للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

العربية الفصحى آخر اللغات القديمة التي تحتاج دما جديدا

أ. حسونة المصباحي

 

ذات مرة، روى الكاتب المسرحي المصري نعمان عاشور أن الأديب طه حسين دعاه إلى بيته بعد النجاح الكبير الذي حققته مسرحيته “الناس ايللي تحت”، لينتقد بطريقة قاسية اختياره الدارجة لكتابة مسرحياته قائلا له إن هذا الاختيار “مضرّ بلغة الضاد” و”مُفْسد لها”.

وأضاف الراحل نعمان عاشور قائلا إن صاحب “الأيام” قد “وبّخَهُ” بنفس الطريقة التي يوبخ بها الأستاذ تلميذا متمردا، ولم يترك له فرصة فتح فمه ولو مرة واحدة للدفاع عن نفسه.

ضد العامية
صحيح أن طه حسين كان من كبار المدافعين عن التجديد في المجال الأدبي والفني، غير أن دعوته للتجديد عرفت العديد من الكبوات والنواقص إذ أنه تصدى لحركة الشعر الحر التي برزت في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وحاربها بشراسة، ساخرا من أنصارها، مُنتقصا من تجربتهم، وساخرا من مغامرتهم باعتبارها خروجا عن “روح الشعر العربي”.

 كما أنه عارض الكتابة بالدارجة في مجال المسرح، وفي الحوار في الروايات والقصص. وقد أثبتت الأيام أنه كان مخطئا إذ أن الشعر الحر سرعان ما فرض نفسه ليشهد انتشارا واسعا في جميع أنحاء العالم العربي. أما الشعر الكلاسيكي الذي حافظ على الأوزان الخليلية فقد شهد تراجعا وتقلصا لم يسبق لهمامثيل.

كما أن الدارجة فرضت نفسها هي أيضا لتصبح اللغة المفضلة في مجال المسرح والسينما والغناء. لذلك أصبح الكثير من كتاب القصة والرواية يميلون إلى استعمالها في الحوارات. وهذا ما فعله يوسف إدريس، ويحيى حقي في مصر، والطيب صالح في السودان، وعلي الدوعاجي، والبشير خريف في تونس.

الدارجة مفيدة للفصحى ومنقذة لها من الجمود والتكلس لتهبها القدرة على مواكبة تدفق الزمن السريع وتطور المجتمعات

أذكر أن البشير خريف تعرض لهجومات عنيفة من قبل البعض من النقاد بعد أن نشرت مجلة “الفكر” قصصه إذ أنه تجرأ على استعمال الكثير من الكلمات الدارجة ليس في الحوارات فقط، وإنما أيضا في الوصف، وفي السرد. بل إنه اختار أن تكون عناوين روايتيه الشهيرتين “الدقلة في عراجينها” (الدقلة هي أرقى أنواع التمور في الجنوب التونسي)، و”حبك درباني” (أي حبك جنّنَي ) باللهجة الدارجة. كما فعل ذلك في العديد من قصصه التي تروي حياة الناس البسطاء في مدينة تونس العتيقة. لذلك لاقى الصدود والرفض من قبل من كانوا يعتقدون أن لغة الأدب لا بدّ أن تكون لغة كلاسيكية متينة مثل لغة محمود المسعدي أو لا تكون. وكان هو يردّ على منتقديه قائلا “شخصيات المسعدي شخصيات تجريدية يمكنها أن تتكلم مثلما كان يتكلم العرب في زمن الجاحظ والتوحيدي وابن المقفع.. أما شخصياتي فأناس أعرفهم ويعرفونني… وأنا أجالسهم يوميا، ومعهم أذهب إلى السوق، وإلى الحمّام… وأنا أحب أن يتكلموا في قصصي وفي رواياتي مثلما يتكلمون في الشارع، وفي المقاهي، وفي الأسواق”.

 ورغم أن إميل حبيبي تمسّك في كلّ أعماله باللغة الكلاسيكية، فإننا نلمس فيها صورا واستعارات مستوحاة ممّا كان يسميه بـ”الطبق الفولكلوري”، أي التراث الشعبي الفلسطيني. أما نجيب محفوظ الذي كتب عن حواري القاهرة، وأناسها البسطاء فقد خيّر أن تكون جميع الحوارات بين شخصياته بالفصحى مبررا ذلك بأنه يرغب في أن يكون “مفهوما” من القراء في جميع أنحاء العالم العربي. مع ذلك نحن نعاين أن تلك الحوارات في صورها وتراكيبها قريبة من لغة الشوارع في القاهرة القديمة.

اللهجات والفصحى
كان توفيق الحكيم قد فضل استعمال الفصحى في جميع ما كتب من مسرحيات، غير أن مسرحياته لم تحقق النجاح الجماهيري الواسع الذي حققته مسرحيات نعمان عاشور، وغيره من الذين خيروا الدارجة على الفصحى.

 وفي تونس والمغرب وفي جل البلدان العربية الأخرى، أقبل الناس على مشاهدة المسرحيات المكتوبة بالدارجة بأعداد كبيرة. أما المسرحيات باللغة الفصحى فقد ظل جمهورها محدودا إلى أبعد حدّ. ويعود ذلك إلى أن الجمهور الواسع يجد نفسه في اللهجة الدارجة التي هي لغته في البيت، وفي الشارع، وفي السوق، وفي كل الفضاءات العامة، أما اللغة الفصحى فهي لغة الكتاب التي قد يجد صعوبة ومشقة في تفكيك معانيها ورموزها.
 
 وبما أن اللغة الفصحى هي الوحيدة من بين اللغات القديمة التي لم تنقرض، فإنها تحتاج إلى أن تتغذّى من اللهجات المحلية لكي تتمكن من الصمود أمام الزمن. وقد أثبتت التجارب أن الدارجة مفيدة للغة الفصحى، ومنقذة لها من الجمود والتكلس لتهبها القدرة على مواكبة تدفق الزمن السريع، وتطور المجتمعات.

ونحن نعلم أن اللهجات المحلية في مختلف البلدان الأوروبية هي التي استطاعت أن تقوّض سلطة اللغة اللاتينية لتكون لغة النثر والشعر والمسرح والغناء. لذا كتب الإيطالي دانتي عمله الشهير “الكوميديا الإلهية” بلغة أهالي فلورنسا حيث ولد ونشأ. واعتمدت حركة الإصلاح الديني في ألمانيا على الترجمة التي أنجزها لوثر للإنجيل لتصبح قراءته في متناول أغلبية الناس.

وقد شهدت اللغات الأوروبية التي ولدت من رحم اللغة اللاتينية تطورات هي أيضا. لذلك لم يعد الكتاب يترددون في استعمال العبارات الدارجة والسوقية التي لا يستسيغها المحافظون على “روح اللغة”.

وفي رائعة “أوليسيس” لجيمس جويس نحن نجد فصولا لا تختلف لغتها عن لغة شكسبير. كما نجد العديد من الفقرات المستوحاة لغتها من لغة الشوارع في دبلن.

وأما الفرنسي سيلين فقد فرض اللغة اليومية في مجمل أعماله محدثا في اللغة الفرنسية “ثورة لغوية” لم يسبق لها مثيل.
 

العرب

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية