للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أخطاء الإعلاميين اللُّغوية إلى أي حدٍّ تُغتفر؟

نجلاء السكافي

 الصحفي الحقيقي يستصعب على نفسه أن يُخطئ في المادة التي يقدمها لقرائه مسارعًا إلى ضرب الطاولة بقبضة يده، وكذلك حال المذيع الذي يحترم مهنته؛ فإنه يتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعه حين يخطئ في كلمةٍ أمام (الكاميرا).

وفي عصر الإعلام المفتوح صارت الأخطاء اللغوية لدى العديد من الصحفيين شيئًا مستساغًا، يا للأسف!؛ مع أن التمكن من اللغة العربية هو صُلب المهنة، "فلسطين" تستعرض نماذج لديها "حساسيةٌ" إيجابية تجاه أي خطأ يُرتكب في هذا المضمار، وكان الإعلامي ربيع شنطف من تلفاز المستقبل اللبناني أول من أدلى بدلوه، إذ يصف نفسه بـ"المتعصب للغة العربية"، ما يدعوه إلى عمل تقويم لغوي ذاتي باستمرار فيقسو على نفسه، يقول: "أعاقب نفسي إذا أخطأت، علمًا أنني أُخطئ أحيانًا ولا ينتبه أحد إلى ذلك، لكني أشعر بالضيق وأفكر جيدًا في الأمر، ثم أعمل على إصلاحه حالًا".

ويذكر شنطف حادثة مر بها: "أذكر أنني ذات مرة سجلت تقريرًا، وكان عندي خطأٌ لغوي لم أنتبه إليه، وبينما نحن في منتصف الليل وأنا في غمرة تحضيري للنشرة انتبهت، وقد كانوا على وشك إعادة التقرير صباحًا؛ فما كان مني إلا أن ذهبت ليلًا إلى مقر القناة لإصلاح الخطأ"، مشيرًا إلى أن التمكن من اللغة من أهم سمات الإعلامي الناجح، ودونه سيقع في مطبٍّ كبير.

ويلفت إلى ضرورة أن يتابع الإعلاميون أنفسهم باستمرار ولا يتكبروا، ويعلل ذلك بأن الجميع خطاؤون بصرف النظر عن السن والخبرة؛ فاللغة العربية بحر من المعرفة لابد متابعته والاستفادة من علومه دومًا.

وتوافقه في الرأي الإعلامية شذى حمّاد من شبكة قدس الإخبارية، محيلة أسباب المشكلة إلى أسلوب التعليم المدرسي القائم على التلقين، إضافةً إلى عدم وجود مساقات جامعية متخصصة في اللغة العربية لطلاب الإعلام، الأمر الذي يفاقم المشكلة أمام مجتمع الإعلاميين ويؤخر تخطيها، وتضيف: "شخصيًّا دائمًا ما أراجع كتبًا تتناول الأخطاء اللغوية وأسس القواعد النحوية، ولا أتوقف عن التعلم والمراجعة حتى أصل إلى نقطة معينة أتخطى عندها الأخطاء الشائعة والبسيطة". 

ويبدو أن المشكلة لدى إعلاميي الشبكات الإعلامية الإلكترونية تكاد تكون أبسط بكثير مما يواجهه الإعلاميون في القنوات الفضائية، وتوضح حمّاد مقصدها: "بطبيعة الحال لدينا فرصة لتعديل الأخطاء التي تظهر أمامنا، أما في الإذاعة أو التلفاز فلا يمكن للإعلامي أن يعود لتعديل خطئه، إن لم يستدركه في اللحظة نفسها، والصحفيون كذلك؛ فثمة مشكلة كبيرة تظهر، إذا ما طُبعت الصحيفة أو المنشورات المقروءة دون تدقيقها لغويًّا".

ومن جهة ثانية ترى شذى حماد أن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت ظهور الكثيرين من غير المتخصصين باللغة العربية والإعلام، ما جعل الخطأ منتشرًا بصورة كبيرة، لكن تلك الشبكات في الوقت نفسه عملت على وجود مجموعات وصفحات تروج للغة العربية، مشيرة إلى أنه مع قلة متابعي هذه الصفحات لا يمكن إغفال أخطائها.

أما الإعلامي محمد هنية من صحيفة الرسالة فيقول: "يجب على الجامعات الفلسطينية أن تعقد امتحان مستوى للملتحقين بمجال الإعلام، يقوّم فيه الطالب لغة وثقافة وشكلًا وصوتًا"، مبديًا أسفه على ما يطبق في بعض الجامعات بقوله: "ما يزيد الطين بلة أن مستوى القبول للإعلام متدنٍّ، ويُسمح لكلٍّ بالدخول فيه، مع أهميته وأهمية مَن سيعملون به، إضافة إلى عدم منطقية بعض المساقات التي يدرسها الطالب والتجاهل الملحوظ للغة العربية".

"الخطأ رفيق البشر ماداموا يعملون ويجدون" هذا ما يراه هنية معبرًا عن طبيعتنا في الوقوع بالخطأ، لكنه يشير إلى أن هناك أخطاء يمكن تجاوزها وفي المقابل ثمة أخطاء لا تغتفر، مُضيفًا: "هناك أخطاء قد تكون بسيطة لكنها تُحدث شرخًا في المعنى، ما يؤدي إلى تبعات غير محمودة"، مؤكدًا أهمية أن يراجع الإعلامي ويدقق مادته الإعلامية أكثر من مرة قبل عرضها للنشر.

الممارسة والخبرة لهما دور في تجاوز الأخطاء، وفي ذلك يرى محمد هنية أن أخطاء الصحفيين المبتدئين أكثر من أخطاء غيرهم، كونهم حديثي التجربة ومازالوا في طور التعلم وكسب المعرفة، أما الصحفي المتمرس فتقل هفواته وأخطاؤه بفضل الخبرة، فإذا أراد الصحفي الخروج بمادة راقية متكاملة فعليه أن يُلم بكل الأدوات من اللغة والصياغة والأسلوب وطريقة العرض، حسب رأيه.

من جهته يرى المحاضر في كلية الآداب بالجامعة الإسلامية د. نهاد بدرية الذي قدم العديد من الدورات للصحفيين في هذا الشأن أن واقع الإعلاميين لا يخفى عن أحد في الوقت المعاصر، لاسيما الذين يظهرون على شاشات التلفزة، مبينًا أنهم على تفاوت في مستوياتهم، فمنهم من يجيد استخدام اللغة بكل مستوياتها، وهؤلاء قلة، ومنهم من يقع في اللحن والخطأ، وهم كثرة، ومنهم من يلجأ إلى استخدام اللغة العامية بحجة أنه يخاطب العامة.

ويحيل د. نهاد بدرية أسباب تفشي الأخطاء اللغوية في صفوف الإعلاميين إلى العديد من الأسباب، منها انتشار دعوى استخدام اللغة العامية، قائلًا: "انتشرت العامية في وسائل الإعلام بوجه عام، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي بوجه خاص، بحجة أنها لغة التفاهم والتداول اليومي، وأن اللغة الفصحى لا تلبي متطلبات العصر".

ويضيف: "استخدام اللغات الأجنبية في ميادين العلم الحديث كالطب والهندسة والإلكترونيات _وخاصة العلوم التطبيقية_ أحد الأسباب المهمة في ذلك، إضافةً إلى اللجوء إلى تسكين أواخر الكلمات هروبًا من اللحن الجلي تحت قاعدة "سكن تسلم"؛ فهذه لغة الضعفاء"، مُبيًنا أن بعض المثقفين الحداثيين اتهموا اللغة العربية بالعجز عن مسايرة المعاصرة وهاجموا التراث، الأمر الذي أثر بوضوح على المشكلة وفاقمها، ولا يغفل بدرية عن إحالة الأمر أولًا وأخيرًا إلى عدم الاهتمام بعلوم القرآن.

الأخطاء اللغوية لا تقتصر على الإعلاميين الجدد، هذا ما يؤكده بدرية بقوله: "توارث الأبناء الأخطاء عن الآباء، وكان الأصل أن يتفادى الأبناء ما وقع فيه الآباء من أخطاء شائعة، خاصة فيما يتعلق بضبط العبارة في أبسط تركيب لها من فعل وفاعل ومفعول، أو من مبتدأ وخبر، مع مراعاة المفرد والمثنى والجمع في مواقعها الإعرابية".

لاشك أن الأخطاء عند العاملين في الوسائل المسموعة والمرئية تظهر واضحة جدًّا أكثر مما تظهر لدى العاملين في المجالات المقروءة، ويعلل المحاضر في كلية الآداب بالجامعة الإسلامية ذلك بقوله: "شريحة المتابعين والمستمعين في مجتمعنا الفلسطيني أكبر من فئة القراء، ومن جهة ثانية إن حاسة السمع أقوى الحواس وأهمها لأنها لا تتعطل مع استخدام باقي الحواس، ولذلك يقرع الخطأ طبلة الأُذن"، مبينًا أن الحال نفسه في القنوات المرئية التي تشترك فيها حاستا السمع والبصر، أما الصحف والمجلات فجمهورها من النخب والمثقفين، وهو قليل مقارنة بالإذاعات وقنوات التلفزة.

ويفيد أنه بالإمكان الحد من انتشار الأخطاء اللغوية بالالتحاق بدورات تدريبية تطبيقية تساعد الإعلاميين على تفادي تلك الأخطاء الشائعة، والعمل على تصويبها، مُؤكدًا ضرورة الاهتمام بعلوم القرآن فهي تساعد على تقويم اللسان، وأهمية أن يُلم الإعلاميين بقواعد اللغة العربية الأساسية لتمكنهم من ممارسة هذه المهنة وإتقانها على الوجه المطلوب.
 

فلسطين

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية