للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية في عيون شعرائها المحدثين

أ.د. محمد عبد الله سليمان

     لقد تناول شعراء اللغة العربية المحدثين في قصائدهم محاور مشتركة ظلت تؤرقهم وتؤلمهم فقد تناولوا مسألة المؤامرة على الفصحى ، والاعتزاز بالعربية والمفاخرة بها بين اللغات الأخرى ، كما تناولوا الترجمة معتقدين أن العربية ليست عاجزة من إيجاد الحلول اللغوية لكل تطورات الحياة ، وذرفوا الدموع على ضعف اللغة عند أبنائها ، وفي وسائل الإعلام الحديثة .
       وسنتناول هذه المحاور من خلال أشعارهم ، فاللغة عند شعرائها المحدثين من أهم مقومات الأمة ، وأمة لا تعتز بلغنها ، ولا تحسنها  لن يكتب لها التقدم لأن اللغة هي الوسيلة التي تعبر بها عن أغراضها في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والأدبية وغيرها ، فالنهضة لا تتحقق إلا إذا أتقنا لغتنا فهي شرط من شروط تحقيقها ، ولذلك يدعونا شعراء العربية المحدثين في قصائدهم إلى الاعتزاز، والفخر بهذه اللغة ، وفي هذا المعنى يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته " اللغة العربية تنعي حظها ":  
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً       وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
     والشاعر الليبي خليفة عبد الله حسن يشارك حافظا في ذات المعنى في قصيدته " بكاء وحوار مع اللغة العربية " ، حيث يقول :
أَلا يا أَيُّها المُحْتَـارُ سُؤلاً              أَنَا لُغَةُ العُرُوبَةِ كُلُّ فخْرِ
لِسانَ العُرْبِ مَرْحى ثُمّ مَرْحى       وَأَهْلاً ثُمَّ سهلاً فَوْقَ عُذْرِي
      كما تناولوا الترجمة التي يظنون أنها أصبحت الشغل الشاغل لمجامعنا وهي تسابق الزمن للحاق بهذه المصطلحات التي منشؤها الغرب ، فلم يرض عنها شعراء العربية المحدثين لأنها تعد مظهرا من مظاهر تخلفنا وبعدنا عن روح التقدم فلو تقدمنا حضاريا وصناعيا وتقنيا لتقدمت لغتنا كذلك وفي هذا دعوة إلى مراجعة أنفسنا فالأمور مرتبطة ببعضها ، يقول حافظ إبراهيم :
               وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً       وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
                 فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ       وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
    أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ       يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وكذلك يرى الشاعر علي الجارم  :
وَالتَّرْجَمَاتُ تَشُنُّ الْحَرْبَ لاَقِحَةً       عَلَى الفَصِيح فَيَا لِلْوَيْلِ وَالْحَرَبِ
نَطيرُ لِلَّفْظِ نَسْتَجْدِيه مِنْ بَلَدٍ                 نَاءٍ وَأَمثْالُهُ مِنَّا عَلَى كَثَبِ
كَمُهْرِقِ المَاء في الصَّحْراءِ حِينَ بَدَا    لِعَيْنِهِ بَارِقٌ مِنْ عَارِضٍ كَذِبِ
  ويرى ذلك الشاعر خليفة عبد الله حسن ، حين يقول :   
كَأنّ مَجَامِعَ العُرْبِ اسْتَحَالتْ     دِيارَ العُقْمِ دَهْراً بَعْدَ دَهْرِ
وَمُصْطَلَحُ الصِّناعَةِ في غِيابٍ      كَأنَّ الغَرْبَ مَنْشَؤُهُ بِسِحْرِ
ونَغْرِقُ فِيهِ تَرْجُمَةً وَخُلْفاً          يَطُالِعُنا بِشَهْرٍ بَعْدَ شَهْرِ
    يذكرنا شعراء العربية المحدثين بأن محنة العربية في بني جلدها الناطقين بها حيث كثرة اللحن ، وعيب النطق ، فالعربية تشكو من أبنائها الذين لم يحسنوها وقد ضيعوها أكثر من أعدائها الذين يتآمرون عليها ، وكأنما هذا الأمر متفق عليه بين شعراء العربية الذين نعوها أو جعلوها تنعي حظها بنفسها ، واللغة العربية عند حافظ تتحدث بلسانها وتشكو هجران قومها حيث يتجهون إلى لغات ليست أصيلة ، ولم تتصل برواة  :
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ              إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى     لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
   وهاهو الجارم يحدثنا عن عقوق أهل واديها لها ، وهذا أمر عجب لان ظلم ذوي الغربي أشد مضاضة عليها من مؤامرة أعدائها  :
إِنْ عَقَّهَا أَهْلُ وَادِيها وَجيرَتُها              فَأَنْتَ أَحْنَى عَلَيْهَا مِنْ أَخٍ وَأَبِ
رَأَتْ بِرَبْعِكَ عِزَّ المُلْكِ فَانْصَرَفَتْ    عَنْ ذِكر لُبْنَى وَذِكْرَى رَبْعِهَا الْخرِبِ
    ولقد ضاق الشاعر الفلسطينى إبراهيم طوقان ذرعا بطلابه الذين كان يدرسهم وهم يكثرون اللحن وليس لديهم الاستعداد لفهم العربية بعد أن بذل الجهد العظيم في محاولة تفهيمهم  مستشهدا في دروسه بالنصوص القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والرصين من أشعار العرب ولكن لا حياة لمن تنادي ، يقول في قصيدته التي عارض بها قصيدة أحمد شوقي " قم للمعلم " :
                لكنْ أصلّح غلطةً نحويةً             مثلاً واتخذ الكتاب دليلا
مستشهداً بالغرّ من آياته           أو بالحديث مفصلاً تفصيلا
وأغوص في الشعر القديم فأنتقي      ما ليس ملتبساً ولا مبذولا
وأكاد أبعث سيبويه من البلى     وذويه من أهل القرون الأُولى
فأرى حماراً بعد ذلك كلّه        رفَعَ المضاف إليه والمفعولا
      وشد ما يؤلم شعراء العربية المحدثين تلك الأخطاء الشنيعة التي يسمعونها في وسائل الإعلام ويقرؤونها في الصحف صباح مساء فهي كوخز الإبر في قلوبهم ، ومن ذا الذي يحسن الفصحى ولا يتألم لذلك فأخطاء النطق واللحن الجلي أصبحت سمة من سمات الذين يقدمون لنا البرامج ويقرؤون علينا نشرات الأخبار ويكتبون لنا في الصحافة ، ولا نستثنى من هؤلاء إلا فئة  قليلة قد حصنت السنتها بالفصحى وهؤلاء أندر من الكبريت الأحمر ، ويحكى حافظ على لسان العربية بأن ما يحدث من مزالق وأخطاء لغوية بالجرائد يسارع بوفاتها والدنو بها نحو القبر ، وما ضجيج الكتاب وصياحهم الذي تسمعه الفصحى إلا نعي لها :
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً          مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً       فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
    ويقول الشاعر خليفة عبد الله حسن على لسان العربية بأنها تطالب أبناءها أن يتركوها في بكائها لتحكم على نفسها بالموت وكأنها تقول ذلك وهي مشفقة على نفسها ، وعلى أبنائها وتستجديهم بالوقوف إلى جانبها لإنقاذها مما هي فيه من خطر جاثم على صدرها فأنقذوا الفصحى يا أبناء الفصحى فهاهي أمكم تناديكم فهل من مجيب ؟؟ !!
إِذاعاتُ الفَضا وَخْزٌ بِقَلْبِي     تُخَرِّبُ كُلَّ مَنْظُومٍ وَنَثْرِ
أَلا هيَّا اتْرُكُونِي في بُكائِي   فَإِنِّي قَدْ دَخَلْـتُ اليَوْمَ قَبْرِي
    والعربية بعد أن حدثنا شعراءها عن مأساتها تبسط رجاءها بعد أن  بسطت شكواها فإما حياة تبعثها بعد أن بليت ، وإما ممات لا قيامة بعده فيه خسارة باهظة للأمة لا نستطيع قياسه بأي خسارة أخرى ، فهل وعينا ما تقول لنا العربية أم أننا نغط في نوم عميق ؟؟!! فهيا أدركوا أمكم  :
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ       بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى        وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ                مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَمات


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية