للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الموازنة بين الشعراء للشيخ محمد المهدي

د. محمد سعيد حسب النبي


الشيخ محمد المهدي أحد علماء اللغة العربية، وكبير من كبار أدبائها، وفرد من أفراد مؤرخيها، ويمتاز بحسن الذوق ودقة النظر في الانتقاد، وهو إن كان لا يكتب إلا قليلاً؛ فإليه ينسب الفضل في تخريج كثير من كتاب هذا العصر وتقويم ملكاتهم، وتهذيب أذواقهم. كتب يوماً يوازن بين الشعراء فقال: لقد رأيت السواد الأعظم من المفضلين متسرعاً في الحكم جائراً؛ فقد يحكم للشاعر بالسبق وهو لم ير من كلامه إلا القصيدة أو القصيدتين مما استجيد من كلامه، وقد يحكم على غيره بالتأخير عنه لأن الذي رآه من كلامه كان دون الذي رأى من كلام السابق ولو اطلع على كل ما قال الشاعران وعلى أسباب قولهما، وقارن بين معانيها المتحدة الموضوع وأساليبهما ومقدار تأثرهما بالحوادث التي قالا فيها الشعر، وحاذى البديهة بالبديهة والروية بالروية لعدل عن حكمه ولما أطلق القول في التفضيل بل قال فلان أشعر في قصيدة كذا ومعنى كذا، والآخر أجود في كيت من جهة المعنى أو الديباجة أو حسن التصوير، ولا يسوغ له أن يحكم على الإطلاق إلا بعد أن يستقري المحاسن والمساوي، ويقارن بين ما لكل من الشاعرين منهما حتى إذا ما وجد أحدهما أنضر ديباجة وأبلج معنى وأغزر فنوناً وأحضر بديهة وأقل سقطاً وأكثر غوصاً على المعاني وأجمل أخذاً وأوفر مادة حكم له على الآخر حكماً يؤيده الدليل الصحيح والذوق السليم لا كحكم كثير من المفضلين الفضوليين.
ومنهم جماعة من النحاة عرضوا قوانينهم على بعض الشعر الذائع كشعر النابغة فلم يتفق مع بعضها فغضوا من فضله ونسوا أن قواعدهم محكومة بشعره لا حاكمة عليه. ومنهم آخرون حملتهم المعاصرة والمنافسة على الحط من شعر أقرانهم، وقد قلدهم في ذلك بعض المؤلفين فخاضوا في أقدارهم وهم لا يشعرون، وقد ينتقد الحضري البدوي فيعيبه لاختلاف الذوقين وربما كان البدوي في باديته أشعر من الحضري في حضارته.
ولابد أن يكون الوازن من أهل الذوق الصحيح والاطلاع الواسع محيطاً بكل ما قال الشاعران بعيداً عن الهوى والتقليد دقيق النظر في المقابلة بين المعاني والألفاظ فيقارن المفردات والأساليب والمعاني المخترعة وحسن الخيال وقبحه، والبراعات والمخالص والمقاطع والأخذ والابتداع، وأن يذكر تعليل كل تحسين أو تقبيح بما يقنع حتى يرسم للنظر ما يهيء له الحكم فلا يسعه قبل سماعه كما فعل أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي في كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري؛ فإنه قال لست أفصح بتفضيل أحدهما على الآخر لكني أقارن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتفقتا في الوزن والقافية إعراب القافية، وبين معنى ومعنى؛ فأقول لأيهما أشعر في تلك القصيدة وذلك المعنى ثم احكم أنت على جملة ما لكل واحد منهما إذا استطعت علماً بالجيد والرديء، ثم ذكر مساوي الشاعرين فسرد سرقات أبي تمام وإحالاته وغلطه وساقط شعره وقبح استعاراته وتجنيسه واضطراب وزنه ثم ذكر ما وجده من ذلك للبحتري وقارن بين ما افتتح به القول من الوقوف على الديار ووصفها والسلام عليها والدعاء لها إلى غير ذلك، ونبه على الجيد وفضله على الرديء، وبين علل ذلك ثم قال وبقي ما لم يمكن إخراجه إلى البيان وهو ما لا يعرف إلا بالدربة ثم ضرب المثل بالفارسين والجارتين تتساويان في كل شيء من الصفات الحسنة ومع هذا يفضل أحدهما على الأخرى المجربون ولا يستطيعون بيان ذلك، ثم ذكر ميزان الموازنة لمن لم يكن من أصحاب الذوق السليم فحقه النظر في الوجوه التي فضل بها الأئمة شعر أوس بن حجر على النابغة الجعدي مثلاً فإن عرفها فضل على مقتضاها وحكم حكماً مقبولاً وإلا فحسبه أن يكون مع الجمهور.
أما فائدة المقارنات فتحصيل ملكة الأدب وصحة النقد وكشف القناع عن المحاسن لتحتذى والمقابح لتجتنب، وكما أن اللسان لا يمرن على النطق بالصواب إلا بالمحاكاة كذلك الذهن لا يمرن على الفهم الصحيح ولا يجول في ميدان فسيح من المعاني ولا يقدر الأشياء قدرها إلا بالمقارنات التي تمثل في النفس لكل شاعر صورة وتقرر له حكماً غير مزعزع ولا مدافع ولو أن المتقدمين عنوا بهذا الموضوع عنايتهم بسواه لما بقي كثير منا مضطراً اضطرابهم في مقادير الشعراء.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية