للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الهوية الثقافية بين منهجية الحوار ومذهبية الصراع بين الحضارات

د. أيمن وزيري

 

لقد حظت الموروثات الثقافية العربية أو ما يُمكن أن نُطلق عليه مُسمى العروبيات القديمة وما يكمن فيها من آداب ولغة وموروثات حضارية إهتمام العديد من المفكرين والباحثين العرب والأجانب أيضاً وذلك منذ أمدٍ موغلٍ في القدم نظراً لكونها الفلك المداري الذي يدور في فلك المجتمع والحياة الفكرية والحضارية ، ومنها كان منبع الدراسات اللغوية ورافد الدراسات الألسنية حتى غدت علوم اللسانيات بمثابة الفلك العام والاطار الجامع الذي اتخذت فيه اللغة بما لها وما عليها رافداً من روافد  البحث والدراسة ومن خلال ذلك ثار المثار القائل بوجود علاقة ضرورية أو لزومية بين الألفاظ والمعانى والمتوارثات شأنها شأن العلاقة الحتمية بين النار والدخان . وتُعتبر الحضارة تجسيداً وبلورةً للثقافة التي هي عبارة عن منبع العادات والتقاليد والمُعتقدات البشرية التي تمتاز بسمات مُستقرةٍ في أغلب الأحيان ، كما إنها بمعنىٍ آخرٍ تعبيراً عن مجموع الإستجابات والمواقف التي يواجه بها شعب من الشعوب ضرورات وجوده الطبيعي بما تحمله وتحتوي عليه من عادات وآداب ومتوارثات ثقافية واجتماعية وكذلك سياسية واقتصادية. والحضارة كثيراً ما تُعرف بكونها التجسيد العملي لتلك الاستجابات والمواقف، وهي بالتالي تنزع إلى العمومية خلافاً للثقافة التي تنزع إلى الخصوصية ، كما إننا نعني بها– أي الحضارة- " ذلك الطور الأرقى في سلم تقدم الإنسان.  وتُعرَّف أيضاً- أي الحضارة- بأنها مجموعة المفاهيم الكائنة عند مجموعة من البشر، وما ينبثق عن هذه المفاهيم من مُثل وتقاليد وأفكار ونظم وقوانين ومؤسسات تعالج المشكلات المتعلقة بأفراد هذه المجموعة البشرية وما يتصل بهم من مصالح مشتركة ، أو بعبارة مختصرة فهي مفاد   "جميع مظاهرة النشاط البشري الصادر عن تدبير عقلي" ، بيد أن أشمل تعريفات الحضارة ذلك التعريف القائل بأن الحضارة تعني "الحصيلة الشاملة للمدنية والثقافة؛ فهي مجموع الحياة في صورها وأنماطها المادية والمعنوية"، وهو تعريف يُشير إلى جناحي الحضارة وهما : المادة والروح، وذلك لملائمة فطرة الإنسان المفطور عليها وأيضاً حتى تتجاوب مع مشاعره وعواطفه وحاجاته، كما إنه يُشير أيضاً إلى عناصرها وفعالياتها التي يمكن حصرها فيما يلي: 
تصور الحياة وغايتها .
المقومات الأساسية التي تقوم عليها .
المنهج الذي يستوعبها . 
النظام الاجتماعي الخاص بها.
وعلى ذلك فينتج المفهوم المُعبر عن" الحوار بين الحضارات " والذي يعني :
تلاقح الثقافات الإنسانية ومثاراتها الكامنة في هذه الحضارات .
تفاعل أو صدام سياسي مُتبادل كامن في طيات هذه الحضارات .
إمتزاج إجتماعي مُنضبط بين هذه الحضارات 
صدام إجتماعي حاد بين هذه الحضارات .
تبادل تقني –تكنولوجي- نفعي بين هذه الحضارات 
صدام تقني صارم بين هذه الحضارات .
  ومما سبق ينتج الجانب الثاني الذي يكمن في عملية تناحر الحضارات ما بين مذهبية الصراع ومنهجية الحوار؛ حيث يحفل التاريخ البشري بالكثير من الشواهد الدالة على أن الصراع أحد سمات الاتصال البشري نظراً لكونه عاملاً مؤثراً في تكوين الحضارات والتعبير عن كيفية انتقالها وتوارثها عبر الأجيال ، وبقدر ما كانت الحروب سبباً للدمار، إلا إنها أدت إلى إنتقال المعرفة وغيرها من مكونات ومقومات الحضارة أو على الأقل كانت سبباً مُعبراً عن عملية الإنتقال تلك، وفي الوقت نفسه كان للعلاقات السليمة والحوار دور كبير في تحقيق التواصل الحضاري وبناء الثقافات . وتغدو الشواهد الدالة على ذلك كثيرة غير إن الجانب الأكبر من الإنجاز الحضاري لم يكن ليتم لولا الله ، ثم الحوار كمنهج حضاري للتفاهم والتعايش بين الحضارات، وذلك فضلاً عن مراعاة خصوصية كل حضارة واحترامها لمبادئ وقيم الحضارات الأخرى.  وعلى ذلك فإن حوار الحضارات يتجلى في عملية التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب والقدرة على التكيف مع الأفكار المُخالفة والتعامل مع جميع الآراء الثقافية والدينية والسياسية. وقد تعددت أهداف وميادين عمل ومجالات الحوار الحضاري والتي من أهمها التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري. فضلاً عن إن الحوار الحضاري يُعد وسيلةً أساسيةً لتجنب الصراعات والوصول إلى التفاهم بغية دحض التصادم الحضاري، ومن أهم مجالات الحوار الحضاري ما يلي : 
المجال الديني: الذي يتجلى في الحوار بين الديانات السماوية وباقي الديانات الوضعية . 
المجال السياسي: هو الحوار بين مختلف التيارات السياسية. 
المجال الاقتصادي: هو التعاون الاقتصادي بين الدول في مختلف النشاطات الاقتصادية .
    وقد تم إنشاء العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات التي تنادي بترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام ، وقد تبنى المعنيون بذلك هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالمين الشرقي والغربي حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه وقد حددت الأمم المتحدة عام 2001 م عاماً مُختصاً بحوار الحضارات وعينت مندوباً مُتخصصاً لهذا المنصب. ولكن علينا الرجوع إلى الأصل في ذلك ، ولعل ذلك يتجلى في الديانات السماوية ؛ فالأصل في علاقات الشعوب والأمم هو التعارف والتحاور كما قال الخالق سبحانه: بسم الله الرحمن الرحيم (يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) صدق الله العظيم . ويستنتج من ذلك بطلان دعوى صامويل هانتنجتون – صاحب كتاب صدام الحضارات - إذ يرى أن التفاعل بين العالم الشرقي والإسلام والعالم الغربي كان تعبيراً عن صدام الحضارات . وهذا الزعم يبدو عارياً من الصحة ؛ إذ التفاعل بين الإسلام وأي حضارة أخرى – لاسيما الغرب- قائم على الأخوة الإنسانية والشراكة المعرفية والثقافية . ولقد كانت قيادة الدنيا في وقتٍ ما شرقية بحتة ، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية ، ثم نقلتها النبوات إلى الشرق مرة ثانية ، ثم غفى الشرق غفوته الكبرى ، ونهض الغرب نهضته الحديثة فورث الغرب القيادة العالمية ، فلم يتبق إلا أن تمتد يد شرقية قوية للافاقة من هذا الغفوة والثبات العظيم . 


 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية