للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

عندما تصبح اللغة مجرد لغو

أ. سمير الشحات

 

اللغة أم اللغو؟ تلك هى المسألة، بالضبط على غرار أكون أو لا أكون تلك هى المسألة (كما قال شكسبير). إن اللغو - اصطلاحا- هو التافه الفارغ الباطل من الكلام الذى ليس وراءه من فائدة ولا طائل.. أما اللغة، كما جاء فى مُعجم المعانى الجامع، فهى أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم (لاحظ أن الذى يستخدم اللغة للتعبير الصحيح هو الإنسان وليس الحيوان أو الطير أو الحجر).. يعنى ببساطة ووضوح أن الإنسان لكى يكون إنسانا بحق فإنه ينبغى أن تكون له لغة مفهومة.. فهل نحن العرب صارت لغتنا لنا مفهومة أم باتت لغوا لا معنى له؟.. سنرى!

 
السؤال حتما سيكون: وما مناسبة هذا التبكيت الآن؟ مناسبته يا محترم هى الاحتفال قبل عدة أيام - فى 18 ديسمبر الحالى - باليوم العالمى للغة العربية، حيث إنهم فى الأمم المتحدة، مشكورين، قد خصصوا هذا اليوم ( من كل عام) للاحتفال والاحتفاء بلغة الضاد بحسبانها واحدة من أجمل وأقوم وأعذب اللغات التى أنتجتها البشرية منذ آلاف السنين.. فهل احتفينا، أو نحتفي، بها نحن؟

الحقيقة أن كثيرا جدا مما نقرؤه ونكتبه ونبغبغ به (نسبة إلى الببغاء!) فى مجالسنا ومدارسنا ومنتدياتنا هذه الأيام لم يعد يمت للغة العربية بأى صلة.. اللهم رسم حروف ثم لصقها ببعض فيما يشبه اللغو ( أو هو اللغو) الذى لا منطق فيه ولا عمق. هل نبالغ؟ نتجاوز؟ نتطاول؟ أبدا ورب الكعبة.. وإن شئت الدليل فانظر إلى أبنائنا، وهم يتواصلون معا على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم قل لي: ماذا تري؟ سترى حروفا عجيبة غريبة ممزوج بها الإنجليزى بالعربى بالأرقام اللاتينية، فى اختزال يكاد يطيّر النوم من عيون الآباء والأمهات.. فهل تلك هى لغتنا الحقيقية بذمتكم ودينكم؟

مفارقة حزينة تلك هى واللهِ.. أن تدرك الأمم الأخرى (ممثلة فى دول المنظمة الدولية) قيمة وعظمة وأهمية لغتنا العربية فتقرر فى عام 1973 إدخالها ضمن اللغات الرسمية فى أعمال المنظمة، بينما نحن- أبناءها الأعزاء- أصبحنا نهملها ونستهين بها ونستهتر استهتارا بلغ حد التريقة عليها والازدراء.. بل ونتبرّأ منها فنستميت لتعليم أولادنا وبناتنا اللغات الأخرى وكأننا لا لغة لنا ولا تاريخا كتبناه بها ولا ثقافة.

ومن بطن المأساة يولد السؤال: ولماذا هذا الاستهتار وتلك الاستهانة يا تري؟ وبالطبع سيولد من رحم السؤال الأول سؤال ثانٍ: طيب وما الحل؟ أما لماذا وصلنا إلى هذا الدرك الأسفل من احتقار اللغة فإن لذلك ألف سبب وسبب.. لعل أهمها بالتأكيد أننا أصلا لم نعد نحترم انتماءنا العربى ونود لو غسلنا أيدينا منه.. فتجد البعض يردد بينه وبين نفسه: ليتنا كنا أمريكيين أو إنجليزا أو فرنسيين أو يابانيين. وبالتأكيد فإن لكراهية انتمائنا العربى مليون سبب، على رأسها أن عروبتنا لم تقدم لنا حلولا ناجعة لتخلفنا فى مختلف المجالات.

ومن نافلة القول تكرار أن لغتك هى هويتك، فإن فقدت الأولى تفقد الثانية. سيقول قائل متسرع: طظ.. وما هى الهوية أصلا؟ الهوية يا حبيبى هى المكون الأساسى لشخصيتك.. وأنت دون شخصية تصبح لا شىء.. فتفقد احترامك لنفسك بل ولن يحترمك أحد.. وانظر إن أردت إلى الألمان أو الفرنسيين أو الاسبان أو الروس أو الصينيين كيف وأنت عندهم وأردت الحديث بالإنجليزية فإنهم ينفرون منك.. وقد لا يردون لك على سؤال. لماذا؟ لأن لهم شخصية يتمسكون بها ويرفضون أن تضيع أو تتلاشى.. أما نحن.. فلا حول ولا قوة إلا بالله.

سبب آخر، وهو تابع للسبب الأول الخاص بالهوية، أن التعليم فى منطقتنا العربية لم يعد يهتم باللغة العربية، حتى إن الخريجين من أرقى الجامعات يجدون صعوبة بالغة فى كتابة عدة أسطر بلغة عربية صحيحة منضبطة. وكان من نتيجة تلك الاستهانة باللغة العربية فى مدارسنا وجامعاتنا أن تأخر تطوير مناهج تدريسها فأصبحنا سجناء للنصوص القديمة التى أكل عليها الدهر وشرب. ثم انظر إلى معلمى اللغة العربية وقارن أحوالهم بمدرسى اللغات الأخرى أو العلوم أو الماث ( الرياضيات) وأنت تعرف إلى أين المصير!

نعم.. نعرف أن العرب كلهم الآن غارقون فى أزمات من كل نوع.. فهل إذا تجرأنا وقلنا إن بداية الخروج من الأزمات، والنهوض لاستعادة عافيتنا، هى العودة إلى الاهتمام بلغتنا العربية، ومن ثم بدء استعادة هويتنا الضائعة، نكون مبالغين؟ ستسأل: وكيف نحقق تلك العودة يا أفندي؟ بديهى أن البداية ستكون إصلاح مناهج تدريس اللغة العربية بالمدارس وتطويرها بحيث تصبح جاذبة لأبنائنا.. بالضبط كما فعل الفرنجة مع مناهج تدريس لغاتهم، فلماذا لا نبدأ من الآن فى وضع خطة عربية شاملة لتحقيق هذا التطوير؟

والسبيل الثانى للحل، هو الإعلام. لماذا لا نبدأ حملة كبرى فى كل وسائل إعلامنا العربية للاهتمام باللغة، فلا نسمح بظهور أى خائب لا يستطيع الحديث بها حديثا منضبطا، سواء كانوا مقدمى برامج، أو ضيوفا بالبرامج، أو حتى فنانين ومثقفين ورياضيين؟

أما الاقتراح الثالث فى هذا الصدد، فهو العودة إلى تراثنا السهل (وليس المجعلص) المنطوق بالعربى السليم، وذلك فى وسائل إعلامنا، ولتكن البداية مجرد نصف ساعة، أو ساعة يوميا، فنعيد فى الإذاعات والتليفزيون بكل دولنا العربية تقديم أغانينا ومسلسلاتنا وأفلامنا ولقاءات مثقفينا، التى استخدمت فيها لغة صحيحة.. ما المشكلة؟ على أى حال تلك مجرد أفكار سريعة.. ولا شك أن خبراءنا المتعمقين لديهم حلول أكثر وأهم.. فلماذا لا نبدأ التخلص من اللغو واستعادة اللغة؟
 

الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية