للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

فى اليوم العالمى للغة العربية

أ. أحمد عبد المعطي حجازي

 

سألت نفسى فى اليوم العالمى للغة العربية: ما الذى قدمناه للغة العربية لتنهض من كبوتها وتؤدى رسالتها؟ فلم أجد جوابا، لأن الحال تغنى عن السؤال. 

إذا كنا لا نطيق أن نتذكر لغتنا ونواجه ما نواجهه كل يوم من أخطار تهدد وجودها، فلا أقل من أن نتذكرها فى اليوم الذى خصصه العالم لها، وهو ما لم يحدث، فقد مر هذا اليوم منذ أسبوعين علينا فلم يجد لدينا إلا الصمت، كيف يمكن إذن أن تجد اللغة العربية من يحتفى بها فى شرق العالم وغربه وهى لم تجد فى أهلها إلا التنكر والتجاهل والاهمال؟

فى الماضى كان الوضع الذى تعانى منه اللغة الفصحى أنها محصورة فى نطاق المتعلمين ونسبتهم محدودة. وكان المطلب آنذاك هو توسيع هذه النسبة بتعميم التعليم وجعله إلزاما لكل المصريين. الآن أصبح الوضع أسوأ بكثير، أولا، لأن الأمية لاتزال منتشرة متجذرة. وأكثر من هذا لأنها لم تعد محصورة فى الذين لم يدخلوا المدارس، وإنما هى منتشرة أيضا فى الذين دخلوا المدارس وحصلوا على الشهادات وحصلوا بعدها على الوظائف والدرجات!

كأن اللغة الفصحى أصبحت عدوا أجنبيا نطارده ونسعى للخلاص منه، وإلا فما هذه الاعلانات التى تحاصرنا فى الشوارع والميادين وفى أجهزة الاعلام كأنها تلقننا ما فيها من ابتذال وسوقية؟ وما هذا الخلط الذى نقرأه فى الصحف؟ وهذه الركاكات التى تجرى على ألسنة المسئولين فتنتقل إلى ألسنة غيرهم من أهل الدار.

الدكاكين الكثيرة والصغيرة، وحتى الأكشاك المتواضعة أصبحت سوبر ماركات، والقهوة التى نقل الأوروبيون اسمها من لغتنا إلى لغاتهم فصار عندهم كافيه قلدناهم نحن فاستعرنا منهم الاسم كما ينطقونه هم لنستعمله بدلا من الاسم الأصلي.

أما ثالثة الأثافي، ومعناها الشر كله، فهى تحويل الهاء حين تجيء فى آخر الكلمة إلى تاء تأنيث. «المتجه» فى اللافتات التى تضعها الجهات المسئولة فى الشوارع ليهتدى بها المارة تكتب هكذا «المتجة» وحتى الضمير فى كلمة «به» أصبح تاء تأنيث «بة». فإذا كانت البيوت والشوارع والمدارس والمكاتب طاردة للغة الفصحى وكانت فوق هذا معامل لإنتاج هذا الفساد المنتشر فلمن تلجأ اللغة؟

وهناك من يتطوعون لاتهام العامية دون أن يفكروا فيما يقولون لأنهم يجعلون إنقاذ الفصحى مشروطا باختفاء العامية وهو ما لن يحدث وما لا تحتاج إليه الفصحي، لأن العامية ليست خطرا يهددها إلا فى حالة واحدة هى أن تكون ضعيفة عاجزة عن إثبات جدارتها والدفاع عن نفسها كما هى حالها الآن. ونحن المسئولون لأننا لا نؤدى ما يجب علينا نحو الفصحي، ولو أننا أدينا واجبنا ووضعنا الأمور فى نصابها لأصبحت المعركة القائمة بينها وبين العامية صورة من صور التداخل والتفاعل بين مستويات مختلفة فى لغة واحدة تتباعد فى أيام الفوضى والعشوائية فتبدو العامية كأنها لغة أخرى مستقلة، وتتقارب باليقظة والوعى والثقافة المشتركة والبعد عن الركالة والابتذال فتعود الفصحى لغة مثقفة جامعة معبرة عن شخصية الأمة وحضارتها، وتعود العامية لهجة من لهجات الفصحى لها مكانها ووظيفتها. وما علينا إلا أن ننظر فيما تركه عبدالله النديم، وبيرم التونسي، وأحمد رامي، وشوقى وصلاح جاهين، وفؤاد حداد من أزجال وأشعار وأغنيات لنرى أن العامية ليس إلا شكلا من أشكال اللغة الفصحى له سماته التى يعتبرها بعضنا لغة فاسدة وهى فى أصلها لهجات قديمة موروثة فى العامية المستمدة فى المناخ الصحى لأن تتطور وتقترب من اللغة الأم المستمدة هى الأخرى لأن تتطور وتقترب من العامية ـ وتتبادل معها ماتتميز به، وهذا ما يوضحه بعض الباحثين الذين حدثونا عما سموه «العامية الفصحى»، كما فعل محمود تيمور. وهى تسمية تسمح لنا بأن نتحدث فى المقابل عن «فصحى عامية» أو فصحى دارجة «نجدها فى بعض السير والقصص والأشعار القديمة والحديثة».

أريد أن أقول باختصار ان العامية ليست هى الخطر الذى يهدد الفصحي، بل إن العامية يمكن أن تكون رافدا يزود الفصحى بالحيوية التى تفتقر إليها نتيجة العزلة الطويلة والمناخ التقليدى المعتم الذى عاشت فيه ولاتزال، فليس أمامها الا أن تدخل فى حوار مع العامية يصلها بالواقع وبالحياة التى نعيشها فى هذا العصر.

العامية ليست هى الخطر الذى تواجهه الفصحي، وإنما تواجه الفصحى والعامية معا خطر الفوضى وعدم القيام بالواجب وعدم الاحتكام لاحتياجنا للغة قادرة على تمثيلنا، والتعبير عن أحلامنا واستيعاب العصر الحديث بمبادئه وأفكاره وعلومه وخبراته.

ونحن لسنا وحدنا الذين نعيش فى ظل هذه الازدواجية، ازدواجية الفصحي، الفصحى والعامية. كل المجتمعات نعيش فيها. لأن المجتمع طبقات وطوائب وثقافات مختلفة لكل منها لهجتها، وبعضها يتكلم أكثر من لغة. الفرنسية على سبيل المثال كانت لهجة من لهجات اللغة اللاتينية انفصلت عنها مع ظهور الدولة الوطنية واتحاد أقاليمها وانفصالها عن الامبراطوريات المقدسة من ناحية وعن الكنيسة الكاثوليكية من ناحية أخري. لكن الفرنسية التى حلت محل اللاتينية تعرضت لما تعرضت له اللاتينية. دخلتها عناصر من لغات أخري، وظهرت فيها لهجات اصطلاحية تتعامل بها بعض الطوائف والجماعات، فضلا عن أن الفرنسية وإن كانت هى اللغة الوطنية السائدة فهى ليست اللغة الوحيدة المستعملة فى فرنسا، وإنما تتعايش معها لغات البروتون، والكورس، والباسك، والأوكستان. وهى لغات تعترف بها الدولة الآن وتسمح باستعمالها وبتعلمها على أن تظل الفرنسية هى الأساس وهى اللغة الوطنية الجامعة التى يتكلمها كل الفرنسيين ويتعاملون بها مع الدولة، وهذا هو المبدأ الذى حرصت الحكومة الفرنسية على تأكيده بقرارات وقوانين أصدرتها وبهيئات وطنية ودولية أسستها فى الماضى والحاضر ومنها الأكاديمية الفرنسية والمنظمة الفرانكوفونية التى تضم فى عضويتها الدول الناطقة باللغة الفرنسية، وهذه هى السياسة التى تتبعها فرنسا منذ أصبحت دولة مستقلة وتحفظ بها للغة الوطنية مكانتها وكفاءتها.

ونحن لانفتقر الى هذه المؤسسات. لدينا المجمع اللغوي، ولدينا جامعة الدول العربية، ولدينا منظمة الأسيسكو، لكننا لم ننجح حتى الآن فى إنقاذ لغتنا من المصير الذى يهددها.
 

الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية