|
|
نظرية الأدب الإسلامي – الواقع والطموح – 1
أ.د. محمد عبد الله سليمان
أولاً : واقع الأدب الإسلامي المعاصر
لقد استطاع "الأدب الإسلامي" أن يفرض نفسَه في المشهد الثقافي العربي المعاصر، بفضل مجهودات كثيرٍ من أقطابه مبدعين و نقاداً. فظهرت منابر صِحافية متميزة حملت على غاربها وِزْر النهوض و التعريف بهذا الأدب على أوسع نطاقٍ، و ابْتُـنِيت مؤسساتٌ تسعى إلى تحقيق المقْصد نفسِه، بل إن الأدب الإسلامي ،كمادة تدريسية، ولج رحاب الجامعة في عدد من الأقطار العربية في الأعوام الأخيرة
ومن البشائر التي طالما هفت إليها قلوبنا الإعلان عن قيام رابطة للأدب الإسلامي، الأمر الذي يضع الأدباء الإسلاميين أمام مسؤولياتهم في خدمة الإسلام وإبلاغ رسالته ـ من خلال الصورة الجمالية المؤثرة، والأساليب الفنية المتنوعة ـ وحفظ أمانة الكلمة التي تستمد جوهرها من مشكاة الوحي وهدي النبوة.
طالما تسائل المتابعون لحركة الأدب الإسلامي عبر العقود الأخيرة هل إن الشوط الذي قطعه هذا الأدب حقق هويته المعاصرة ؟ وأين يمكن أن نضع هذا الأدب على خارطة الأدبين العربي والعالمي ومن أجل ألا يكون المرء متفائلا بأكثر مما يجب فإنه يمكن القول بأن هذا الأدب قد حقق بعض الذي كان يرجوه .. لكن رحلة الألف ميل بدأت وقطعت خطوات طيبة ولن يوقفها شيء بعد اليوم
وقد أشار الدكتور عبد القدوس أبو صالح إلى جهود رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي كلفت أحد نقادها الدكتور عبد الباسط بدر بإعداد «بيبلوغرافيا» عن الأدب الإسلامي المعاصر المنشور باللغة العربية وقد صدر هذا الدليل متضمنًا أكثر من 1000 عنوان، فيها من دواوين الشعر الإسلامي أكثر من 200 ديوان، وتجاوز عدد المجموعات القصصية والروائية الإسلامية 65 كتابًا ومثلها في فن المسرحية الإسلامية .إن هذا لا يؤكد الظاهرة الأدبية الإسلامية فحسب ، ولكنه يعد بشيء.. وهو يمنح المصداقية لما يعد به يوماً بعد يوم ليس فقط بصيغة مقالات وبحوث وإبداعات تنشر ، وكتب تؤلف.. وإنما أيضاً من خلال دوريات ومجلات تصدر هنا وهناك.. ومن خلال مؤسسات تسهر على الدعم والترشيد والإغناء.. وكذلك من خلال القدرة على اختراق جدران الأكاديمية وإقناع حراسها القدامى والجدد بضرورة أن ينصتوا للصوت الجديد.. الصوت الذي يقدم شيئاً مغايراً تماماً لمألوفاتهم ومرئياتهم.. شيئاً يحمل الأصالة والاستقلالية ، ويحمل معهما خلفيات تصورية تملك - إذا أحسن التعامل معها - أن تعين على تشكيل معمار أدبي إسلامي وليس مجرد أدب إسلامي.. معمار تعلو أدواره الخمسة أو الستة بعضها بعضاً ، لكي تقف بجدارة قبالة آداب الشعوب والأمم الأخرى : الإبداع ، النقد ، المنهج ، المذهب ، الدراسة ، ثم التنظير الذي يلم هذا كله ويؤسس له .وهناك اهتمام كبير من قبل النقاد والباحثين لتقييم تجربة الأدب الإسلامي بكل أجناسها الأدبية .
والتجربة الإسلامية المعاصرة تعد امتداداً طبيعياً للتجربة الشعرية منذ صدر الإسلام وحتى يومنا هذا مع الاختلاف في الشكل والموضوع أحياناً ومن الطبيعي أن تكون التجربة الإسلامية المعاصرة في مجال الشعر تجربة ثرة لأن الشعر هو فن الأمة العربية والإسلامية الأول منذ العصر الجاهلي مرورا بالعصور الإسلامية جميعها " إن الشعر الإسلامي تألق في العصر الحديث من شعر البارودي وأحمد شوقي وأحمد محرم بملحمته الإسلامية، التي كانت إيذاناً بطوفان الشعر الإسلامي في الرد على هجمات المدارس التغريبية، إضافة لترجمات من اللغات التركية والأفغانية والأوردية والسواحلية والأوزبكية لملاحم من روائع القصص الإسلامي في تلك البلاد .
إن الفهم العام للفن القصصي من وجهة النظر الإسلامية ينبعث من القرآن الكريم حيث أولى عنايته بهذا الفن وجعله خاضعاً لهدفه الفكري والتربوي ، ولم يكن له موقف متحفظ منه على خلاف موقفه المعلوم من الشعر والشعراء بالصورة والفهم ، على أن القرآن لم يعط رأياً خاصاً للإطار الفني للقصة لأنه لو أعطى هذا الرأي لكان أنه أعطى صورة جامدة ثابتة للواقع الفني المتحرك .
إن نظرية الأدب الإسلامي تؤمن بوجاهة القول بربط تطور الأجناس الأدبية واستحداث بعضها ، بل وموت بعضها الآخر ، تؤمن بربط هذا بالنظم الاجتماعية التي ترفض ضرورة استحداث أو انقراض بعض الأنواع الأدبية ، فالرواية مثلا ، ما كان لها أن تكون بدون ولادة المجتمع المستقر الذي يحتاج إلى مطبعة وقراء ومستوى من التعليم والصحافة ، وهو أمر يختلف عن البيئة الصحراوية البدوية المتنقلة التي لا تساعد على نشوء هذا النوع من الأجناس الأدبية
أما الموقف من المسرح والمسرحية ، فلا نريد أن نناقش أقوال المستشرقين حول انعدام هذا الفن في البيئة العربية وتفسير ذلك بعقم العقلية السامية التي لا تمتلك ذلك الخيال التركيبي اللازم لبناء القصة أو المسرحية . فما من شك أن آراء مثل هذه كانت وما تزال خاضعة للفهم العنصري المتحيز والمغرور لدى الجنس الأوربي، ومن الناحية العلمية ما عاد لهذا الرأي من سند حتى لدى الأوربيين أنفسهم .
وقد رصد الكاتب عبد الباسط بدر في كتابه " دليل المكتبة الإسلامية في العصر الحديث " مجموعة ضخمة من الأعمال في مختلف الأجناس الأدبية التي اهتم بها الأدب الإسلامي المعاصر مما يؤكد بأن الأدب يبشر بخير كثير ويخبر بأن الأديب المسلم في مختلف أقطار الأرض يتفاعل مع نظرية الأدب الإسلامي وهذا الدليل يعد مؤشرا مهما لحركة الأدب الإسلامي وقد مضى على هذا الكتاب ما يزيد على عقد من الزمان فقد نشرت من بعده مؤلفات وإبداعات أدبية تحتاج إلى دليل آخر " يمثل هذا الكتاب الإصدار الرابع في سلسة إصدارات مكتب البلاد العربية لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو يقع في(١٣٨) صفحة من القطع العادي. أورد المؤلف المقاييس التي اعتمد عليها في اختيار ما يمكن التعريف به في الدليل وهي: المقياس الأول: أن يكون موضوعه ضمن دائرة مفهوم الأدب الإسلامي وحدوده، وأن يكون النص داخلا ضمن الأدب الإسلامي، وهو النص الأدبي الذي يحمل قضية أو فكرة أو عاطفة إسلامية،أو يهدف إلى تعزيز قيمة من القيم الإسلامية ويكون محققا للشروط الفنية المعروفة لدى النقاد لهذا العمل. والمقياس الثاني: الاهتمام بالنص الأدبي بغض النظر عن المؤلف، والاهتمام بتقويم الأعمال الأدبية والبحث عن العمل الأدبي الإسلامي وليس تقويم شخصية الأديب وتصنيفه. والمقياس الثالث: العناية بحجم الإسلامية في العمل الأدبي، حيث راعى الفروق الفردية بين مؤلف وآخر، وبين نتاج مؤلف في فترة ونتاجه في فترة أخرى، وأنه قد توسط بين المتشددين من أولي العزم والمترخصين في هذا الأمر، فإذا غلبت على العمل الأدبي الروح الإسلامية قبله واغتفر له ما فيه من بعض الهنات والزلات على أن تكون مجرد سوانح يمكن تجاوزها. المقياس الرابع : أدخل المؤلف في الدليل الدراسات الأدبية للقرآن الكريم، والدراسات الأدبية للحديث الشريف، والدراسات النقدية الإسلامية للنص التراثي، وكذلك الدراسات التي تعرض أو تقوم عملا أدبيا إسلاميا أبدع في القرنين الهجريين الأخيرين: الثالث عشر والرابع عشر، فضلا عن العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري، بهدف إبراز القيم العقدية الإسلامية في الأعمال الأدبية وتأكيد العلاقة الحميمة بينهما .
منهج العرض في الدليل، وتصنيف مادته، جاءا في صنفين كبيرين: الأعمال التي طبعت في كتب مستقلة، والأعمال التي نشرت في الدوريات. وقسم الصنف الأول حسب الفنون التي تندرج فيها موضوعاتها، والصنف الثاني جاءت مرتبة حسب عناوينها وفق التسلسل الألف بائي. وجاء بعد ذلك القسم الأول وهو الكتب المطبوعة، وهي مرتبة على النحو التالي: ـ أدب الأطفال. ـ بحوث مقدمة للندوات والمؤتمرات ـ تراجم أدبية ـ خواطر أدبيةـ دراسات أدبية في القرآن الكريم. ـ دراسات أدبية في الحديث الشريف ـ دراسات نقدية حديثة في التراث من وجهة نظر إسلامية ـ دراسات نقدية لنصوص من العصر الحديث من وجهة نظر إسلامية ـ دواوين الشعر ـ أدب الرحلات ـ القصة ـ مختارات شعرية ـ مذكرات ـ مسرحيات. أما القسم الثاني: فقد اشتمل على الرصد البيبلوغرافي الشامل للمقالات المنشورة في الدوريات، وهي مرتبة ترتيبا ألفبائيا متسلسلاً. وأخيراً : جاء فهرس الأعلام الواردة في هذا الدليل لتسهيل الرجوع إليه والاستفادة من محتوياته. وبعد، فهذا هو الجزء الأول وقد مضى على الفترة المحددة لنهايته قرابة عقد من الزمن، استجدت خلاله مستجدات كثيرة، وتلقت المكتبة الإسلامية أعدادا هائلة من الكتب والمقالات التي تحتاج إلى جزء ثان يرصدها ويفهرسها فهرسة بيبلوغرافية تلم شتاتها وتجعلها تحت أيدي الدارسين والباحثين .
******************
1- فريد أمعضشـــو ، إشْكالات في طريق الأدب الإسْلامـــيِّ ، المجلة الثقافية ، 2011
2- عمر عبيد حسنه ، مقدمة كتاب " مدخل إلى الأدب الإسلامي "، ص 5
3- عماد الدين خليل ، الأدب الإسلامي المعاصر ، مجلة المنار ، العدد 32 ، جمادى الأولى 1425هـ
4- عبد القدوس أبو صالح ، قضية الأدب الإسلامي ،صحيفة الحياة، الخميس, 28 أبريل 2011 م
5- عماد الدين خليل ،. الأدب الإسلامي المعاصر ، مجلة المنار ، العدد 32 ، جمادى الأولى 1425هـ
6- عبد القدوس أبوصالح ، قضية الأدب الإسلامي ،صحيفة الحياة، الخميس, 28 أبريل 2011 م
7- د . شلتاغ عبود ، الملامح العامة لنظرية الأدب الإسلامي ، دار المعرفة ، ط1 ، 1992م ، ص 147
8- د . شلتاغ عبود ، المرجع السابق ، ص 138
9- د . شلتاغ عبود ، المرجع السابق ، ص 149
10 عبد الرزاق دياربكرلي ، مجلة الأدب الإسلامي عدد ٢٩ بتاريخ ١٤٢٢هـ
11- عبد الرزاق دياربكرلي ، مجلة الأدب الإسلامي عدد ٢٩ بتاريخ ١٤٢٢هـ
|
|
|
|
|