للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

قاسحة عليا بزاف

أ. رامى جلال

 

يوماً ما سقط النحوى «عيسى بن عمرو الثقفى» عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال لهم: «ما لكم تكأكأتم علىَّ تكأكؤكم على ذى مرة؟ افرنقعوا عنى». فظنه الناس يتحدث الفارسية. (الجملة عربية فصيحة ومعناها: «لماذا تتجمعون علىَّ كتجمعكم على مجنون؟ ابتعدوا عنى»). هذا الموقف يتكرر مع بعضنا حين نستمع لبعض اللهجات العربية ولا نفهم منها أكثر مما نستوعبه، حين نتابع إحدى حلقات أى مسلسل يابانى غير مترجم أو مدبلج!

تحتم علىّ منذ أيام الاجتماع لبحث مهمة عمل مع مجموعة من الأشقاء العرب المغاربة، أول ما اصطدمنا به معاً فى علاقتنا الوليدة هو عدم سهولة التواصل اللغوى فيما بيننا! أتحدث العربية بسلاسة والإنجليزية بسهولة ولا أفهم الفرنسية، وهم يتكلمون الفرنسية بطلاقة مع بعض الإنجليزية والقليل من العربية!

كانت مفاجأة شديدة، فاللهجة المغربية من أصعب اللهجات العربية التى يمكن أن تسمعها، واللغة الفرنسية من أصعب اللغات بالنسبة لى على الأقل، لم يبق أمامنا إلا الإنجليزية، والتى كانت عندهم مهجّنة بكلمات فرنسية كثيرة لكننى فهمتها بحكم التشابه الكبير بين العديد من مفردات اللغتين.

انتهت الجلسة على خير، وعلى طريقة أفلام العصابات، عاجلتهم فى الختام بجملة باللهجة المغربية كنت قد حفظتها قبل اللقاء لكسر الثلج، لكننى نسيت إلقاءها فى البداية.. قلت لهم: «لهجتكو قاسحة عليا بزاف، نبغى كانتسناو نتعلموها بعد شوى براكتيس.. يقولون محال داك الشىء، بس دابا بنتعلموا ها الهدرا».. ومعناها بالفصحى: «اللهجة المغربية صعبة جداً علىّ، أريد أن آخذ وقتى لتعلمها بالممارسة.. يقولون إن هذا أمر صعب، لكننى الآن سأتعلم هذا الكلام».

اعتقد الحضور أننى أتقن لهجتهم، وربما ظنوا أننى محب للمفاجآت، وأشكر الله أنهم لم يردوا علىّ بكلام صعب، فقد عشت دور الرجل الغامض وابتسمت وسلمت عليهم وغادرت المكان مسرعاً.

اللهجات العربية المختلفة تكاد تكون لغات منفصلة، وقد نصل ليوم يقف فيه المصرى مع المغاربى أو الخليجى وبينهما مترجم! واللغة -أى لغة- تميل إلى أحد أمرين: إما أن تنقسم (مثل اللغة الجرمانية)، وإما أن تتحد (مثل اللغة العربية)، المشكلة أن لغتنا تعود للطريق الأول بعد أن انتهت من الثانى! وفى الوقت الحالى فإن للعربية الكثير من اللهجات العامية المختلفة، وهى بلا معاجم أو قواعد نحوية أو صرفية. وكمثال فإن كلمة واحدة هى «لماذا» تُنطق بعدد كبير من الطرق (علاش، عليش، لاش، أعلاش، شوله، لاويش، ليش، لشو، لويش، ليه، لَمه).

الجيل العربى القادم هو جيل رقمى بطبيعته، والكلام المكتوب عنده مهدد بسبب ظاهرة «الفرانكوآراب» (استخدام حروف لاتينية لكتابة العربية)، وما يستتبع ذلك من ضياع كل القواعد (سمعت أنه صدر فى أمريكا مصحف مكتوب بتلك الحروف). أما اللغة المنطوقة فهى خط أحمر وهوية، وعلينا الحفاظ عليها، وأضعف الإيمان أن تتوقف وسائل الإعلام عن تقديم محتوى أجنبى مدبلج بغير اللغة العربية الفصحى (أو يكون على الأقل بلهجة عامية مصرية، وهذا أخف الضررين).

إذا استمر الحال هكذا فسوف نتحدث يوماً بلغة العيون، فيقف العربى أمام أخيه ولسان حاله يغنى كأم كلثوم قائلاً: «قول لى ولا تخبيش يا زين، إيش تقول العين للعين؟». اعتصموا لغوياً بحبل العربية الفصحى أو استعدوا من الآن بحفظ أغانى أم كلثوم.
 

الوطن

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية