للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الألفاظ الأعجمية في الكتابة العربية: أسبابها وسبل الوقاية منها

أ. أحمد بوغنبو

 

يعد استخدام ألفاظ أعجمية في المتن العربي ظاهرة منتشرة بين كثير من الكتاب، وهذا من الأمور التي ينبغي الالتفات إليها، والتحذير منها لما يترتب عنها من جفاء للعربية، وإنزال قيمتها البحثية في الأوساط المثقفة القارئة. فما هي دوافع استعمال الكلمات والمصطلحات الأجنبية في الكتابة العربية؟ وما هي مظاهرها وتجلياتها المعرفية؟ وما هي نتائجها وانعكاساتها؟ وما هي سبل الوقاية منها؟

سنتناول الحديث في هذه الظاهرة من خلال الأجوبة عن الأسئلة المطروحة، في المحاور الآتية:
1. دوافع استخدام ألفاظ أعجمية في الكتابة العربية.
2. المظاهر والتجليات المعرفية لاستعمال مصطلحات أجنبية في الكتابة العربية.
3. آثار ونتائج استعمال ألفاظ أعجمية في الكتابة العربية.
4. سبل الوقاية والعلاج لهذه الظاهرة.
أولا: دوافع استخدام ألفاظ أعجمية في الكتابة العربية
تتعدد الدوافع والأسباب لهذه الظاهرة، نجمل بعضا منها فيما يأتي:
1. دوافع نفسية:
من الدوافع النفسية لاستعمال كلمات أجنبية عن اللغة العربية في المتن العربي، الإحساس بالدونية، وأن الكاتب بدل أن يعبر عن مفهوم معين بمصطلحات عربية، يرى أنه إن عبر بمصطلح أجنبي له قيمة مضافة، وأن قارئه ربما سيعجب بكتاباته، وقد يكون استخدامها تعالما، أي أنه يبرز للقارئ أن الكاتب ملم باللغات الأجنبية الأخرى، وكل هذا إيلاع بتقليد الغالب  واعتقاده أنه أفضل وأقوى منه، كما عبر عن ذلك ابن خلدون  في مقدمته مبينا هذا الدافع النفسي بقوله: " إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب". فمن يكتب مصطلحات أو كلمات أجنبية في النص العربي، فإنه يعتقد من حيث يدري أولا يدري أنه ينساق وراء دافع نفسي يضعه من حيث يرى الرفع، ويوسع الهوة بين لغته التي تشكل هويته وثقافته، وبين نتاجه الفكري الذي لا ينفصل عن ثقافته وهويته، إذ اللغة حاملة للهوية والثقافة، واحتقارها احتقار للذات.
2. دوافع معرفية:
عدم اتقان اللغة العربية، والتمكن منها، وهذا دافع قد يجعل الكاتب يلجأ إلى كتابة الكلمة بعد أن يعييه وجودها في تعبيره بالعربية إلى استخدام بديل عنها من اللغة الأجنبية، وهذا راجع بالأساس إلى:
- ضعف معرفته باللغة العربية وتعابيرها وأساليبها، إذ أساليب العربية فسيحة لا تتوقف عند حدود جهلنا بها.
- الدراسة بغير العربية أحيانا، وسواء أكان المتعلم على الأرض العربية، أم على غيرها، بحيث يحصر مراجعه العلمية والبحثية على اللغات غير العربية، وهذا يؤدي مع الوقت إلى الجهل بمصطلحات اللغة العربية.
3. دوافع اجتماعية واقتصادية:
من الدوافع الاجتماعية محاولة مسايرة التطور المجتمعي في حديثه وابتعاده عن لغته الأصيلة، ومن هذه المظاهر أيضا ما يكتب على بعض المحلات التجارية بأحرف عربية وبمحتوى غير عربي، وكذا بعض المنتوجات التجارية والاقتصادية، هذه بعض الدوافع الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل الكاتب ينساق وراء المجتمع في التقليد الأعمى، فهو يظن أنه يواكب تطور الحياة ومسايرة المجتمع في مظاهره وتطوره، والأمر له خطورة قد لا ينتبه إليها إلا بعد أن نجد جيلا ابتعد كثيرا عن العربية وأصالتها.
ثانيا: المظاهر والتجليات المعرفية لاستعمال مصطلحات أجنبية في الكتابة العربية
من مظاهر استعمال مصطلحات وكلمات أجنبية ودخيلة عن جسم اللغة العربية ما يأتي:
1. إيرادها في البحوث والمقالات العلمية: وهذا مظهر من مظاهر التقليل من شأن العربية واحتقارها، إذ حق المصطلح العلمي، أن يكتب من جنس نص لغته التي يكتب بها، فإن كان ولا بد فليكتب في الهامش وتثبت ترجمته العربية في المتن العربي. 
2. إيراد المتن العربي مشوها بنتوءات تشوه جمالية النص العربي، فتجد في كل سطر أو فقرة عدة كلمات أجنبية، وهذا مظهر بئيس، يذهب بجمالية النص وبهاءه العربي المتلألئ، فجرس العربية وتناغمها حروفا وكلمات يضفي عليها جمالا ورونقا يغيب بحضور كلمات دخيلة أجنبية عن الجسم اللغوي للعربية.
3. التكلف والتبجح الظاهر في إقحام كلمات غربية (فرنسية، إنجليزية،  إسبانية، ...) لا لشيء إلا ليظهر الكاتب براعته ومعرفته باللغات الأخرى، وهو استقواء ليس في محله.
4. كتابة عنوان بجمل أجنبية في للمتن العربي، فتجد مثلا: عنوانا طويلا كتبت حروفه بلغة أجنبية، إلا كلمة واحدة بالعربية، وهذا من التجليات المعرفية المنبوذة، في جمالية النص العربي، إذ اللغة العربية أوسع اللغات من حيث المعاني والكلمات، فلم العزوف عنها إلى غيرها من اللغات الغربية في كتابة المتن العربي؟!
5. نحت مصطلحات وأسماء جديدة دخيلة عن العربية حيث تكتب اللغة الأجنبية بالحرف العربي، مثل: كتابة (بون جور-جولي- ريبسيون...) بالفرنسية، أو ( لايك - بوست، ويلكم..) بالإنجليزي مثلا. وهذا من الانهزام الثقافي والنفسي؛ حيث يعتقد صاحبه أن اللغة العربية قاصرة عن مسايرة التطور في مجال العلوم والتقنيات الحديثة، في حين أن القصور في أدعياء العربية وليس في اللغة العربية ذاتها، فخصائصها السامية في قواعدها ومنهجها تمكنها من احتواء أشياء ومفاهيم جديدة تساير التطور والتقدم على سائر الأصعدة والمجالات المعرفية والحياتية.
6. الإعلام الذي يجعل اللغة العامية أساسا في تواصله، وكثرة الأغلاط والأخطاء في عرض مادته.
ثالثا: آثار ونتائج استعمال ألفاظ أعجمية في الكتابة العربية
من أثار ونتائج استعمال كلمات أجنبية في النص العربي، ما يأتي:
1. بتر المعلومات وتشويهها: ويظهر بالدرجة الأساس في تكوين نص مشوه لا هو عربي ولا هو أعجمي، إذ خلط النص العربي بما هو أجنبي عنه من الكلمات يؤدي إلى التشويش على القارئ الذي ينشد السلاسة والوضوح في المعنى، والاستمتاع بجمال العربية ورونقها الصافي.
2. تسلل العجمة إلى النص العربي من خلال آثار وخيمة منها:

أ‌- اعتقاد أن بعض الكلمات الأعجمية من اللغة العربية لكثرة تداولها، وهذا أمر خطير، مرد أصله إلى الجهل بقواعد اللغة العربية الصرفية والنحوية، والابتعاد عن سلامة اللغة من هذا المدخل مزلق خطير، لأنه نتيجة لجهل مركب.
ب‌- تداول هذه العجمة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى انتشار لغة هجينة يستعملها كثير من رواد  فضاءات التواصل الافتراضي ويكتفون بكتابتها بأحرف عربية، ومنها:
(شير- هاي- وتس هابن)، أو بالفرنسية (كو د نف)، إلخ …
هذه مصطلحات إنجليزية وفرنسية مكتوبة بحروف عربية، مع أن هذه كلمات موجودة، في لغتنا العربية الجميلة:
ف (شير) و(برتاج) يقصدون بها "مشاركة".
(هاي) يقصدون بها السلام عليكم.
(وتس هابن) ترجمتها مثلا  ماذا هناك؟ أو ماذا يجري؟
(كو د نف) يقصدون بها هل من جديد؟

رابعا: سبل الوقاية والعلاج لهذه الظاهرة:
إن كتابة مصطلحات غريبة عن المجال التداولي للغة العربية في بعض البحوث والمقالات العلمية البحتة، قد يكون له مسوغ معرفي، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب اللغة العربية، وإنما ينبغي أن يكون على حساب الكاتب الذي يجهل ما يعبر به عن هذه المفاهيم والمصطلحات التي يندر استخدامها في العربية، ويمكن إيجاد حل لها من خلال تخصيص هامش الكتاب لهذه المفردات مع الإحالة إليها، وإثباتها في متن النص بالعربية، ويثبت مرادفها باللغة الأجنبية في الهامش، حتى تبقى اللغة العربية سيدة في بيتها.
ويمكن اتباع الخطوات الآتية لمعالجة هذه الظاهرة والحد منها:
الرجوع إلى اللغة العربية في معاجمها وكثرة مطالعة كتب الأدب، لتكوين ملكة ذوقية.
الاستعانة بكتب الصرف لمعرفة وضع الكلمات وأصلها اللغوي، واشتقاقها ومادة تركيبها اللغوي.
الرجوع إلى كتب النحو لمعرفه أوجه تصريف الكلام وإعرابها، وأوجه تركيبها السليم.
الاستعانة بكتب البلاغة والأدب لمعرفة الأساليب اللغوية وخصائصها البيانية والجمالية.
قراءة القرآن والحديث النبوي الشريف لأنه يمثل أوج الفصاحة والبلاغة والبيان.
مطالعة الشعر القديم والتعود على أساليبه، ليسمو الذوق والإحساس بجمال العربية في صفائها، ونقائها.
كتابة الكلمة أو المصطلح باللغة العربية مع   بذل الوسع في انتقاء المناسب منها، وإثبات الأجنبي على الهامش.
تخصيص هامش للمفردات والأسماء الأجنبية، ومرادفها باللغة العربية خارج متن النص.
خاتمة:
إنه لمن المؤسف حقا أن تجد شريحة عريضة من أبناء العروبة، هم أبعد ما يكون عن لغتهم الأم التي تشكل هويتهم وثقافتهم وحضارتهم، ومن غير المقبول أن تصير اللغة العربية خادمة في بيتها، وبعدها عن سيادتها من هم أقرب الناس إليها، والأمر هنا يشمل كل من يستخدم العربية في الكتابة أو التواصل، سواء أكان المستخدم كاتبا أكاديميا، أم باحثا، أم محاضرا، أم خطيبا، أم معلما...، آن الأوان للتصالح مع لغتنا الجميلة، والرجوع إلى معينها الصافي الجميل لنرتقي في الفكر ونسموا.
وليقتد من يوثر مزج العربية بغيرها في كتابته، بهيئة الأمم المتحدة التي تعتمد اللغة العربية في وثائقها ومقرراتها، وذلك دال بوضوح على تفوقها ولما تمتاز به من  ثبات دلالة مفرداتها، ومصطلحاتها. وليتذكر أثر اللغة العربية على غيرها من لغات العالم، وليراجع في ذلك كتاب الكاتبة الألمانية " شمس العرب تسطع على الغرب" الذي يبرز أثر الحضارة العربية ولغتها في أروبا.
فاللغة ليست مجرد أداة للتواصل وحسب، وإنما هي وعاء للهوية والثقافة والحضارة، ولغتنا العربية أجمل لغات العالم.
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية