للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

وقفات على أبواب القوافي - 7

أ.د. محمد عبد الله سليمان


قال شاعر من شعراء الجن:


ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ  
وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمالُ

ننفذ من خلال البيت السابق إلى سؤال: هل الجن تقول الشعر؟ سؤال حاول علماء الأدب والبلاغة والنقد الإجابة عنه قديما ، وقد أفرد له أبو زيد القرشي بابا في كتابه "جمهرة أشعار العرب " وحكى حكايات عن شعر الجن وشعرائهم وعلاقتهم بشعراء الإنس ما يذهل العقول فهي أشبه بالأساطير، روى فيها العجب العجاب ولن أستطيع في هذه العجالة أن أذكر كل ما قالة ولكن سأكتفي بذكر نموذج من ذلك أو نموذجين قال أبو زيد القرشي :أخبرني المفضل عن أبيه عن جده قال: أخبرني العلاء بن ميمون الآمدي عن أبيه قال: ركبت بحر الخزر أريد ناجورا حتى إذا ما كنت منها غير بعيد لجج مركبنا، فاستاقته ريح الشمال شهراً في اللجة، ثم انكسر بنا، فوقعت أنا ورجلٌ من قريشٍ إلى جزيرة في البحر ليس بها أنيس، فجعلنا نطوف، ونطمع في النجاة إذ أشرفنا على هوةٍ، وإذا بشيخٍ مستندٍ إلى شجرة عظيمة، فلما رآنا تحشحش، وأناف إلينا، ففزعنا منه، ثم دنونا منه، وقلنا: السلام عليك أيها الشيخ! قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فأنسنا به، فقال: ما خطبكما؟ فأخبرناه، فضحك وقال: ما وطىء هذا الموضع أحدٌ من ولد آدم قط، فمن أنتما؟ قلنا: من العرب! قال: بأبي وأمي العرب؛ فمن أيها؟ قلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش. قال: بأبي قريش وأحمدها! ثم قال: يا أخا خزاعة هل تدري من القائل: الطويل:
كأنْ لم يَكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصَّفَا         
      أَنِيْسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سامرُ



بلى! نَحْنُ كنَّا أَهلَها، فأبادَنا    
      صُرُوفُ اللّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ


قلت: نعم! ذلك الحرث بن مضاض الجرهمي. قال: ذلك مؤديها، وأنا قائلها في الحرب التي كانت بينكم، معشر خزاعة، وبين جرهم. يا أخا قريش! أولد عبد المطلب بن هاشم؟ قلت: أين يذهب بك، رحمك الله! فربا وعظم وقال: أرى زماناً قد تقارب إبانه، أفولد ابنه عبد الله؟ قلنا: وأين يذهب بك؟ إنك لتسألنا مسألة من كان في الموتى. قال: فتزايد ثم قال: فابنه محمد الهادي؟ قلت: هيهات! مات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منذ أربعين سنة! قال: فشهق حتى ظننا أن نفسه قد خرجت، وانخفض حتى صار كالفرخ، وأنشأ يقول الكامل: 
ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ         
      وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمالُ



ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قال: ويحكما! فمن ولي
الأمر بعده؟ قلنا: أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه، قال: ثم من؟ قلنا: عمر بن الخطاب، قال: أفمن قومه؟ قلنا: نعم. قال: أما إن العرب لا تزال بخيرٍ ما فعلت ذلك. قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا من أنت وما شأنك؟ فقال: أنا السفاح بن الرقراق الجني لم أزل مؤمناً بالله وبرسله ومصدقاً، وكنت أعرف التوراة والإنجيل، وكنت أرجو أن أرى محمداً، صلى الله عليه وسلم، فلما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة من وقت سليمان، عليه السلام، اختبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله تعالى وتوحيده وانتظار نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وآليت على نفسي أن لا أبراح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين، وإنما صرت فيها منذ أربعمائة سنةٍ، وعبد منافٍ إذ ذاك غلامٌ يفعةٌ ما ظننت أنه ولد له ولد، وذلك أنا نجد علم الأحداث، ولا يعلم الآجال إلا الله تعالى، والخير بيده، وأما أنتما أيها الرجلان، فبينكما وبين الآدميين من الغامر مسيرة أكثر من سنة، ولكن خذا هذا العود، فاكتفلا به كالدابة إذا نام الناس، فإنه يؤديكما إلى بلدكما، واقرئا محمداً مني السلام، فإني طامع بجوار قبره. قال: ففعلنا ما أمرنا به، فأصبحنا في مصلى آمد.
ويأتي أبو زيد بالحادثة تلو الأخرى ليعضد ما يقول به من أمر العلاقة بين شعراء الجن والإنس وأن كل شاعر من الإنس يقابله شاعر من الجن يوحي إليه .مما يدعنا نتساءل هل الشعر إيحاء من الشياطين والجن ؟ أم هو عملية إبداع فني في لحظة بالغة التعقيد لا يُدرك كنهها ، وقد حاول علماء النفس تفسير عملية الخلق الفني وخاصة إنتاج النص الشعري، ولكنهم عجزوا عن ذلك فهي حالة يصعب إدراكها والإحاطة بكنهها وكينونتها ، وإذا كان إدراك تفسيرها يصعب في حالة الإنس فكيف بها عند الجن ؟ ويستطرد أبوزيد القرشي ، فيقول: "ويشيد هذه الأحاديث عندنا، في الجن وأخبارها وقولها الشعر على ألسن العرب، ما حدثنا به المفضل عن أبيه عن جده عن ابن إسحق عن مجاهد عن ابن عباس قال: وفد سواد بن قارب على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فسلم عليه، فرد عليه السلام، فقال عمر: يا سواد! قال: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: ما بقي من كهانتك؟ فغضب وامتلأ سحره ثم قال: يا أمير المؤمنين! ما أظنك استقبلت بهذا الكلام غيري؛ فلما رأى عمر الكراهية في وجهه قال: يا سواد! إن الذي كنا عليه من عبادة الأوثان أعظم من الكهانة، فحدثني بحديثٍ كنت أشتهي أن أسمعه منك! قال: نعم يا أمير المؤمنين! بينما أنا في إبلي بالسراة، وكان لي نجي من الجن، إذ أتاني في ليلة، وأنا كالنائم، فركضني برجله، ثم قال: قم يا سواد، فقد ظهر بتهامة نبيٌّ يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. قلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول: السريع :
عَجِبْتُ للجِنِّ وتخبارِها         
      وشدِّها العِيسَ بأَكْوارِها



تَهوي إلى مكّةَ تَبغي الهُدَى   
ما مُؤْمِنُو الجِنِّ كَكُفّارِها


فارحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ
    بَينَ روابيها وأحْجارِها


ثم لما كان في الليلة الثانية أتاني فقال مثل ذلك القول، فقلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول:
عَجِبتُ للجِنّ وتَطْرابها         
      ورَحْلِها العيسَ بأقتابِها



تَهوي إلى مكَّةَ تَبغي الهُدَى
        ما مُؤمنو الجنِّ كَكُذّابِها


فارحلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ  
        لَيسَ قُدَاماها كأَذنابِها


ثم أتاني في الليلة الثالثة، فقال مثل ذلك، فقلت: إني ناعسٌ، فولى عني، وهو يقول:
عَجِبتُ للجنّ وإيجاسِها         
      وشَدِّها العيس بأحْلاسِها



تَهوي إلى مَكَّةَ تَبغي الهُدى  
  ما مُؤْمنو الجنِّ كأَرْجاسِها


فارْحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ 
    واسْمُ بعَينَيكَ إلى رأْسِها


قال سواد: فلما أصبحت يا أمير المؤمنين، أرسلت لناقة من إبلي، فشددت عليها، وأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وبايعت، وأنشأت أقول الطويل:
أَتاني نَجِيِّي بَعْدَ هَدْء وَرَقْدَةٍ           
      ولم يَكُ فيما قَدْ عَهِدْتُ بِكاذِبِ



ثلاثَ لَيالٍ قوْلُه كلَّ لَيلَةٍ
              أتاكَ رسولٌ من لؤيِّ بنِ غالبِ


فَشَمَّرْتُ عَنْ ذيلي الإزارَ، وَأَرْقَلَتْ
    بيَ الدِّعلبُ الوجناءُ عَبْرَ السّباسبِ


فأشهَدُ أنَّ اللَّهَ لا رَبَّ غَيرَه   
            وأنَّكَ مَأْمونٌ على كلِّ غائِبِ


وأنِّكَ أدنَى المُرسَليِنَ وَسيلَةً
          إلى اللَّهِ، يا ابنَ الأكرَمِينَ الأطايبِ


فَمُرْني بما أَحْبَبْتَ، يا خيرَ مُرْسَلٍ
      وإنْ كان فيما قلتُ شِيْبُ الذّوائبِ


وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ 
    سِوَاكَ، بِمُغْنٍ عن سَوادِ بنِ قارِبِ


 وورد في سيرة ابن هشام ما يؤكد قول الجن للشعر: قال ابن إسحاق فحدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبوك يا بنت أبي بكر قالت قلت لا أدري والله أين أبي قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي.قالت ثم انصرفوا فمكثنا ثلاث ليال وما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه   
      رفيقين حلا خيمتي أم معبد



هما نزلا بالبر ثم تروحا    
        فأفلح من أمسى رفيق محمد


ليهن بنو كعب مكان فتاتهم     
    ومقعدها للمؤمنين بمرصد


يقول الزمخشري في كتابة "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" : ورأيت للأعاريب من الأعاجيب في باب الجن ما لا يوصف؛ ويقولون من الجن جنس صورته عل نصف صورة الإنسان، واسمه شق، يعرض للمسافر إذا كان وحده فربما أهلكه. ويزعمون أن علقمة بن صفوان لقيه، فتضاربا فخرا ميتين، وأن علقمة وحرب بن أمية من قتلى الجن. قالوا وقالت الجن:
وقبر حرب بمكان قفر
         
      وليس قرب قبر حرب قبر



قالوا: والدليل على أنه من شعر الجن أن أحداً لا يقدر أن ينشده ثلاث مرات متصلة من غير أني يتتعتع، ويقدر على تكرار أشق بيت من أبيات الإنس عشر مرات من غير تتعتع.وقالوا: قتلت الجن سعد بن عبادة بن دليم وسمعوا الهاتف يقول:
قتلنا سيد الخز         
      رج سعد بن عبادة



رميناه بسهمي
          ن فلم نخطئ فؤاده


قول العرب عبارة " هو أشعر الجن والإنس" لمن يبرع في الشعر لا أعتقد أن هذه العبارة قيلت من فراغ وهي تدل على قول الجن للشعر فقد جرت على لسان كبار الشعراء والأدباء وإليكم بعض النماذج لورودها ، جاء في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني :حدثنا محمد بن العباس اليزيدي إملاء قال حدثني عمي الفضل بن محمد قال حدثني موسى بن صالح الشهرزوري قال: أتيت سلما الخاسر فقلت له: أنشدني لنفسك. قال: ولكن أنشدك لأشعر الجن والإنس، لأبي العتاهية، ثم أنشدني قوله:
سكن يبقى له سكن         
      ما بهذا يؤذن الزمن



نحن في دار يخبرنا   
      ببلاها ناطق لسن


دار سوء لم يدم فرح      
  لامرئٍ فيها ولا حزن


في سبيل الله أنفسنا  
        كلتا بالموت مرتهن


كل نفس عند ميتتها  
    حظها من مالها الكفن


إن مال المرء ليس له    
  منه إلا ذكره الحسن


وهذه قصة مشهورة عند النقاد القدماء وردت في كثير من المصادر منها كتاب "الشعر والشعراء"  لابن قتيبة وهو يتحدث عن الشاعرة المخضرمة الخنساء وشاهدنا فيها أيضا ورود عبارة "أشعر الجن والإنس" مما يدل على أن العرب ونقاد الشعر خاصة لهم معرفة بشعراء الجن وأشعارهم ، يقول: "وهي الجاهلية كانت تقول الشعر في زمن النابغة الذبياني، وكان النابغة تضرب له قبةٌ حمراء من أدمٍ بسوق عكاظٍ، وتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، فأنشده الأعشى أبو بصيرٍ، ثم أنشده حسان بن ثابت، ثم الشعراء، ثم جاءت الخنساء السلمية فأنشدته، فقال لها النابغة: والله لولا أن أبا بصير أنشدني آنفاً لقلت إنك أشعر الجن والإنس، فقال حسان:
والله لأنا أشعر منك ومن أبيك ومن جدك! فقبض النابغة على يده، ثم قال: يا بن أخي إنك لا تحسن أن تقول مثل قولي:
فإِنَّكَ كاللَّيْلِ الَّذِي هو مُدْرِكي         
      وإنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ واسِعُ



فما رأيك عزيزي القارئ فيما أوردناه عن هذا البيت من شعر الجن وأقوال علماء الأدب والنقد والبلاغة والسير القدماء في هذا الشأن ، وهل بإمكان النقاد أن يقدموا دراسات نقدية عن شعر الجن باعتباره شعرا موثقا عند مؤرخي الأدب ورواة الشعر أم هي مجرد ترهات لا أصل لها ولا فصل ؟؟؟!!! قال السفاح بن الرقراق الجني :
ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ         
      وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمالُ



وإلى لقاء في وقفة أخرى .
 

 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية