للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الفكر اللغويّ عند العرب في الدّراسات الصّوتيّة

د. نوال بنت سيف البلوشية


     
إذا ما قلنا الدّراسات الصّوتيّة عند العرب، تأتي دبابيس أفكارنا بتعريف ابن جنّي للصوت بشكلٍ خاص واللّغة بشكلٍ عام في كتابه سرّ صناعة الإعراب؛ حينما ترجم قيمة الفكر اللّغويّ عند العرب. إذ عرّف اللّغة بأنّها: " أصوات يعبّر بها كُلَّ قومٍ عن أغراضهم". منذ أن كان الوجود كان الصّوت، وكان الإنسان المصدر البشريّ لهذه الظّاهرة، وما كان ذلكَ إلا لأن الصّوت هو الحامل الماديّ للحضارة الإنسانيّة نظرًا لطبيعتهِ الحسيّة.

       لقدّ حُظي الجانب الصّوتيّ باهتمامٍ خاص لدى الدّارسين الأقدمين على اختلاف توجهاتهم العلميّة: القُرَّاء، والنّحاه، وعلماء الأصول، والفلاسفة، وأحسن دليل على ذلكَ الاهتمام بالظّاهرة الصّوتيّة، والأساس الأوّليّ المعوّل عليه في وضع المعايير التّأسيسيّة للنحو العربيّ، كان الصّوت من حيث هو ظاهرةٌ فيزيولوجيّة قابلة للملاحظة المباشرة، ويبدو أنّ أصفى صورة لتبرير ما نحن بسبيلهِ موقف أبو الأسود الدّؤليّ مع كاتبه حينما همّ بوضع ضوابط لقراءة القرآن الكريم، إذ قال له:
" إذا رأيتني قدّ فتحتُ فمي بالحرفِ فانقط نقطة فوقه على أعلاه، فإن ضممتُ فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النّقطة تحت الحرف، فإن اتبعتُ شيئًا من ذلكَ غُنّة فاجعل مكان النّقطة نقطتين".

      لو تأملنا في ما ذهب إليه أبي الأسود الدّؤليّ سندرك أنّ محاولتهُ واقعيّة، يدلّ على أنّ الفكر اللّغويّ لدى العرب؛ قدّ تنبه لأهمّيّة الصّوت في  اللّغة الإنسانيّة في فترة مبكرة جدًا. ولا يفوتنا في هذا المقام ذكر ما حققه الخليل بن أحمد الفراهيديّ، في حقبةٍ زمنيّة تاريخيّةٍ مبكرة حينما ألّف معجم العين برؤيةٍ واعيةٍ وعميقة لطبيعة الأصوات العربيّة، وقدّ كان أوّل معجمًا عربيًّا أسس ترتيب مواده على مخارج الأصوات؛ لذا وُسم بالعين نسبةٍ إلى أوّل صوتٍ حلقيّ حسب ترتيب الأصوات عند الخليل. كما تبيّن أهمّيّة الجانب الصّوتيّ عند سيبويه في الكتاب؛ إذ تناول الأصوات اللّغويّة تناولاً شاملاً من حيث المخارج، والصّفات، والحالات الطّارئة على الأصوات أثناء تأليفها، وتركيبها في السّياق اللّغويّ.

في ظلّ ما تقدّم سوف أتطرق في هذا المقال تقديم تعريفٍ للصوت اللّغويّ، وسأقتصر في توضيح التّعريفات بما جاء به صاحب معجم مقايس اللّغة، والرٌاغب الأصبهانيّ في غريب القرآن. إذ عرّف ابن فارس الصّوت في معجم مقاييس اللّغة، في مادة " صوت": "الصّاد والواو والتّاء أصلٌ صحيحٌ وهو جنسٌ لكلّ ما وقر في أذن السّامع، يُقال هذا صوت زيدٍ ورجل صيَّت إذ كان شديد الصّوت، وصائت إذ صاح"( ابن فارس :د ت).

وعرّف الرّاغب الأصبهانيّ الصّوت في غريب القرآن، بأنّه الهواء المنضغط عن قرع جسمين وذلك ضربان: أحدهما: صوتٌ مجردٌ عن تنفسٍ بشيءٍ، كالصّوت الممتد. والآخر: تنفس بصوتٍ ما، وهو ضربان أيضًا. أحدهما: غير اختياري، كما يكون من الجمادات ومن الحيوان. والآخر: اختياري، كما يكون من الإنسان. والّذي يكون من الإنسان ضربان أيضًا. ضربٌ باليّد، كصوت العود وما يجري مجراه. وضربٌ بالفمّ، والّذي بالفمّ ضربان: نطقٌ وغير نطق؛ أما النّطق مفردات الكلام، وغير النّطق كصوت النّاي، ثمّ عقّب الأصبهانيّ قائلاً: النّطق في المتعارف: الأصوات المقطعة الّتي يُظهرها اللّسان وتعيها الأذن ( الأصبهانيّ: ٤٢٥-٤٢٦،دت).

وبذلك تعدّ اللّغة الإنسانيّة في جوهرها نظامًا نسقيًا يربط الصّوت بالمعنى، ويتجلى ذلك في التّواصل بين أفراد المجتمع اللّغوي، الّذي يجعل اللّغة نظامًا من العلّامات الدّالة الّتي تغطي مجالًا واسعًا من المفاهيم المرجأة إلى الخبرة الإنسانيّة. من ذلك المنطلق كان من الضّروري توضيح الفرق بين الصّوت والحرف في علوم اللّغة العربيّة؛ إذ لا يستطيع المُلاحِظ العادي لاستخدام اللّغة العربيّة أن يُفرّق بين الحرف والصّوت باعتبارهما شيء واحد؛ بخلاف الباحث المتعمق في علوم اللّغة العربيّة.

فالفرق بين الصّوت والحرف؛ هو فرق ما بين العمل والنّظر أو بين أحد المفردات والقِسم الّذي يقع فيه؛ فالصّوت عمليّة نطقيّة تدخل في تجارب الحواس وعلى وجه الخصوص السّمع والبصر، يؤديه الجهاز النّطقيّ حركة، وتسمعه الأذن، وترى العين بعض حركات الجهاز النّطقيّ حين أدائه. أمّا الحرف فهو عنوان مجموعة من الأصوات يجمعها نسب معين، فهو فكرة عقليّة لا عمليّة عضليّة فقط. وإذا كان الصّوت مما يوجده المتكلّم، فإن الحرف مما يوجده الباحث.

    نستنتج مما سبق أنّ الصّوت أعمّ من النّطق، إذ إنّ العلاقة بين الصّوت والنّطق والحرف هي علاقةٌ تضمّن؛ لأنّ الصّوت يدلّ على أثرٍ سمعيّ، قدّ يكون مصدر هذا الأثر " الجهاز النَطقيّ عند الإنسان. في حين أنّ النّطق في الحقيقة يدلّ على المقاطع الصّوتيّة الّتي يتركّب منها الكلام عند الإنسان. والحرف يجمع بين الصّوت والنّطق فهو عنوان مجموعة من الأصوات يجمعها نسب معين في تشكيل الدّلالات للألفاظ في التركيب اللّغويّ.

المراجع
1.    ابن فارس، أحمد بن زكريا (د:ت). معجم مقايس اللغة. تحقيق عبد السلام هارون، بيروت.
2.    السيرافي، (د:ت). اخبار النحويين البصريين. دط
3.    ابن جنيّ، أبو الفتح عثمان (د:ت ). كتاب سرّ صناعة الإعراب. تحقيق: محمّد حسن وأحمد رشدي عامر. دار الكتب العلميّة، بيروت. ج1.
4.    حساني، أحمد (د:ت). مباحث في اللسانيات. مطبعة المعارف، الشارقة.
5.    الأصبهانيّ، الرغب الحسين بن محمد (د:ت). المفردات في غريب القرآن. تحقيق محمد أحمد خلف الله، مكتبة الانجلو مصرية، القاهرة.



التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية