للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية لغة علمية وعالمية

أ. صلاح عبد الستار الشهاوي



"اللغة مظهر من مظاهر قوة الابتكار في مجموع الأمة، أو ذاتها العامة فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر. وفي التقهقر والموت والاندثار.

ومستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن- أو غير الكائن- في مجموع المم التي تتكلم اللغة العربية. فإن كان ذلك الفكر موجوداً كان مستقبل اللغة عظيما كماضيها، وإن كان غير موجود فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتيها السريانية والعبرانية"(جبران خليل جبران)
تتعاظم أهمية أي للغة على خريطة المعرفة الإنسانية، عندما تزداد علاقة اللغة وثوقًا مع مختلف أنواع هذه المعرفة، فقد أوشك المدخل اللغوي أن يصبح نهجًا معرفيًا عامًا تستهدي به ليس العلوم الإنسانية فقط، وإنما (أيضًا) العلوم الطبيعية.
ولاشك في أن دور اللغة في مجتمع المعرفة يتعاظم، وذلك لاعتبارات وعوامل عديدة منها:
- محورية الثقافة التي لم تعد بنية فوقية، أو أحد العناصر المكونة لمنظومة المجتمع، وإنما المحور الأساسي الذي تدور في فلكه عملية التنمية.
- محورية معالجتها آليًا بواسطة الحاسب الآلي في تكنولوجيات المعلومات. فاللغة هي المنهل الطبيعي الذي تستقي منه هذه التكنولوجيا أسس ذكائها الاصطناعي، وقواعد معارفها، وهي التي تكسب أجيال الإنسان الآلي القدرة على محاكاة الوظائف البشرية.
- تعاظم دورها الذي تؤديه على مختلف الأصعدة والمستويات، خاصة بعد أن أصبحت الكلمة من أشد الأسلحة الأيدولوجية ضراوة، وبعد أن فرضت قوى السياسة والاقتصاد سيطرتها على أجهزة الإعلام، وعلى صنع الثقافة بوجه عام. وباتت هذه القوى (ومن خلال اللغة) تعمل على توليد خطاب يخدم مصالحها ويتحكم في أقدار الأفراد والجماعات والدول والمجتمعات.
- اتساع مفهوم مجتمع المعرفة ليشمل مجتمع التعلم مدى الحياة (ليس للبشر فقط) بل للآلات والنظم والمؤسسات، وللخلايا والفيروسات. وكل هذا يرتكز في الأساس على اللغة: إنسانية كانت أم برمجية اصطناعية.
لهذه العوامل ولغيرها، يتعاظم دور اللغة في مجتمع المعرفة، مما يتطلب نظرة أعمق وأشمل لمنظومة اللغة العربية بعناصرها الداخلية، وعلاقتها الخارجية التي تربطها بالمنظومة المجتمعية والعلمية الأخرى.
واللغة العربية منذ أقدم عصورها لغة علم وحضارة حتى في العصر الجاهلي لذا نرى بعض المؤرخين المحدثين، ينادون بأن المجتمع العربي الجاهلي كان مجتمعاً أخذا ببعض أسباب الحضارة ويستدلون على ذلك بكثرة ألفاظ اللغة الدالة على القلم و الورق. اليراع والأنبوبة و القرطاس و الطرس والرق والصحيفة  ومن ألفاظ الدالة الكتب:- الصك – الزّبور – الرقيم – السّفٌر- الوصيره ( الصك للسجلات) وهكذا .
كما أن هناك فريق من المؤرخين يرون أن الشعر الجاهلي لم يحفظ عن طريق الرواية والسماع فقط وإنما كانت الوسيلة الأولى لحفظة هو القلم والكتابة ويستدلون على ذلك بكثرة ورود كلمتي الكتابة والقلم في ألفاظ الشعر الجاهلي أو في بعض تشبيهاته وصورة فالمرقش الأكبر مثلا يقول مشبها بقايا أطلال منزل الحبيبة ببقايا أثار سطور خطها قلم. 
الدار قفر والرسوم كما رقش في ظهر الأديم قلم 
ويستهل لبيد معلقته بأبيات يصور فيها أيضا بقايا أطلال الحبيبة تصويرا أقرب إلى تصوير المرقش ونجد هذه الصورة لدى شعراء آخرين.
وليس أدل على معرفه الجاهليين الكتابة والقراءة من أن معلقاتهم الطوال كانت تذاع وتشتهر بين الناس بسبب تعليقها مكتوبة على جدار الكعبة المشرفة. وبعد ظهور الإسلام أصبحت اللغة العربية لغة عقيدة قدم أبنائها للعالم أرقى الحضارات وأسماها ويكفي أن نعرف أن هذه اللغة تربط العلم والثقافة بالعقيدة رباطا لا فكاك منه فالقرآن الكريم يرفع العلم والعلماء إلى أسمى منزلة ويقسم الله في محكم آياته بالكتاب الكريم: "ن والقلم وما يسطرون "(القلم: 1) كما حض القرآن الكريم على القراءة والتعليم في أول سورة نزلت على الرسول الأمين محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ومن هنا فليس بغريب أن توصف الحضارة العربية الإسلامية بأنها حضارة كتب ومكتبات لقد أعطى الإسلام دفعة قوية للإتجاة الحضاري في اللغة العربية ولذلك نرى شعوب البلاد المفتوحة تسرع إلى تعليم اللغة العربية لغة القران الكريم والحديث النبوي ولم يمضي نحو قرن من الزمن حتى أخذت العربية تسود في كل أنحاء العالم الإسلامي لا بين المسلمين وحدهم بل بين غيرهم أيضا ممن بقى على دينه القديم وليس في البيئات التي كانت نائية أيضا في إيران ومصر وبلاد المغرب وهى بيئات لم يكن لها بالعربية عهد من قبل فإذا هي تتعرب وتتعرب معها الأطراف الغربية للقارة الأوربية في الأندلس ولا نكاد نتقدم في هذه البيئات بعد فتحها بنحو قرن حتى نجد العربية قد ملكت السنة الناس وقلوبهم في جميع أنحائها القريبة والبعيدة.
وقادت اللغة العربية العالم حضاريا وأدبيا وعلميا وفلسفيا طوال تسعة قرون منذ القرن الثامن الميلادي حين كان نشر المعارف والعلوم يكاد يقتصر عليها طيلة المرحلة التاريخية التي ساد فيها العرب العالم. وهى مستعدة بطبيعتها للعموم والشيوع والنهوض بالأمانة الإنسانية والتاريخ شاهد صادق على هذا عندما يحدثنا:
"أنه كان التراث العلمي لعلماء العرب والمسلمين باللغة العربية لذا انكب الأوربيون علي تعلم العربية وكان الذي يتقنها يعتبر مثقفا "
(لما كان العرب فاتحين قابضين على زمام السيادة والسياسة والعلم على عهد العباسيين في بغداد كانت تعابيرها وكلماتها وكثير من مصطلحاتها متغلغلة بين ألسنة الفرس، والترك، والهنود، وهم أقرب الشعوب إلى بغداد من حيث الصلة الجغرافية والأدبية والدينية كما كانت مفرداتها شائعة في إيطاليا وصقلية على عهد الفاطميين والأدارسة، وبني تغلب في برقه، وفاس، والقيروان، والقاهرة. وقد نفذت مصطلحاتها العلمية في قلب اللغة الفرنسية والإسبانية لمّا كان العرب ذوي الحول والطول في الأندلس، وليس شيوع المفردات العربية في اللغات الفارسية والتركية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية إلى اليوم إلاّ مثالاً من أمثلة تأثير لغة الأقوياء على الضعفاء، والمتقدمين على المتأخرين، والغالبين على المغلوبين).  
من ذلك. ملك صقلية – وليام الثاني – الذي كان عالما بالعربية ومتقنا لها وكان – فريدريك الثاني-متمكنا من اللغة العربية وآدابها و- وليام الثاني – كان لا يتكلم بغير اللغة العربية إلاّ لضرورة قصوى. 
في حين أن – فريدريك الثاني – ملك ألمانيا- قرر أن تكون اللغة العربية إجبارية في المدارس الحكومية في طول البلاد وعرضها في عهده وقامت الراهبتان الشقيقتان الألمانيتان – هالديغراد- و- يراس هيتاغراد- بفتح العديد من المدارس في أنحاء ألمانيا لتعليم اللغة العربية وآدابها واشتهرت من بينها مدرسة- فهماس- في بون ومدرسة – ناربون- في برلين.
وقد أرسل جورج الثاني ملك الإنجليز بعثة من بنات الأشراف كانت علي رأسها ابنة أخيه الأميرة - دوبانت- حاملة معها كتاباً مرسلاً من الملك إلى الخليفة - هشام الثالث- جاء فيه:" من جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج إلي الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام.
مع التعظيم والتوقير. فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة. فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم انشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة.
وقد وضعنا ابنة شقيقتنا الأميرة- دوبانت- علي رأس بعثة من بنات الأشراف الإنكليز. بأمل أن تكون موضع عناية عظمتكم، وقد زودت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها ، مع التعظيم والحب الخالص.
                                   جورج الثاني ملك إنجلترا والسويد والنرويج ".
وكانت الهدية شمعدانين من الذهب الخالص طول الواحد ثلاثة أذرع مع أوانٍ ذهبية عددها اثنتان وعشرون قطعة، رصعت بأبدع النقوش.
ورد الخليفة هشام علي ملك إنجلترا بالرسالة الآتية:" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي أشرف أنبيائه سيد المرسلين وبعد..
إلي ملك إنكلترا وايفوسيا واسكندناويا الأجل..
لقد اطلعت علي التماسكم فوافقت بعد استشارة من يعنيهم الأمر علي طلبكم. وعليه فإننا نعلمكم بأنه سينفق علي هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة علي مودتنا لشخصكم الملكي أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد. وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية. هي من صنع أبنائنا. هدية  لحضرتكم ، وفيها المغزى الكافي للتدليل علي التقائنا ومحبتنا والسلام.
              خليفة رسول الله علي ديار الأندلس
                          هشام ."  
ولم تكن هذه هي الأولي والأخيرة من البعثات التي أوفدتها أوروبا إلي الأندلس فقد ذكر المؤرخون أن هذه البعثات بلغ عدد أفرادها عام 213هـ سبعمائة طالب وطالبة من مختلف مقاطعات إسبانيا وألمانيا وفرنسا.. وهذا التاريخ يقع في أوائل حكم عبد الرحمن  الأوسط.  
ولما دخل – وليام- إنجلترا فاتحا اصطحب معه العشرات من يهود فرنسا الذين كانوا متمكنين من العربية وقاموا بفتح مدارس لتعليم اللغة العربية في بريطانيا  وكان من أشهرها صيتا وسمعة مدرسة –أكسفورد- التي تحولت فيما بعد إلي جامعة متكاملة والتحق بها بعد مائتي سنة المثقف والمفكر الأوربي الشهير – روجر بيكن- الذي كان يحث طلابه في الجامعة علي تعلم اللغة العربية ويعتبرها الطريقة المثلي للثقافة ..علي صعيد آخر وصل – إبراهيم بن عذرا- وكان عالما بالتوراة ويهوديا قحا وصل من مسقط رأسه – طليطلة- إلي لندن عام 1158م ودرس العربية في جامعتها  عشرات السنين. كما تنص كتب التاريخ علي أن الفيلسوف الألماني – ألبرتوس ميكنوس- والفيلسوف الإيطالي الأسقف النصراني الشهير- طاموس إيكوناس- كانا ماهرين في اللغة العربية و ألفا عددا من الكتب الفلسفية باللغة العربية. وفي القرن الحادي عشر الميلادي أنشئت في مدينة –سالرنو- في إيطاليا مدرسة طبية كانت تقدم خدماتها التدريسية والتدريبية باللغة العربية. وعين في عهد ملوك الأرمن الأسقف الأفريقي الأصل – قسطنطين- مديرا لها وهو الذي قام بترجمة ثمانين كتابا في الطب لـ – ابن سينا – و– الرازي- وغيرهما إلي اللاتينية وكان يتقن العربية اتقانا تاما.  وفي عام 1473م أصدر ملك فرنسا – لويس الحادي عشر-مرسومه الملكي القاضي باعتماد كتب ابن رشد في الفلسفة وفي اللغة العربية مقررا دراسيا في جامعات فرنسا. وكانت كتب ابن رشد في الفلسفة تدرس في جامعات – بدوا- في ايطاليا إلي غاية القرن الثامن عشر الميلادي. ولعل مما تجدر الإشارة إليه أن ابن ميسرة الصوفي الأندلسي الشهير الذي ألف كتبا عدة في التصوف لخصها بالعربية العالم اليهودي الأندلسي – اوس بروان- في كتاب واحد وترجم هذا الكتاب في القرن الثاني عشر الميلادي بعنوان fonsvitca ترجمه – اتن ديث-.
وفي اسبانيا كان هناك عالمان بارزان أحدهما – رميندلال- الذي فتح مدرسة للعلوم الإسلامية والشرقية وكان يتقن العربية ويتحدث بها بطلاقة لدرجة أن زائره يحسبه عربيا في الوهلة الأولي. وقد صنف في العربية كتابا في الأسماء الإلهية وأسرارها وخواصها.
وثانيهما – رميند مارتين- الذي تخرج من مدرسة طليطلة للعلوم الشرقية وكان متبحرا في علوم القرآن والحديث والفقه والفلسفة, لخص كتاب – تهافت الفلاسفة – للإمام الغزالي بعنوان-
pugio fidei  - وكتب كتابا ضخما في الإلهيات يحتوي علي موضوعات: ذات الإله, والروح,نظام الكون والآخرة, وهو ما يمثل نسخة طبق الأصل لنظريات الغزالي حول هذه القضايا. كما قام الأسقف – هيراب – بترجمة التقويم العربي إلي الأسبانية.
ومن الجدير بالذكر أن نشير هنا إلي أن الملك الإسباني – ألفونسو العاشر – كان عالما بالعربية ومتقنا لآدابها  وألف عددا من الكتب بالعربية وسعي إلي ترويج العربية إبان فترة حكمه ولعل مما يتعجب له البعض أنه ألف كتابا ضخما في سيرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم اطلع عليه المفكر الألماني – مراد هوفمان- في متحف – لائيدن- للتراث  في هولندا. كما الف – الفونسو- كتابا أخر بالعربية في خواص الأحجار الكريمة ويوجد هذا الكتاب في مكتبة –الإسكوريال-
وفي عام 1130م قام ألأسقف الإسباني – ريمند – إنشاء جامعة في طليطلة. استقطب للتدريس فيها علماء متخصصين في علوم العربية واللاتينية الذين كانوا يقومون جنبا إلي جنب مع التدريس –وظيفتهم الأساسية – بمهمة ترجمة التراث العربي إلي اللاتينية والأسبانية وظلت هذه الجامعة تقدم خدماتها للمجتمع علي مدار ثلاثة قرون وقدرت الكتب التي ترجمت طوال هذه الفترة من العربية إلي اللاتينية بأكثر من ثلاثة الآلف وثلاث مائة كتاب.
وفي عام 1224م أنشأ – فريدريك الثاتي – جامعة ضخمة في – نيبلز- وكان من ضمن المقررات الإجبارية و المتطابات الجامعية الأساسية كتب ابن رشد في الفلسفة التي كانت تدرس باللغة العربية وكانت مكتبة الجامعة زاخرة بالآلف المجلدات في اللغة العربية. 
وأنشأ ملك البرتغال – هنري الرابع- أكاديمية بحريه وظف للتدريس فيها عالمين بالعربية متقنين لفنونها وتخرج عنها الرحالة والمغامر البحري – فاسكودي غاما- الذي خرج من بلده  البرتغال حتى وصل إلي الهند. وهو أول ملاح بحري أوربي خرج من قارته إلي بلد آخر.
واللغة العربية ليست قاصرة عن مسايرة الحياة وتطوراتها منذ دفع بها الإسلام إلى ارتياد أفاق العلم التجريبي حتى صارت لغة العلم كما هو لغة الدين والأدب ولم يطرأ عليها شيء يخلع عنها هذا الثوب الذي كساها به الإسلام.
إن علماء العرب لم يكتبوا أعمالهم التي نهل منها الغرب وكانت سبب رقيه ونهضته إلاّ باللغة العربية عندها صارت وعاء للعلوم وأصبح لها اليد الطولي والسيطرة على سائر لغات العالم أجمع. وقد رأينا كثير من رواد ومشاهير الأدب العالمي هرولوا إلى تعلم اللغة العربية بعدما استهوتهم جماليات الثقافة العربية الإسلامية أمثال: بوشكين، وتوليستوي، وغيرهما. ويكفي لإجمال الأثر الذي تركه الأدب الإسلامي باللغة العربية في آداب الأوربيين أننا لا نجد أديبا واحدا من نوابغ الأدباء  عندهم خلا شعره أو نثره من بطل إسلامي أو نادرة إسلامية ومنهم: شكسبير، وأديسون، وبيرون، وسوزي، و كولردج، وشيلي، بين أدباء الإنجليز. ومنهم: جيتيه، وهردر، ولسنغ، وهيني، بين أدباء الألمان وفولتير، ومنتسيكو، وهيجو، بين أدباء الفرنسيين. ولافونتين الفرنسي الذي صرح بإقتدائه في الأساطير بكتاب كليلة ودمنه الذي عرفة الأوربيون عن طريق المسلمين ولغتهم العربية وهذه أمثلة لسطوة اللغة العربية في غير أرضها ففي ذلك العهد الزاهر كان رجال العلم والفكر الغربيون يعترفون بوجه عام أن التبحر في العلم والفلسفة لا يمكن أن يتم من غير درس المؤلفات العربية كان المفكرون المتعصبون منهم يتساءلون فيما إذا كان يمكن الاستغناء عن اللغة العربية في تحصيل العلوم. في ذلك الوقت كانت اللغة العربية هي التي يتكلمها جميع مثقفي العالم سواء كانوا في روما أو بيزانطه أو في الهند بل إن أحد القياصرة المثقفين وهو فردريك الثاني كان يؤلف كتبه باللغة العربية وكان بينه وبين الملك الكامل الأيوبي أبن شقيق صلاح الدين الأيوبي – مراسلات مطولة يستفسر فيها عن بعض المسائل الفكرية. وفي القرن الرابع الهجري وجدنا أحد كبار القسس في مصر يشكو مر الشكوى لأنه ألف كتابا في تاريخ الأقباط عنوانه – سير الأباء البطارقة – وأضطر مرغما أن يؤلفه باللغة العربية لا باللغة القبطية لأنه لم يجد في مصر حينذاك من يفهم اللغة القبطية وهي لغة المصريين التي كانت شائعة بينهم عند الفتح الإسلامي. وما كتبة الأسباني- الفارو – في القرن التاسع الميلادي واصفا إقبال قومه على العربية مصورا آسفة لهذا الإقبال بقولة " إن أرباب الفطنة والتذوق سحرهم رنين الأدب العربي فاحتقروا اللاتينية وجعلوا يكتبون بلغة قاهريهم دون غيرهم ". كما ساء ذلك أحد كبار الأسبان المتعصبين فكتب يقول :" إن أخواني المسيحيين يعجبون بشعر العرب و أقصاصيهم ويدرسون التصانيف التي كتبها الفلاسفة والفقهاء المسلمون باللغة العربية ولا يفعلون ذلك لدحضها والرد عليها بل لاقتباس الأسلوب العربي الفصيح فيا للأسى أن المسيحيين قد نسوا لغتهم فلا نكاد نجد فيهم اليوم واحد في كل ألف يكتب بها خطابا إلى صديق أما اللغة العربية فما اكثر اللذين يحسنون التعبير بها على أحسن أسلوب ".
أما الإيطالي – بترارك – في أوائل القرن الرابع عشر للميلاد فكتب صارخا " ماذا تقولون؟ استطاع شيسرون أن يكون خطيبا بعد – ديموستين – وصار فيرجيل – شاعرا بعد هوميروس – وأنتم تتوهمون مع ذلك بأنه لن يتبع أحد من العرب !! نحن قد ضاهينا اليونان حتى سبقناهم في بعض الأحيان وضاهينا وسبقنا بذلك جميع الأمم وأنتم تقولون الآن إننا لن نضاهي العرب!! هل تخدرت عبقرية الطليان إلى هذا الحد. 
يتبين من هذه الصيحة الحماسية انه في القرن الرابع عشر الميلادي كان في البلاد الأوربية من يقول بعد إمكان مضاهاة العرب ومن يعتقد باستحالة الاستغناء عن اللغة العربية في الشئون الفكرية والعلمية أفليس المؤلم حقا أن تنعكس الآية الآن وبعد كل هذه الأمثلة تؤكد لنا قوة اللغة العربية و عالميتها وانتشارها بين حضارات تختلف عنا في أساليب الحياة وأنماطها ومعاييرها كما تؤكد أن الأمل قائم في حفاظنا أولا على أحد مقوماتنا وإحدى سمات شخصيتنا الإسلامية والعربية وثانيا نشرها بين سائر الأمم كما فعل أجدادنا وسلفنا الصالح. 
* كيف للعربية أن تحافظ على عالميتها؟:
 إذا أردنا للعربية أن تحتفظ بمكانتها اللائقة في دنيا العالمية فيجب علينا نحن أبنائها خوض غمار العلوم الحديثة بها وعدم الوقوف بها عند النظرة القاصرة على أنها لغة شعر وأدب فقط فهي قادرة على التعبير عن العلوم ومصطلحاته ومسايرة الحضارة الحديثة فأين هو نتاج أبنائها العلماء من الاختراعات والابتكارات وتسميتها بمسميات عربية تنتقل إلى اللغات الأخرى بلفظها العربي؟ مما يضعها في مصاف اللغات العالمية بحق لأن اللغة ظاهرة اجتماعية تعبر عن مكانة الناطقين بها والمجتمع الأكثر تفوقا هو القادر على أن يفرض وجودة على الآخرين. 
وبعد: لقد أثبتت اللغة العربية جدارتها على مر العصور، ويشهد تاريخ الفتح الإسلامي على سرعة انتشارها، واندماجها في بيئات لغوية متباينة، وأنها كانت أداة فعالة لنقل المعرفة، ومن ثم فإن من حقها أن تصبح لغة عالمية، خاصة أنها تتسم بالعديد من الخصائص الجوهرية من أهمها: أنها تجمع بين كثير من خصائص اللغات الأخرى على مستوى جميع فروعها اللغوية، كما أنها (من منظور معالجة اللغات الإنسانية آليًا بواسطة الحاسب الآلي) جديرة أن تكون لغة عالمية. فبفضل توسطها اللغوي يسهل تطويع نماذج البرمجة المصممة للغة العربية، لتلبية مطالب اللغات الأخرى وعلى رأسها الإنجليزية. 
انطلاقًا من عالمية الخطاب القرآني وعالمية لغته ينبغي إخضاع اللغة العربية للنظرية العامة التي تندرج في إطارها جميع اللغات الإنسانية، بل إن هذه العالمية تفرض أن تكون اللغة العربية من أوائل اللغات التي تنضم إلى حظيرة العموم اللغوي العالمي.
                                       والله الموفق
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية