لمناسبة اليوم العالمي للغة العربية قبل أربعة أعوام، حوالى ألفي شخص، وهو رقم يتزايد سنويا، إلى درجة لم تمكن المعهد من تلبية كل الطلبات، ما جعله يستنجد بجامعة السوربون وبجهات أخرى لاستقبال وافدين جدد من الكبار والصغار. دليل اختراق اللغة العربية لأسوار معهد العالم العربي، أكده معجب الزهراني بشكل باهر - حينما راح يتحدث باللغة العربية قرب لانغ الذي يؤمن بها بشكل خرافي، لكنه لم يتعلمها بعد ولو جزئياً، بدعوى أنه هرم وضعف سمعه ويصعب عليه تعلمها بسهولة -، وأكد الزهراني أن كل نشاطات كرسي معهد العالم العربي التي يشرف عليها الطيب ولد عروسي تتم باللغة العربية، وهذا ما شهدنا عليه العام الماضي، يوم تغطيتنا حفل تكريم المستعرب الكبير أندري ميكيل مترجم "ألف ليلة وليلة" و"مجنون ليلى"، وغير المعروف بالقدر الكافي في الإعلام الفرنسي المنغلق على يعقوبيته الثقافية المرادفة لعقدة فرادة إنسانية لا تسمح بالانفتاح على الآخر مهما بلغت حضارته من بريق وخصوصية.

عرس اللغة العربية

قبل محاورتنا لحسن كركور في مكتبه جريا وراء انفراد صحافي عن جديد الدورة القادمة لعرس اللغة العربية، أكد للصحافيين العرب "الذين أنقذوا الموقف" أمام مسؤوله الأول أن المعهد عازم على تجاوز أسواره النخبوية بإطلاق شراكة مع جمعيات الضواحي لتوسيع رقعة تعليم اللغة العربية. ردا على سؤال ممثل "ضفة ثالثة" الذي عايش تجارب تدريس اللغة العربية ولا يزال في بعض الضواحي التي تسيطر على "شارع" تدريس اللغة العربية بواسطة جمعيات تعنى أكثر بتحفيظ القران الكريم وتلقين الدين الإسلامي أكثر مما تهتم بتعليم لغته بشكل علمي متقن، خلافا لمعهد العالم العربي الذي يريد تحقيق عكس ذلك لكن بطريقة قد تنسي المتلقي أن اللغة العربية لغة دين أيضا، الأمر الذي نبهنا له في شكل سؤال قد يساعد المعني على تفادي انزلاق وارد تحت وطأة علمانية أصبحت دينا، حسب المفكر الكبير غير الإسلامي ادغار موران. تجاوب لانغ مع سؤالنا من خلال دعوته إلى القيام بحملة واسعة النطاق والصدى للتأكيد على أهمية تعليم اللغة العربية في الأوساط الشعبية غير القادرة ماليا على دفع مستحقات تفوق طاقتها المادية، بالتنسيق والعمل مع جمعيات غير دينية بالضرورة وتتوفر على معلمين متخصصين أكفاء. كركور الحاصل على دكتوراه في الأدب العربي من جامعة السوربون بأطروحة عن الرواية الفلسطينية والأستاذ السابق للغة العربية في الإمارات العربية والجزائر.... تساءل محقا عن غرابة عدم إحياء اليوم العالمي للغة العربية في البلدان العربية والإسلامية الذي ينظم سنويا في يوم 18 ديسمبر/ كانون الأول، قبل تجاوبه مع مسؤوله الذي لمح إلى عدم رضاه عن دور منظمة يونسكو التي تكتفي بالخطاب في مجال الترويج لأهمية تدريس اللغة العربية، ومؤكدا على قدرة معهد العالم العربي على تكوين المعلمين المنتسبين إلى الجمعيات التي تدرس اللغة العربية لتدريسها على نحو علمي، تطبيقا لمنهج أوروبي ينطبق على اللغات الأجنبية الأخرى. في مكتبه حدثنا عن جديد الدورة القادمة لعرس اللغة العربية، كاشفا عن الإعلان لأول مرة باللغة العربية عن فقراتها المختلفة وعدم الاقتصار على اللغة الفرنسية كما كان يتم سابقا، وإشراك الجمهور في فقرة تعليم الخط العربي والكتابة بكل أنواعه تحت إشراف خبير ومتخصص، وليس الاقتصار على التفرج والتلقي والشأن نفسه ستعرفه فقرات تعليم اللغة العربية عن طريق العروض الفنية والسردية. ستستقبل الموسيقى العربية بكل أنواعها زوار الدورة الرابعة لعرس اللغة العربية في مدخل المعهد، وسترقص حروفها على واجهته الزجاجية الفخمة ومشربياتها البديعة وفي المصاعد علاوة على عرض مقولات لكبار الشعراء والأدباء مثل "أنا لغتي" للفقيد الكبير محمود درويش، وهي المقولات التي رأيناها جاهزة على مكتب السيد كركور. إلى جانب الاحتفاء باللغة العربية عن طريق الكتب، الوسيلة الأولى والأخيرة الأنجع والأدوم، سيعرض فيلم "مغني غزة" الذي أخرجه هاني أبو سعد عام 2015 يوم 14 ديسمبر، والمستوحى من قصة المطرب المبدع الشاب محمد عساف، وسيلتقي الأديب التونسي الحبيب السالمي صاحب رواية "ابتسموا أنتم في تونس" يوم 15 مع جمهور عرس اللغة العربية جنبا إلى جنب مع ممثلين سيكلفان بقراءة نصوصه باللغتين العربية والفرنسية (ريمون حسني ونورا خريف). "الكلمات المسافرة" الورشة التعليمية والمسلية وحصص تعليم الخط العربي على يد الخطاط الكبير أحمد داري والزفة الشامية فقرات أخرى ستصنع الحدث من خلال الدورة الرابعة لعرس اللغة العربية، فضلا عن فقرات دردشة باللغتين العربية والفرنسية وتعليم لغة الضاد للمبتدئين والعرض السمعي البصري لتانيا صالح وليزا نوردستروم يوم 15 ديسمبر أيضا. لقاء جديد مع الخط العربي سينشطه الخطاط عبد الله عكار (16 ديسمبر)، وهو اليوم الأخير الذي سيشهد جولة في متحف المعهد رفقة أدلاء يشرحون باللغتين العربية والفرنسية على إيقاع العود، وسيلتقي مجددا الكبار والصغار مع اللغة العربية كتابة وقراءة من خلال فقرتي "أتعرف إلى اللغة العربية" و"الإملاء للمبتدئين" قبل معانقة المتعة التعليمية والمسلية الهادفة من خلال الدبكة المشرقية نظريا وتطبيقيا.             
 

العربي الجديد

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية