للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

تعريب العلوم الطبية في الوطن العربيّ

أ. إسَلمُو ولد سيدي أحمد


تنص دساتير الدول العربية على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ومعنى ذلك أن لغة التدريس – في جميع مراحل التعليم – يجب أن تكون العربية.
وبخصوص ما يُثار من تشكيك حول مدى قدرة اللغة العربية على أن تكون وسيلةً لتدريس مختلِف العلوم، نشير إلى أن علم اللغة الحديث يرى أن جميع اللغات قادرة على مسايرة التقدم الحضاريّ، لا فرق – جوهريا - بين لغة وأخرى، وإنما الفرق في الوسائل المستخدَمة لتحقيق ذلك. وعليه، فإن العيب ليس في اللغة، وإنما العيب – إن وُجِد - في الناطقين باللغة ، عندما يعجزون أو يتقاعسون عن تنميتها وتطويرها.
ومن حسن حظنا أن لغتنا العربية لغة حيّة، تجمع بين الأصالة والمعاصَرة، فقد حمِلت مِشْعل الحضارة الإنسانية دون انقطاع، واليوم هي سادس لغة رسمية لمنظمة الأمم المتحدة، إلى جانب الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.
ويُنْسَبُ إلى أحد مؤسسي علم اللغة الحديث، وهو إدوار سابير (Edward Sapir) أنه قال: " إن اللغات التي كان لها دور رئيس في حمل الحضارة الإنسانية هي: الصينية القديمة، والسنسكريتية، والعربية، واليونانية، واللاتينية".
هذه شهادة من مفكر غير عربيّ يسجّل حقائق التاريخ بحياد وموضوعية. ونحن نرى أن اللغة العربية قادرة على الاستمرار في تأدية هذا الدور. ولا أَدَلَّ على ذلك من أنها – من بين اللغات المشار إليها-  هي اللغة الوحيدة التي ما زالت تؤدي دورها في الحضارة الإنسانية إلى يومنا هذا.


وبما أننا بصدد الحديث عن تدريس الطب باللغة العربية، نريد أن نشير إلى أن العلوم الطبية تمثل شريحة واسعة من العلوم، ومن ثم فإن تعريب علوم الطب يعتبر مدخلا لتعريب العلوم الأخرى.
وقبل تسجيل بعض الملاحظات والاقتراحات الخاصة بالموضوع، نشير إلى أن إحلال اللغة الأجنبية محل اللغة العربية، لم يكن لأسباب موضوعية، وإنما فرضته سياسة الاحتلال، عند ما كانت الأقطار العربية ترزح تحت نيره، ولعل المستعمر كان يخطط بذلك لفترة من الاستعمار الثقافيّ تعقب فترة الاحتلال  العسكريّ، وهذا ما حدث بالفعل. ففي مصر، بدأ تدريس الطب باللغة العربية مع تأسيس مدرسة الطب في أبي زعبل عام 1827م ، وقد انتقلت هذه المدرسة إلى القصر العينيّ عام 1837م ، وظلت تدرّس بالعربية. وبعد أن احتل الإنجليز مصر عام 1882م ، فرضوا تدريس الطب بالإنجليزية عام 1887م ، بحجة عدم وجود المراجع العربية الكافية. وفي لبنان، افتتحت في بيروت عام 1866م الكلية السورية الإنجيلية، التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وظل الطب يُعلَّم فيها بالعربية، قبل أن يُحوَّل التعليم فيها إلى الإنجليزية عام 1884م ، بحجة عدم وجود عدد كاف من الأساتذة المتمكنين من تعليم علوم الطب باللغة العربية. والدليل على أن هذه الحجج واهية، هو أننا - في الحالة السورية - نجد أن المحتلين الفرنسيين أرادوا أن يكون التدريس باللغة الفرنسية، لكن الأساتذة السوريين أصرّوا على أن يكون  التدريس باللغة العربية، وكان لهم ما أرادوا واستمر التعريب بنجاح في سورية منذ عام 1919م ، حتى يومنا هذا.
وفي هذا الإطار،  نشير إلى صدور قرار في مصر سنة 1938م، بتعريب الطب، جرى تأجيله لمدة عشر سنوات لتهيئة الوسائل المادية والبشرية اللازمة لتنفيذه. وما زال هذا التأجيل –مع الأسف- ساريَ المفعول. كما صدر في العراق قرار سنة 1979م يوجب تعريب الطب، وأُلفت لجان لتأليف أو ترجمة الكتب الطبية المقررة.. و أُجِّل تنفيذ القرار، ولم نجد للتعريب أثراً إلا في حالات قليلة، مثل: الطب الشرعيّ والصحة النفسية، وكذلك الحال في كلية طب صنعاء باليمن التي قررت تدريس الطب الشرعيّ والسموم وطب المجتمع باللغة العربية ، وكذلك الوضع في كلية الطب في الأزهر بمصر، وفي الجامعة الأردنية. وفي تونس، قام أ.د. أحمد ذياب بتدريس علم التشريح في كلية طب سفاقس باللغة العربية لمدة ثلاث سنوات (1985-1988م) ، لكنه واجه ضغوطاً من إدارة الجامعة اضطرته إلى ترك التعليم. وقد ألف معجماً طبّياً.
وفي ليبيا توجد بعض الكليات تُدَرَّس فيها الموادُّ باللغة العربية، مثل: كلية طب سَبْها، وكلية الطب بجامعة التحدي بسرْت. وفي السودان، نجد تجربة ناجحة بدأت بتدريس مواد التشريح ووظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية باللغة العربية في كلّيتي الطب بجامعتي الشرق ووادي النيل، بالاتفاق مع جامعة أم درمان الإسلامية. وبعد اتخاذ قرار سياسيّ سنة 1990م بتعريب التعليم العالي، فإن السودان مُرَشَّح للالتحاق قريباً بسورية التي يتم فيها التعليم باللغة العربية، في جميع المستويات، منذ سنة: 1919م ، كما أسلفنا.
ونستسمح القارئ الكريم، إن وجد في هذه المعلومات شيئاً من عدم الدقة لأننا لم نرجع فيها إلى دراسات وإحصاءات رسمية حديثة، وإنما أخذناها ممّا يروج من معلومات بين المشاركين في المؤتمرات والندوات التي ينظمها مكتب تنسيق التعريب. وقد أردنا من خلالها إعطاء فكرة عامة عن واقع تعريب الطب في الأقطار العربية، والأسباب التاريخية التي أدّت إلى هذا الواقع المرّ.
وفي إطار حديثنا عن تجارب التعريب، الناجحة والمتعثِّرة وعن القرارات والتوصيات المتعلقة بالموضوع، نشير إلى أن المؤتمر الطبيّ العربيّ الرابع والعشرين الذي عُقد بالقاهرة عام 1988م أصدر قرارا بتعريب التعليم الطبيّ، ولم ينفذ القرار، حتى الآن.
ودأبت مؤتمرات التعريب، التي تعقدها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وجهازها  المتخصص مكتب تنسيق التعريب، على إصدار توصيات بهذا الشأن، ولم نجد صدى يذكر لهذه التوصيات، مع أن هذه المؤتمرات تُعقَد على مُستوى وزاريّ ويشارك فيها وزراء  التربية والتعليم في الوطن العربيّ أو من ينوب عنهم. كما يشارك فيها رؤساء مجامع اللغة العربية وممثلون عن الجامعات والمؤسسات العربية المتخصصة، المعنية والمهتمة.
وقد عُقِد المؤتمر الأول بالرباط سنة 1961م ، وعُقِد المؤتمر الثاني عشر بالخرطوم سنة 2013م.


ولا نريد الاسترسال في الحديث عن جميع تجارب الدول العربية المتعلقة بتعريب الطب، حتى لا يطول بنا الحديث ونتجاوز الحيز المعقول المخصص للموضوع. ولذلك ، فإننا نكتفي بهذه النماذج التي تنمّ عن رغبة صادقة في تعريب الطب لدى بعض الأفراد والمؤسسات، ولكن الخطوات بطيئة ولا تتناسب مع الخطوات التي قطعتها شعوب أخرى في سبيل المحافظة على هُويتها وتراثها ومقومات وجودها.
والآن، دعونا نتحدث قليلا عن مُسْتَلْزَمَات تعريب الطب، وسنكتشف أن هذه المستلزمات موجودة، ومن ثم فإن تعريب التعليم الجامعيّ ، وفي طليعته الطب والصيدلة، لا يحتاج إلاّ إلى قرار سياسيّ بتفعيل الدساتير والقوانين العربية، بشرط أن يكون هذا القرار مشفوعاً بإرادة صادقة نابعة من قناعة الأستاذ الجامعيّ بتدريس  مادته باللغة العربية.  
يحتاج تعريب الطب إلى مُسْتَلْزَمَات، من أهمها:
المصطلح، والكتاب، والمرجع، والأستاذ، والطالب. وبغض النظر عن ترتيب هذه المستلزمات حسب أهميتها ، فإننا نرى أنها تشَكّل مجتمعةً أرضية لا بدّ من تهيئتها للانطلاق في عملية التعريب.
1-    المصطلح: يوجد رصيد مهم من المصطلحات، في معجمات طبية صادرة بثلاث لغات (الإنجليزية والفرنسية والعربية)، علماً بأن كليات الطب في الأقطار العربية التي تُدرِّس  باللغة الأجنبية، تدرّس بالإنجليزية أو الفرنسية، باستثناء الصومال التي تدرس الطب باللغة الإيطالية، حسب ما لدينا من معلومات.
نذكر من هذه المعجمات:
-    المعجم الطبيّ الموحَّد، من إنجاز اتحاد الأطباء العرب، تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومجلس وزراء الصحة العرب، وبرعاية منظمة الصحة العالمية.
-    معجم الجامعة السورية.
-    المعجمات الموحَّدة ، الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب: (الصحة وجسم الإنسان-الصيدلة-الطب البيطريّ –علم التشريح).
-    مجموعة المصطلحات ، الصادرة عن مجامع اللغة العربية، وبصفة خاصة تلك الصادرة عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
-    المصطلحات، الصادرة عن الهيئة العليا للتعريب بالسودان.
-    الجهود المصطلحية الفردية، على سبيل المثال: المعجم الطبيّ الذي أعده أ.د. أحمد ذياب الذي أشرنا إلى تجربته في تدريس علم التشريح باللغة العربية.
2-    الكتاب:
-    توجد الكتب والمناهج المقررة بكليات الطب في سورية، يمكن الانطلاق منها والبناء عليها.
-    ينبغي الاطلاع على الكتب الأجنبية التي أشرف على ترجمتها المركز العربيّ للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
-    الكتب التي أشرف على إعدادها وترجمتها مجمع اللغة العربية الأردنيّ.
-    إنجازات المركز العربيّ للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، الذي أشرف على ترجمة بعض الكتب الدراسية الطبية، وإصدار عدد من القواميس الطبية التخصصية.
-    جهود بعض الجهات العربية المهتمة بالتعريب، مثل: معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، والهيئة العليا للتعريب بالسودان، والجمعية المصرية لتعريب العلوم، وجمعية لسان العرب بمصر، والمنظمة العربية للترجمة في لبنان، وجمعيات الحفاظ على اللغة العربية في الإمارات (الشارقة) والجزائر، والمغرب ، إلخ.
3-    المرجع:
تَعْتَمِد المراجع أساساً على الكتب المؤلَّفة في العلوم الطبية، والدوريات (المجلات) الطبية المتخصصة. وفي هذا المجال، لا بد من الاطلاع على جهود المنظمات الدولية والعربية المهتمة بالتعريب، مثل: منظمة الصحة العالمية، مؤسسات صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية وما لديها من ترجمات متخصصة، الاستعانة بالأدمغة العربية المهاجرة والاستفادة من خبرتها في هذا المجال، عن طريق جذبها  بالحوافز المعنوية والمادية. التعرف على المراجع الطبية المترجمة إلى اللغة العربية. التعرف على الأطالس العربية التي أشرفت على إصدارها مراكز عربية متخصصة، مثل: المركز العربيّ للوثائق والمطبوعات الصحية بالكويت، والذي يصدر مجلة " تعريب الطب" التي تضم مقالات مختارة مترجمة إلى العربية وملخّصات الأبحاث العالمية المنشورة في المجلات الطبية العربية والدولية، وغيرها كثير، لا يتسع المقام لذكره، ثم إن الأستاذ يجب تأهيله ليكون قادراً على الاطّلاع على المراجع الدولية الأجنبية ونقل مضامينها باللغة العربية إلى طلابه، في صيغة محاضرات، أو مذكّرات أو  كُتُب.
4-    الأستاذ:
من خلال لقاءاتنا بأساتذة الطب، في المؤتمرات والندوات المتخصصة، وجدنا لدى معظمهم الاستعداد الكامل للتدريس باللغة العربية، ويمكن  تأهيل هؤلاء الأساتذة عن طريق إقامة دورات تدريبية يشاركون فيها مع زملائهم الذين يُدَرِّسون باللغة العربية في بعض كليات الطب في سورية وغيرها من الكليات التي أشرنا إلى أنّ لها تجربةً في هذا المجال.
   5- الطالب:
يُعَدُّ الطالب أهمَّ عنصر مُستهدَف في هذه العملية، لأنه هو طبيب المستقبل، وهو الأستاذ الذي يُعَدّ لأن يكون خير خَلَف لخير سلف، ومن ثم فلا بد – قبل وصوله إلى الجامعة - من إعداده إعداداً جيداً، يجعله متمكّنا من اللغة العربية ومن لغة أجنبية (الإنجليزية أو الفرنسية) – على سبيل المثال - تساعده على الاستفادة من المراجع الأجنبية. ونشدّد هنا على أهمية تعلّم اللغات الأجنبية، وفصل تعلّمها عن تدريس المواد بها. والفرق شاسع بين الأمْرَيْن.
وينبغي– بهذا الخصوص- تشكيل لجان متخصصة في كل قطر عربيّ تعمل تحت مظلة إحدى مؤسسات العمل العربيّ المشترك، وأقترح – بصفة شخصية - أن ينطلق العمل من اللجان الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، تحت مظلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، على أن تقوم هذه اللجان بالتنسيق مع الجهات المعنية والمهتمة في الوطن العربيّ، وفي مقدمتها  الوزارات العربية المعنية واتحاد الأطباء العرب وعمداء كليات الطب وأساتذتها، وذلك من أجل بلورة هذه الإجراءات وتوفير الأموال والآليات اللازمة لتحقيقها. واعتماد مخطط تدريجيّ مدروس بعناية يجعلنا نصل إلى الهدف المنشود، وهو التعريب الشامل، دون إقصاء لأحد، ودون أن نمس بمصلحة أيّ مواطن، لأن الوطن يسع الجميع، على اختلاف ألسنتهم وأعراقهم، وأديانهم.
ولا يفوتنا أن ننبه على أن فترة سنوات الخمسين من القرن الماضي (القرن العشرين)،كان الناس يُعَوِّلُونَ حينئذ على الزعامات القيادية القادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، توصف بالتاريخية، وفي الوقت الراهن، عهد الديمقراطية وتعدد الأحزاب، يبدو أن الرّهان أصبح على الجماهير، وبصفة خاصة على الشرائح التي تؤدي دوراً محورياً في توجيه الرأي العام الذي يقوم - بدوره - بتوجيه صانعي القرار. وبتعبير آخر، إننا بحاجة إلى "صناعة" رأي ضاغط وموجِّه، لنصل إلى "صناعة" القرار. ولا شك أن اتخاذ قرار تعريب التعليم الجامعيّ في الوطن العربيّ – بما فيه العلوم الطبية- سيكون قراراً تاريخياً،  بكل ما في الكلمة من معنى.









التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية