للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي التاسع للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

حيرة اللغة

 في الطبعة الأولى من رواية "الرجع البعيد"، كتب الروائي العراقي الراحل فؤاد التكرلي الحوار بالعامية العراقية، ثمة من قال إنها اللهجة البغدادية. وقد تطلبت القراءة، لمن لا يعرف هذه اللهجة، خاصة الجانب الصوتي منها، أي طريقة نطق الحروف، صعوبات كثيرة، تركت تأثيراً سلبياً على جماليات القراءة. فقد اضطّر الروائي لكتابة بعض الحروف بأشكال طباعية غير معتادة، كي يستجيب لصوت الحرف أثناء نطقه في المحكي. وهو عبء طباعي وقرائي وضع الرواية في اختبار صعب تجاه القارئ العربي.

باستثناء العراقيين بالطبع. لم يعد القارئ يستمتع بهذا النص. إذ يتطلب الأمر منه التوقف مرات كثيرة، في الصفحة الواحدة، لنطق الكلمة في القراءة الصامتة، أو نطقها في قراءة جهرية، تنذر بإفساد المتعة.

ومن المؤكد أن رسالة الصعوبة في القراءة قد وصلت إلى الروائي، فما لبث في الطبعة الثانية، أن ألغى طريقة الكتابة، واستبدل عشرات المفردات في الحوار بمفردات أخرى عامية أيضاً، ولكنها أكثر استعمالاً في المحكي، وتخلى عن اللعبة الطباعية المنهكة، بحيث بات ممكناً أن تُقرأ، وتُفهَم، من دون أن يتخلى عن خيارات لغة الحوار.
 
لا تعكس هذه التجربة الصعبة حيرة الروائي العراقي وحده، بل حيرة الرواية العربية كلها، وليس الأمر صراعاً بين الفصحى والعامية، كما روجت للأمر ثقافة متعصبة، وقتالية، افترضت أن ثمة من يتآمر على اللغة ويسعى لتحطيم الكيان، حين يشجع، أو يعمل على استخدام المحكيات في الحوارات الروائية، بل هو بحث عما لم يكن واضحاً بعد في الثقافة كمصطلح مفهومي، هو "التعدّد الحواري"، كما ترجم من أعمال مخائيل باختين. قد يعني الحوار هنا التفاوض من جهة، كما يعني السعي لمنح الحقوق الفكرية والثقافية لحاضر الشخصيات التي تريد تأكيد وجودها، أو للتعبير عن نفسها.

يقف الروائي العربي حائراً أمام أكثر من معضلة في الكتابة، وأخص هنا الحوار بين الشخصيات: الأولى هي كيف يتطابق نطق الشخصية الروائية، مع نظيرتها في الواقع؟ والثاني هو: كيف يضمن حرية النمو للشخصية الروائية. أما الثالث فهو الاهتمام بوصول العمل وقراءته في العالم العربي الذي تعمه لهجات محكية متباينة. الأمر يتعلّق بالقارئ وبالنص وبالتلقي.

وحتى اليوم لم يجد أي روائي عربي حلاً لهذه المعضلات، ويمكن القول إن "المؤسسات" التي تدعي الوصاية على اللغة العربية، ما تزال تعيق تطورها، وهي ترفع شعار الحفاظ على اللغة. ولا تبدو المحاولات التي قام بها بضعة كتّاب عرب، مثل هادي العلوي وإبراهيم أنيس، مرشحة للتأثير في هذه المسائل، وخصوصاً في مجال كتابة معجم عربي جديد ومعاصر، يفكر في أن العاميات، أو المحكيات العربية، هي في الأساس لهجات لهذه المنطقة، أو لتلك.

وإذا كانت "الطريق" في العربية هي "الدرب" في السريانية، فهذا يعني أن بوسع هذه الشعوب، التي رضيت أن تترادف كلماتها في معجم واحد، وخاصة المعجم العربي الذي قبِل أن يرحّل المئات من المفردات والعبارات المحلية إلى قاموسه، أن تكون قادرة على الترادف أيضاً في عالم واحد بلا حروب.
 

الوحدة

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية