للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

وقفات على أبواب القوافي - 3

أ.د. محمد عبد الله سليمان


زهير بن أبي سُلمى حكيم شعراء الجاهلية ، وأحد عبيد الشعر ، كان الأصمعي يقول: " زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر "  كان يكتب القصيدة في شهر وينقحها في سنة فكانت قصائده الكبار تسمى بالحوليات ، وعند الحطيئة " أفضل الشعر الحولي المحكك " يقول أبو منصور الثعالبي " كان زهير أجمع الناس للكثير من المعاني في القليل من الأَلفاظ ، وأحسنهم تصرفاً في المدح والحكمة ". وهو أشعر الشعراء عند الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله وعندما سُئل عن ذلك علل بقوله " كان لا يعاظل في الكلام ، ولا يتبع وحشيه ، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه " . نقف عند بيت في إحدى قصائده من بحر الطويل :
تراه إذا ما جِئْتَه مُتَهَلِّلاً      كأنّك تُعْطِيه الذي أنتَ سائِلُهْ
يقول ابن منظور في لسان العرب : والهَليلةُ: الأَرض التي استهلَّ بها المطر، وقيل: الهَلِيلةُ الأَرض المَمْطورة وما حَوالَيْها غيرُ مَمطور. وتَهَلَّل السحابُ بالبَرْق: تَلأْلأَ. وتهلَّل وجهه فَرَحاً: أَشْرَق واستهلَّ. وفي حديث فاطمة، عليها السلام: فلما رآها استبشَر وتهلَّل وجهُه أَي استنار وظهرت عليه أَمارات السرور. الأَزهري: تَهَلَّل الرجل فرحاً؛ وأَنشد :
تَراه، إذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً     كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
واهْتَلَّ كتَهلَّل؛ قال:
ولنا أَسامٍ ما تَليقُ بغيرِنا         ومَشاهِدٌ تَهْتَلُّ حين تَرانا
وما جاء بِهِلَّة ولا بِلَّة؛ الهِلَّة: من الفرح والاستهلال، والبِلَّة: أَدنى بَللٍ من الخير؛ وحكاهما كراع جميعاً بالفتح. ويقال: ما أَصاب عنده هِلَّة ولا بِلَّة أَي شيئاً. ابن الأَعرابي: هَلَّ يَهِلُّ إذا فرح، وهَلَّ يَهِلُّ إذا صاح.
يقول أبو منصور الثعالبي في (الإعجاز والإيجاز) : وقع الإجماع على أن أمدح بيت للعرب قول زهير :
تَراه، إذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً     كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
وجاء في كتاب "زهر الآداب وثمر الألباب " لأبى اسحاق القيرواني : قال أبو الفرج قُدامةُ بن جعفر ، في معنى أبيات زهير الأولى : لما كانت فضائلُ الناسِ من حيث هم ناس ، لا من طريقِ ما هم مشترِكون فيه مع سائر الحيوان ، على ما عليه أهلُ الألباب من الاتّفاق في ذلك ، إنما هي العقلُ والعفةُ والعَدْلُ والشجاعة ، كان القاصد للمَدْح بهذه الأربعة مُصِيباً ، وبما سواها مخطئاً ؛ وقد قال زهير :
أخي ثقةٍ لا يُتْلِفُ الخمرُ مالَهُ       ولكنه قد يُهْلِكُ المالَ نائِلُهْ
فوصفه بالعفَة لقلّةِ إمعانه في اللذات ، وأنه لا يُنْفد فيها ماله ، وبالسخاء لإهلاك ماله في النوال ، وانحرافه إلى ذلك عن اللذّات ، وذلك هو العدل ، ثم قال :
تَراه، إذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً     كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
فزاد في وَصْفِ السخاء بأنه يَهَش ولا يلحقه مضَض ولا تكَرُّهٌ لِفعْله .
وفي (نهاية الأرب في فنون الأدب ) للنويري :  " وقالوا : أمدح بيت قالته العرب قول زهير :
تَراه، إذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً     كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
وعاب بعضهم هذا البيت وقال : جعل الممدوح يفرح بغرضٍ يناله ، وليس هذا صفة كبير الهمة ، والجيد قول أبي نوفل عمرو بن محمد الثقفي :
ولئن فرحت بما ينيلك إنه             لبما ينيلك من نداه أفرح
ما زال يعطي ناطقا أو ساكتا     حتى ظننت أبا عقيلٍ يمزح
ويقول  الأبشهي صاحب كتاب ( المستطرف في كل فن مستظرف ) : " قد قسم الناس الشعر خمسة أقسام مرقص كقول أبي جعفر طلحة وزير سلطان الأندلس :
والشمس لا تشرب خمر الندى      في الروض إلا من كؤوس الشقيق
ومطرب كقول زهير :
تَراه، إذا ما جئتَه، مُتَهَلِّلاً     كأَنك تُعطيه الذي أَنت سائلُهْ
 ومقبول كقول طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا    ويأتيك بالأخبار من لم تزود
 ومسموع مما يقام به الوزن دون أن يمجه الطبع كقول ابن المعتز :
سقى المطيرة ذات الظل والشجر    ودير عبدون هطال من المطر
 ومتروك وهو كان كلا على السمع والطبع كقول الشاعر:
تقلقلت بالهم الذي قلقل الحشى      قلاقل هم كلهن قلاقل
وبحسب بعض النقاد القدماء فإن بيت زهير السابق أمدح بيت قالته العرب ، ولكن قد يكون ذلك وقد لا يكون فهذا يحتاج إلى بحث وتدقيق وتحليل وتفسير وتعليل وموازنة ووقوف متأن عند أبيات المديح الأخرى في الشعر العربي ، وإليك في عجالة دون تعليق رؤية بعض النقاد القدماء الآخرين الذين يعدون أبياتا أخرى أمدح ما قالته العرب .
جاء في كتاب (الفرج بعد الشدة ) للتنوخي " عندما سأل الخليفة المهدي المفضل الضبي عن أمدح بيت قالته العرب قال : فتبلدت ساعة، لا أذكر شيئاً، ثم أجرى الله على لساني، أن قلت: قول الخنساء. فأشرق وجهه، وقال: حيث تقول ماذا ؟ فقلت: حيث تقول:
وإنّ صخراً لوالينا وسيّدنا    وإنّ صخراً إذا نشتو لنحّار
وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة به      كأنّه علم في رأسه نار
وقال ابن الأعرابيّ: أمدح بيت قالته العرب قول أوس بن مغراء في سعيد بن العاص:
ما بلغتْ كفُّ امرئٍ متناولٍ       من المجد إلاَّ والذي نلت أطولُ
ولا بلغَ المهدون في القول مدحةً    وإنْ أطنبوا إلاّ الذي فيك أفضلُ
وقال غيره: أمدح بيت قولُ الأعشى:
فتىً لو يبارى الشمسَ ألقتْ قناعها      أو القمرَ الساري لألقى المقالدا
وقال ابن شبرمة : قول الحطيئة:
أولئك قومٌ إنْ بنَوا أحسنوا البُنى   وإن عاهدوا أوفوْا وإن عقَدوا شدُّوا
وإن كانت النعماءُ فيهم جزوا بها     وإن أنعموا لا كدَّروها ولا كدُّوا
وقالوا أيضاً: بيت زهير :
على مكثِريهم حقُّ من يعتريهم         وعند المقلِّين السماحةُ والبذلُ
وقالوا: بيت حسّان:
يغشونَ حتّى ما تهرُّ كلابُهم         لا يسألون عن السَّواد المقبلِ
وقالوا أمدح بيت قول جرير من بحر الوافر :
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا،         وَأَنْدَى العالَمِيْنَ بطونَ راحِ؟
وجاء في ( ديوان المعاني )لأبى هلال العسكري : " سمعت أبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، رحمه الله تعالى يقول: أمدح بيت قالته العرب قول النابغة الذبياني.
ألم تَرَ أنّ اللَّهَ أعطاكَ سُورة         تَرى كلَّ مَلْك دُونها يَتَذَبْذَب
بأنك شمسٌ والملوك كواكبٌ         إذا طلعت لم يبْدُ منهنّ كوكبُ
 وقال أبو تمام الطائي: لا أعرف أحداً أحسنَ صنعةً في الترديد من قوْلِ زُهير وهو:
مَنْ يلْقَ يوماً على عِلاّتِه هرِماً     يَلْقَ السّماحةَ منهُ والنّدَى خُلُقا
ويُروى: إن تلقَ... وتلقَ السّماحةَ. قال الأصمعي: هذا أمدحُ بيتٍ قالتْهُ العرَب ".
ولو ظللنا نرصد ذلك لطال بنا المقام ، ولكن يبقى زهير صاحب صنعة شعرية متقنة ، بلغة السهل الممتنع ، يرمي إلي الحكم البعيدة ، والمديح الصادق ، فلا يمدح الرجل إلا بما فيه ، ومن المؤكد أن بيته السابق  مطرب كما قال الأبشهي ، وفي تقديري أن كلمة ( مطرب ) فيها توصيف دقيق للحالة الشعورية التي تنتاب السامع أو القارئ لهذا البيت ، فهو يهززك عند سماعه بما يحمل من معان فريدة ، ولغة رصينة ، ومديح صادق .
            ولنا وقفة مع بيت آخر



التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية