
ينبغي للإعلام العربي أن يلعب دور القائد لا المنقاد
سيد أحمد رضا
مرتدياً قفطانهُ اللؤلؤي وطربوشه الأحمر، ألقى الإعلامي المغربي «الطاهر الطويل» مساء الاثنين (25 نوفمبر) في «بيت عبد الله الزايد لتراث البحرين الصحفي» محاضرة بعنوان «الإعلام العربي بين شروط المهنية ومتطلبات التفاعل مع قضايا الأمة» والتي جاءت ضمن موسم «الثقافة لغة الكون» لمركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث.
بدءاً من النظرة الحالية للإعلام، وقبل أن يقسم الطاهر الطويل محاضرته إلى خمسة محاور أشار إلى أن النظرة الحالية للإعلام لا تنحصر على كونه مجالاً مناسب للاستثمار الاقتصادي، إنما أضحى كذلك مجالاً للاستثمار السياسي والإيديولوجي «إذ أن وسائل الإعلام غدت أدوات مفضلة لدى مالكيها والمتحكمين بها للاستقطاب والتأثير على الرأي العام» وسواء كان هذا التأثير سلبياً إم إيجابياً فأن هذه الوسائل باتت لدى الكثيرين وسيلة تضليل وتمويه وإخفاء للحقائق، مخالفة بذلك ما جُعلت لأجله وهو الخبر الصادق والحقيقي!
ويقف وراء هذا الدور عاملين أساسيين هما «التعبئة لسلطة الحكومات والأنظمة، أو لسلطة المال والممولين» وهذا ما يره الطاهر منطبقاً على العديد من دول العالم، خاصة عالمنا العربي «الذي يشهد غزارة في مختلف الوسائل الإعلامية، بما فيها الإعلام الجديد».الإعلام والاتصال
وانطلاقاً في المحور الأول «الإعلام والاتصال» ابحر الطاهر في مصطلحات الخبراء العالميين في هذا المجال، معرجاً على تعريف الصحافة المحكومة بقواعد مضبوطة من حيث التقنيات والمضمون. مؤكداً على أنه لا يوجد تعريف محدد للصحافة، لكنها «استعداد طبيعي قبل كل شيء».
واشار الطويل إلى أن بجانب مصطلحي الإعلام والصحافة يستخدم مصطلح الاتصال الذي أضحى مفهوماً جديداً لحرية التعبير الذي هو حق من حقوق الإنسان، وقد تابع حديثه عن ارتباط مفهوم الاتصال بمجموعة من المتغيرات التي طرأت على الساحة الدولية ومن ضمنها بروز وسائل جديدة للإعلام والاتصال، بالإضافة لتنامي الوعي المجتمعي، والانتباه لضرورة التكافل في مواجهة المشكلات التي تواجه البشرية جمعاء.
وقال الطويل بأن الحق في الاتصال يتجاوز حريات الصحافة والإعلام إلى أسس الدمقراطية، فالاتصال يفقد معناه إذا لم يكن اختياراً بين اتجاهين وتبادل بين متساويين. وهذا ما حققه الإعلام الجديد، فقد أضحى هذا الإعلام يمثل العلاقة التكافئية والندية، إذ لم يعد المتلقي مجرد مستهلك سلبي بل بات متفاعلاً مع الرسالة.
مفهوم الأمة
يتابع الطاهر الطويل تشريح عنوان محاضرته، حيث يتناول في المحور الثاني «تعريف الأمة» استناداً إلى العديد من المرجعيات التي ترى بعضها بأن الأمة مفهوم يتأسس على الأرض واللغة المشتركة، فيما تذهب مرجعيات آخرى إلى تعريف الأمة بالشعب واللغة والدين والثقافة، بينما تذهب آخرى إلى القول بأن الأمة تولد انطلاقاً من تجمع إداري، وهي بمثابة استفتاء يتجدد كل يوم، بالإضافة لكونها مبدأ روحي ونتاج ماضِ طويل من الجهود والتضحيات.
وبناء على ما سبق يعرف الطاهر الأمة في عنوان محاضرته بالأمة العربية التي يجمع كل أفرادها روابط اللغة والدم، وبما في ذلك الخصوصيات والمعالم التي تختلف من بلدٍ عربي لآخر لكنها لا تعبر إلا عن تنوعٍ في إطار الوحدة كما يقول.
أدوار الإعلام ووظائفه
للإعلام ثلاث وظائف رئيسية اتفق عليها المختصين وهي الإخبار والتربية والترفيه، وقد أسهمت العديد من التحليلات في إضفاء وظائف آخرى كما يقول الطاهر الطويل، حيث بات تجميع الاخبار والبيانات والصور والمعلومات ومعالجتها وبثها إحدى الوظائف التي تهدف لفهم الظروف الشخصية والبينية التي تمكن المتلقي من الوصول إلى وضعٍ يمكنه من اختيار الخيار الصحيح.
ويتابع الطويل سرد الوظائف، كوظيفة التوحيد والمشاركة والتي يعني بها توفير رصيد مشترك من المعرفة يمكن أفراد المجتمع من التعايش، بالإضافة لوظيفة خلق الحوافز والدوافع، ووظيفة الحوار والنقاش «وذلك لكون أجهزة الإعلام مساعدة على تبادل المعلومات وتلاقــح الأفكار». فيمــا تقتضي وظيفــة التكامل مهمة إبلاغ المجتمعات أصواتهم ووجهات نظرهم ليصب كل ذلك في وظيفة خدمة المجتمع.
مواثيق وأخلاقيات
وضعت للممارسة المهنية شروط وضوابط، وهي ما يطلق عليه أخلاقيات أو قواعد السلوك المهني، وتستند هذه الأخلاقيات كما يقول الطاهر إلى «نصوص القانون الدولي، ولمواثيق المنظمات الإقليمية والمحلية والوطنية، بالإضافة للمواثيق الخاصة بالدول».
ومن بين هذه الاخلاقيات مفهومي الموضوعية والحياد، حيثُ يبين الطاهر الفرق بينهما فالموضوعية «تهدف إلى نقل الحقائق بدقة وأمانة» فيما يعني الحياد، أن لا تكون مع هذا وذاك «بمعنى أن لا تكون مع نفسك ولا مع غيرك» وهذا ما يراه الطويل «امراً يتعارض مع أولى الأسس التي يقوم عليها الإعلام باعتباره مرآة للمجتمع ومدافعٌ عن قضاياه».
فوسائل الإعلام برأي الطويل لا يمكن إلا أن تكون منحازة للقضايا الوطنية، فيما الحياد «هروب من المسؤولية الاجتماعية».
ويذهب الطاهر إلى أن مواثيق الشرف العربية لا تخرج عن المبادئ الكونية المنظمة لمهنة الإعلام، فالمواثيق الصحفية تشدد على ربط مبدأ الحرية بالمسؤولية، والدفاع عن حرية الشعوب العربية وأهدافها الوطنية والقومية، دون أن يشكل ذلك دعوة إلى الانخراط أو الانعزال عن حركة العالم من حولنا.
الإعلام القائد
تنشغل الأمة العربية بالعديد من القضايا الرئيسية التي ينبغي أن يلعب الإعلام فيها دور القائد لا المنقاد، المآثر لا المتأثر، الفاعل لا المتفاعل، وهي قضايا ترتبط بتطور حقوق الإنسان في المنظومات القانونية الوطنية وفي الممارسة العملية كما يرى الطاهر الطويل.
ويضيف بأن الإعلام حينما يكون قائداً يساهم في تعزيز قيم الديمقراطية، والتنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعليمية، بالإضافة لمراعاته حرية المرأة وتحسين صورتها، وتمكينها من كافة حقوقها. كما لا يجب عليه أن يغفل قضايا الطفولة، وذوي الاحتياجات الخاصة، وحماية الهوية العربية، وإبراز مقومات الأمة، وإيلاء أهمية قصوه للغة العربية.
فالإعلام العربي مطالب بأن يعكس مبادئ الحرية الموجودة في المجتمع، كما يقول الطويل، ولا يجب عليه أن يكون أحادياً في خطابه ومضمونه، وذلك ليتمكن المواطن من حرية الاختيار. فنجاحه مرهون بتحمل مسؤولياته في خدمة الوطن والمواطن، وعند إذ يمكن للمواطن العربي أن يحضا بوسائل إعلام شعبية صحيحة، ويمكن أن يبرز إعلاماً على مستوى متقدم من المهنية والمسؤولية الاجتماعية.
السير عكس التاريخ
على هامش المحاضرة ابدى العديد من الحضور تفاعلهم، وقد انتقد أحدهم ما قدمه الطويل، معتبراً إياه سيراً عكس التاريخ، حيث أشار المتحدث إلى كون الطاهر يتحدث عن الإعلام الرسمي أو المنظم في حين شكك المتحدث في مستقبل هذا الإعلام الذي اصبح إعلاماً مؤسساتياً ينقسم إلى إعلام حكومي، وإعلام تابع للمستثمرين.
ورأى المتداخل بأن هناك إعلاما آخر هو الإعلام الحر والحقيقي المتمثل في الإعلام الالكتروني من مدونات وفيسبوك، وغيرها من وسائل التواصل التي يرى فيها أكثر حياة من الإعلام الرسمي بكل مناحية وتجلياته، والتي لا مستقبل له أمام الزخم الكبير للإعلام الجديد.
فيما اختتم الطاهر بالتنويه إلى أن حديثه كان عن الاتصال وحق المعرفة بالشكل الصحيح وليس بالشكل الفوضوي الذي يثار في العديد من المواقع، مشيراً إلى إشكالية مصدر الخبر التي تطرح في عالمنا العربي.
الأيام
|
|
|