للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الشعر نكد

أ.د. محمد عبد الله سليمان

الشعر نكد عبارة قالها الأصمعي وأوردها ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء : " الشعر نكدٌ بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف " والأصمعي راوية العرب ، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان ، قال الأخفش : " ما رأينا أحدا أعلم بالشعر من الأصمعي " فهو عالم لغوي جليل ، وأديب لا يشق غباره ، نجله ونقدره ، ولكن العبارة النقدية السابقة هل هي صحيحة على إطلاقها ؟ أم أنه يمكن أن يحدث العكس ؟ فهي عبارة في رأيي تحتاج إلى دراسة وبحث عميق ومتأن لا يتسع المجال له في هذا المقال . ثم يستطرد في الحديث بعد العبارة السابقة فيقول " هذا حسان بن ثابتٍ فحلٌ من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره " وقال مرة أخرى: شعر حسان في الجاهلية من أجود الشعر، فقطع متنه في الإسلام، لحال النبي صلى الله عليه وسلم. وكان حسان يفد على ملوك غسان بالشام، وكان يمدحهم، ومن جيد شعره قوله فيهم ":
                  أَوْلادُ جَفْنَةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيِهمُ         قَبْرِ ابْنِ مارِيَةَ الكَرِيم المُفْضَلِ
                  يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَريِصَ عليهِمُ    بَرَدَى يُصَفَّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ
                  يُغْشَوْنَ حَتَّى ما تَهِرُّ كِلاَبُهُمْ         لا يَسْأَلُونَ عَنِ السَّوَادِ المُقْبِلِ
تقول الكاتبة والأديبة الناقدة سعدية مفرح في كتابها " ويسهر الخلق - سير ومختارات من الشعراء العرب " فبالرغم من أن شعر حسان بن ثابت قد تميز بالرصانة والرزانة سواء أكان هذا الشعر جاهليا أم كان إسلاميا فإن النقاد يميزون بين شعره في المرحلتين ، ففي المرحلة الأولى كان الشاعر يهيم في أودية الشعر مستكشفا طرقها الوعرة ومستلذا بدهشاتها المتناسلة سحرا خياليا موهوما في كثير من الأحيان والقوافي وكان لسانه السليط سلاحه الأول قدحا وهجاء . ولكن المرحلة الثانية ألزمته بأخلاقياتها المترفعة عن كل هذا ، فأخذ يكرس قصيده بأكمله لنصرة النظام الجديد بألفاظ كان يجهد نفسه وشاعريته المتقدة لأن تتوافق مع التعاليم والأخلاقيات الرفيعة للدين الإسلامي . وبالرغم من أن حسان بن ثابت لم يكن الشاعر الوحيد الذي أحاط بالدعوة الإسلامية ونبييها ، فإنه كان الأثير بالنسبة للرسول – صلى الله عليه وسلم - ويجيب بعض أبياته بالاستحسان ويعقب عليه بالدعاء مما خلق بين الاثنين علاقة إنسانية لا تتكرر بين الشاعر وممدوحه ".
ومن زاويتي النقدية الخاصة أري أن سيدنا حسان رضي الله عنه شاعر قوي في الجاهلية والإسلام ، فبالإضافة إلى لغته الجاهلية وتجربته الشعرية الممتدة على مدار عمره المديد الذي عاش منه ستين عاما في الجاهلية وستين في الإسلام ، أضاف إليها الإسلام لغة القرآن ، وفصاحة النبي صلى الله عليه وسلم ، والعاطفة الإسلامية الجياشة ، والفكرة ، وسمو الهدف والغاية ، كما أنه مؤيد بروح القدس حيث دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وأن شعره أشد علي أعداء الإسلام من النبال في غلس الظلام ، وحسان رضي الله عنه شأنه شأن كل شاعر له نصوصه الرائعة سواء أكان ذلك في الجاهلية أو الإسلام وله نصوصه التي شابها النقص كذلك في المرحلتين . ومن نصوصه الحسان في الإسلام في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قصدته :
عَفَت ذاتُ الأَصابِعِ فَالجِواءُ     إِلى عَذراءَ مَنزِلُها خَلاءُ
دِيارٌ مِن بَني الحَسحاسِ قَفرٌ   تُعَفّيها الرَوامِسُ وَالسَماءُ
                     وَكانَت لا يَزالُ بِها أَنيسٌ      خِلالَ مُروجَها نَعَمٌ وَشاءُ
                     فَدَع هَذا وَلَكِن مَن لَطيفٍ     يُؤَرِّقُني إِذا ذَهَبَ العِشاءُ
لِشَعثاءَ الَّتي قَد تَيَّمَتهُ           فَلَيسَ لِقَلبِهِ مِنها شِفاءُ
كَأَنَّ سبيئة مِن بَيتِ رَأسٍ     يَكونُ مِزاجَها عَسَلٌ وَماءُ
هَجَوتَ مُحَمَّداً فَأَجَبتُ عَنهُ    وَعِندَ اللَهِ في ذاكَ الجَزاءُ
أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ       فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا       رَسُولَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِى وَوَالِدَهُ وَعِرْضِى        لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
قال أبو عبيدة: فَضُل حسان الشعراء بثلاثة: كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي في النبوة ، وشاعر اليمانيين في الإسلام.
وقال المبرد في الكامل: أعرق قوم في الشعراء آل حسان فإنهم يعدون ستةً في نسق كلهم شاعر وهم: سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام.
توفي في المدينة بعد أن أكمل قرنا ودخل في الثاني بعشرين عاما ، عاش حياة مليئة بالإبداع الشعري دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنافحة عن الإسلام هاجيا لأعدائه بلسان فصيح حديد حيث يقول :
لِساني صارِمٌ لا عَيبَ فيهِ       وَبَحري لا تُكَدِّرُهُ الدِلاءُ
جزاه الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام خير الجزاء .


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية