للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

التعليم بالمغرب بين التعريب والتعربيد

أ. بوشعيب حمراوي

 

يسعى رزمة من النافذين بالمغرب إلى جعل نداء (التدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية) مطلبا شعبيا. يعبئون المواطن البسيط بكلام واه من أن اللغة العربية غير قادرة على نقل العلوم. ويستدلون بما يعرفه المغرب منذ عقود من تعريب للمواد العلمية. وهم يعلمون جيدا أن ما قاموا به ليس تعريبا بل هو (تعربيدا) الهدف منه ضرب اللغة العربية. والتنقيص من قدرتها على تنمية الشعوب وتطويرها..

أقول لهؤلاء اللا وطنيين، لهؤلاء المستأجرين من أجل طمس الهوية والثقافة والتاريخ المغربي، أن الشعب واع بخططكم الواهمة وتبريراتكم المغلفة بالأكاذيب والتعليمات الخارجية. وأن الشعب يطالب بوقف التعريب الحالي وترك الخبراء والباحثين والتربويين واللغويين المغاربة يعملون داخل مراكز وخلايا لإنتاج تعليم صحيح بلغة البلاد الرسمية ولغة الإسلام الأصلية. وكفاكم إذلالا لأنفسكم وهويتكم وتاريخكم ومستقبل أطفالكم.  ألا يجد وزير التعليم حرجا في إطلاق سفاهته بخصوص مدارس البعثات الفرنسية؟ يعلن بكل وقاحة عن رغبته في تحويل المدارس العمومية إلى مدارس بعثات فرنسية. وهو بذلك يؤكد أنه مستعد لبيع الوطن والشعب. والتخلي عن الهوية والثقافة والدين والتاريخ المغرب الطويل.  ما أدرجتموه يا سادة وسميتموه تعريبا كان سما قاتلا أقبر التعليم ببلادنا، وأهان أكبر وأعظم لغة في العالم.. وإليكم حقيقة ما اقترفتم.

أولا: عند تعريب برامج ومناهج المواد العلمية، لم تكتفوا بالتعريب، بل إنكم تلاعبتم بمضامين تلك المقررات والمناهج الدراسية. حيث حذفتم مجموعة من المفاهيم العامة وخصوصا في مادة الرياضيات. واعتمدتم أكثر على الأمثلة والحالات الخاصة. حذفتم أجزاء من بعض الدروس، بل حذفتم دروسا. تخليتم عن دروس المنطق الخاصة بطرق البرهان والروابط المنطقية المفروض أن يستوعبها التلاميذ لمعرفة كيفية التعامل مع الأسئلة وكيفية اختيار طرق الإجابة. حيث كان المقرر الفرنسي، يمنح للتلاميذ فرص تعلمها بالسنة الثالثة إعدادي (الثانية إعدادي حاليا)، والسنة الخامسة ثانوي (الجذع المشترك حاليا). أما المقرر العربي، فدرس المنطق لا يدرس إلا عند مستوى الأولى بكالوريا (السنة السادسة ثانوي سابقا).            

ثانيا: عند التعريب لجأتم إلى ترجمة ذات بصمة مغربية وباجتهاد محلي، علما أن هناك دولا سبقتنا في تعريب المواد العلمية. أحدثتم أزيد من 1700 كلمة دخيلة بديل لكلمات علمية فرنسية ولاتينية. بعض تلك الكلمات دخيلة عن اللغة العربية. وبعضها لها شروحات أخرى ضمن اللغة العربية الأدبية. ولم تعمدوا إلى إدماج الكلمات الدخيلة ضمن قاموس اللغة العربية كما تفعل كل الدول التي تختم بلغاتها. ببساطة لأن العربية ليست لكم وحدكم ولكنها لكل العرب. والعرب طبعا كل يسبح في واد من الترجمة والتعربيد..  كما لم تباشروا إلى الحفاظ على وحدة مفاهيم مجموعة من الكلمات المتداولة بالمواد العلمية والحياة العامة. فالتلميذ مثلا يعرف أن الأرقام هي ما بين 0 و9. لكنه يفاجأ بالأب والأخ و. ينادون الأعداد بالأرقام.. كالقول انظر اللاعب رقم 10. عوض اللاعب الذي يحمل عدد 10، أو الحديث عن رقم المعاملات الذي قد يصل إلى أعداد جد كبيرة.

ثالثا: تلك الكلمات البديلة والتي تثقل كاهل التلاميذ طيلة مسارهم الدراسي بالتعليم المدرسي بأسلاكه الثلاث (الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي). يطلب من التلاميذ التخلص منها مباشرة بعد حصولهم على شهادة البكالوريا. والبحث عن ترجمتها باللغة الفرنسية. وطبعا فالعملية تتم ما بين شهر يوليو/تموز وأغسطس/آب. وهو ما يجعل التلاميذ عاجزين عن متابعة التعليم الجامعي العلمي سواء داخل المعاهد والكليات والمدارس ذات الاستقطاب المحدود. أو تلك المفتوحة للكل. وتلكم أبرز نقطة سوداء تعترض التلاميذ/ الطلبة وتحد من مساره التعليمي.

رابعا: عمدتم إلى التقليل من أهمية الفلسفة والفكر الإسلامي بسبب هواجس الوهم الأمني المترسخ في أذهانكم. قتلتم الحياة الفلسفية. علما أن الفلسفة هي أم العلوم وليست أم التفاهات. لكن داخل مؤسساتنا التعليمية المدرسية والجامعية نجدها مرتبطة بالمواد الأدبية التاريخية والتراثية. ملتصقة بسيرة ومسيرة شخصيات لا تمت للعلم بصلة. كما قتلتم الفكر الإسلامي المفروض أن يكون مفتاحا لدراسة أقوى وأمتن للقرآن الكريم والسنة النبوية. وأن يكون مسلكا لغربلة كل ما هو ملتصق بالإسلام والمسلمين. وكل ما هو إرث لإسلام سياسي ومصلحي يخدم أجندات الحكام والنافذين.

خامسا: تعددت الكتب سواء على مستوى كتب المقررات الدراسية، أو الكتب الموازية. وهذا لم يكن عندما كان التعليم العلمي مفرنسا. وطغى عليها الجانب الربحي والسياسي.. إذ لا يعقل أن تصدر وزارة التعليم كتابين أو ثلاثة لمقرر دراسي واحد إرضاء لأصحاب الشركات المتنافسة. ولا يعقل أن تسمح بإصدار تلك الكتب العلمية الموازية. التي لا تحمل أي نمط تعليمي أو بيداغوجي.. حيث يكتفي أصحابها بجمع التمارين والحلول ووضع ملخصات مبهمة وناقصة. وهي التي جعلت التلميذ يواظب على قراءة التمارين ومراجعة الحلول دون أن يبادر إلى التفكير في إيجاد حلول لها. بل إنه لم يفتح مجالا لنفسه من أجل قراءة وفهم الدروس قبل الانكباب على البحث في التمارين. والتي غالبا ما تكون فاقدة لمبادئ التسلسل على مستوى المنهاج والصعوبة..

سادسا: لا يمكن أن ينجح التعريب، وكل الإدارات المغربية مفرنسة. والكل يعلم أن فرنسا لازالت جاثمة على عقول وخطط المغاربة ومستقبلهم. علما أن (الخالة فرنسا). لم تعد لها تلك المكانة العلمية والتنموية والقيادية التي كانت تتمتع بها عالميا. ولم تعد للغتها أية قيمة أمام لغات العالم الصناعي والريادي. حيث اللغات (الصينية والانجليزية واليابانية والروسية والتركية مثلا.. باتت تنسج عوالم جد متطورة لشعوبها.. لم نعد قادرين على الاستمرار بمنطق التبعية المغلفة بالاستعمار الفكري والعبودية.. من نظام الكل لاحظ كم ظهر صغيرا مؤخرا أمام أصحاب السترات الصفراء. فرنسا تتغذى من مواردنا الطبيعية والبشرية، ومن دون عرب فإن فرنسا لا شك سيصيبها الجرب كما سبق وأشرت لذلك في رسالة من كتابي رسالة سياسية التي عنونتها بـ(فرنسا بلا عرب يأكلها الجرب).

سابعا: لنكن صرحاء عند مخاطبة الشعب المغربي.. هل فعلا تريدون إصلاح التعليم؟ هل فعلا ترغبون في الحصول على شعب متعلم؟ لأن كل ما يحاك وينسج منذ أن أطلقتم كلمات التعريب والمغربة والتعميم.. ومرور بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، والبرنامج الاستعجالي، والرؤية الاستراتيجية (2015/2030)، والتعليم بمدرسين فرض عليهم التعاقد، كل هذا يؤكد أن الهدف إلهاء الشعب. ومحاولة تعليبه، وأن الضربة القاضية هي التي تحاك الآن، والمتمثلة في إقبار اللغة العربية بطلب من الشعب، لكيلا تبقى لها صلة بالعلوم والتقنيات.

 ثامنا: لو كانت الدولة تريد تعليم أبناء وبنات الشعب. لكانت أحدثت وزارة للتعليم وليست وزارة للتربية والتكوين والأرنبات وداكشي. التربية يا سادة المفروض أن تكون بكل القطاعات العمومية والخاصة، وأن تكون موجهة لكل الفئات العمرية والجنسية. وهي لا تخص فقط فئة التلاميذ والطلبة. كما أن التكوين يهم كل مناحي الحياة. لكن التعليم يهم الأطفال، ويعتبر أساس لكل تربية أو تكوين أو فلنسم وزارتنا وزارة التعليم، ولنسجد داخلها هذا المفهوم بكل تجلياته.   

تاسعا: رسالة إلى برلماني الأمة وقادة الأحزاب السياسية:

اقرأوا بإمعان ما جاء في الرؤية الاستراتيجية لتعلموا أنكم تخوضون حربا سياسية واهية، لا علاقة لها بالتربية والتكوين.. وأن الجدل حول لغة تدريس المواد العلمية هو محسوم من طرف من وضعوا الرؤية، وأن مشروع قانون منظومة التربية والتكوين العالق برفوف البرلمان هو من أثار الجدل بانحرافه عن الرؤية. الرؤية يا سادة وإن كنا كباحثين تربويين غير مقتنعين ببعض ما جاء بها. هي الآن بمثابة دستور البلاد التربوي، وما تناقشونه داخل البرلمان يهم الإجراءات القانونية التي يجب وضعها لتنزيل الرؤية، وليس لخدمة أجندات حزبية، وفرض بصمة السياسي التي عادة ما تكون بصمة غير متعفنة. اقرأوا هذا النص من الرؤية بإمعان:

اللغة العربية لغة التدريس الأساس. ويتم تفعيل مبدأ التناوب اللغوي17 بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين أو المجزوءات باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى القريب، في التعليم الإعدادي على المدى المتوسط، وباللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى المتوسط.

المصدر: الرافعة الـ 13 التي تحمل عنوان (من التمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس) من الفصل الثاني الذي يحمل عنوان (من أجل مدرسة الجودة للجميع) من الرؤية الاستراتيجية (2015/2030) التي جاء بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

عاشرا: أرأيتم أن الرؤية لا تتحدث عن تدريس مواد بلغة أجنبية. بل عن تدريس بعض المضامين و المجزوءات من المواد الدراسية، لأنها رؤية تسعى إلى أن نستعين باللغات الأجنبية في أفق تطوير العربية، وجعلها لغة تدريس تلك المضامين والمجزوءات، وبالتالي دعم اللغة العربية وتطويرها، وليس التخلي عنها نهائيا في تدريس بعض المواد. أعيدوا قراءة النص أعلاه، فالحديث عن تدريس بلغة أجنبية على المدى القريب أو المتوسط حتى نتمكن من تطوير لغتنا، وليس الهدف محوها وخصوصا من قطاع العلوم والتقنيات. كفاكم وقاحة، تحرفون النصوص لغايات في أنفسكم، من دون اعتبار لشعب بأكمله.
 

الجزيرة

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية