للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

جمالية النص الأدبي بين الذوق والمعيار

أ.د. محمد عبد الله سليمان

   
    الجمال قيمة لايمكن تجاوزها سواء أكان في الطبيعة أو في العمل الفني ، وتذوقه ينطلق من الرؤية الداخلية للإنسان لتنعكس على الرؤية الخارجية فعندما يتذوق الإنسان الجمال لا يتذوقه بالرؤية البصرية وحسب بل هو إحساس داخلي شعوري يعيشه الفرد ، فالذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا.
    وتذوق الجمال قيمة يمكن أن يكتسبها الإنسان ويتمرن ويتربى عليها فإذا تربى الإنسان علي الوقوف عند الإشياء الجميلة لايمكن أن يتجاوزها ويمر عليها مرور الكرام ، بل يقف متأملا لها متفاعلا معها فالنفس المرهفة يحركها الجمال ، ويبث فيها نشوة لاتضاهي ، ويفجر فيها أحاسيسا نبيلة قد تصل إلى حد الطرب  .
    وقد دعانا  النص القرآني إلي تذوق الجمال  "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون  " أي لكم فيها تجمل وتزين ووجاهة ، وهذه الآية تكمن فيها جمالية اللغة والبلاغة حيث قدم الروحة على السرحة فالأنعام تسرح أولا ثم تروح تسرح جائعة بائسة وتعود شبعى مليئة الضرع في نشاط وحيوية فعندما ترجع تكون أكثر جمالا للناظر، وإن كان الإحساس بجمالها في الحالتين معا في حالتي السرحة والروحة ولكنها في الروحة أكثر جمالا، ولذلك قدمت في الآية .
     وأحيانا يكون الشيء جميلا ليس لمنظره وحسب بل  لأنه يؤدي وظيفة ويحقق منفعة " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " فقد زينها الله بكواكب مضيئة عظيمة وهنا جمال المنظر ، ورجوما للشياطين تحقق جمال الوظيفة ، وكذلك الانعام فيها جمال ، وتؤدي وظيفة الدفء ، وحمل ألأثقال إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس .
     كنت أسأل طلابي في قاعة المحاضرات هل للجمال معايير يرتكزعليها أم أن الذوق وحده كاف للحكم على جمال الشيء أو قبحه؟ هل يمكن أن يجمع الناس على جمال الشيء أو قبيحه ؟ وهل  الذوق وحده يكفي للحكم على النص الأدبي دون اعتماد المعايير الأخرى ؟
    يقول الدكتور محمد مندور في كتابه القيم النقد المنهجي عند العرب " الذوق هو المرجع النهائي في كل نقد، فالذوق الذي يعتد به هو ذوق ذوي البصر بالشعر، وهؤلاء عادة يستطيعون أن يعللوا الكثير من أحكامهم ، وفي التعليل ما يجعل الذوق وسيلة مشروعة من وسائل المعرفة " .
     فالذوق واحد من معايير نقد النص التي تحدث عنها النقاد قديما وحديثاً ، ولكن لكل فن معايير تحكمه ، والنص في مختلف الأجناس الأدبية له معايير نحكم بها على جماله  أو قبحه بعد الإرتكاز على معيار الذوق فهو أهم معايير قياس  النص ثم تأتي بقية المعايير الأخرى .
    وكان النقد الأدبي القديم غالبا ما يعتمد على الذوق فيقولون اشعر بيت قالته العرب كذا ، وأغزل بيت كذا ، وأفخر بيت كذا ، وكفاك من الشعراء أربعة زهير إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ، والأعشي إذا طرب ، وعنترة إذا كلب ، وهكذا يطلقون الأحكام دون تعليلها ودون تبيين المعايير التي جعلتهم يطلقونها ، وكانوا يعالجون النص الادبي بمعزل عن حياة الشاعر ، وبيئته ، وحالته النفسية ، والمؤثرات الاجتماعية ،ولذلك يتركز نقدهم على الجوانب اللغوية في النص في الغالب الأعم كما كان يفعل الناقد النابغة الذي كانت تضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ ليصدرمنها أحكامه النقدية على النص الشعري .
    وتطور النقد الأدبي في العصور اللاحقة فانطلق من الذوق وتعداه إلى تعلل الأحكام التي يطلقها النقاد ومن ذلك مثلا ما أطلقة الخليفة عمر رضي الله عنه بأن زهير بن أبي سلمي أشعر الشعراء فقد علل لهذا الحكم "ذكر أبو عبيدة عن الشعبي يرفعه إلى عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في سفرٍ فبينا نحن نسير قال: ألا تزاملون؟ أنت يا فلانُ زميل فلان، وأنت يا فلانُ زميل فلان، وأنت يا ابن عباس زميلي؛ وكان لي محباً مقرباً، وكان كثيرٌ من الناس ينفسون علي لمكاني منه، قال: فسايرته ساعةً ثم ثنى رجله على رحله، ورفع عقيرته ينشد:
و ما حَمَلَتْ مِنْ ناقةٍ فوقَ رَحْلِها    أَبَرَّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَمّدِ
ثم وضع السوط على رحله، ثم قال: أستغفر الله العظيم، ثم عاد فأنشد حتى فرغ ثم قال: يا ابن عباس! ألا تنشدني لشاعر الشعراء! فقلت: يا أمير المؤمنين! ومن شاعر الشعراء؟ قال: زهير! قلت: لم صيرته شاعر الشعراء؟ قال: " لأنه لا يعاظل بين الكلامين، ولا يتتبع وحشي الكلام، ولا يمدح أحداً بغير ما فيه ".
 .  و كتب الاختيارات الشعرية  القديمة هي نقد ذوقي محض فهم يختارون النصوص دون التعليق عليها  لتبيين النواحي الجمالية فيها باعتبارها من أجمل النصوص الشعرية العربية ، وكل يختار بحسب مايروق لذوقه ، وميوله النفسية ، ومن ذلك كتاب المفضليات للمفضل الضبي ، والأصمعيات للأصمعي ، وديوان الحماسة لأبى تمام وهكذا .      وفي الدراسات الحديثة يقوم الناقد بتحليل النص الى عناصره الأساسية ثم يفسره ليكتشف العلاقة بين هذه العناصر ليصل الى مايحتوي عليه من مضامين ومعاني ، ثم الحكم عليه من حيث القبح والجمال.
   أما النقد الحديث فقد أصبح عملية في غاية التعقيد حيث ظهرت مناهج النقد والنظريات المعاصرة التي وفدت إلينا من الغرب  كما ارتبط نقد النص بالعلوم المعاصرة كعلم النفس ، والاجتماع ، والفلسفة ، وعلم الجمال وغيرها .


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية