تعاون حذر بين منصات موكس والجامعات العربية
سعياً وراء تعلم لغة البرمجة دون أي تكلفة مادية أو التزام بوقت محدد، التحق عماد الدين نصار، طالب في كلية الهندسة في جامعة الإسكندرية في قسم الإنتاج والهندسة الصناعية، بمساق تدريبي مفتوح باللغة العربية على منصة إدراك، منصة إلكترونية عربية للمساقات الجماعية مفتوحة المصادر”موكس”.
قال “أنهيت المرحلة الأولى، كانت سريعة وممتعة وخالية من الملل.”
مع ذلك، لم يخل التدريب من بعض السلبيات.
قال نصار”أسئلة التقييم قليلة وسهلة.” مشيراً إلى أن شهادات إتمام المساق تصدر باللغة العربية، الأمر الذي قد يعيق تضمينها مع سيرته الذاتية عند التقدم للعمل مع مؤسسات أجنبية.
قال “الدراسة باللغة العربية أفضل وأسهل بالنسبة لي، لكني كنت أفضل الحصول على الشهادة باللغة الإنجليزية لمساعدتي في الحصول على فرصة عمل.”
رداً على ذلك، تعتزم منصة إدارك توفير خيار اختيار لغة إصدار الشهادات للطلاب قريباً.
اليوم، يستخدم منصة إدراك نحو مليون شخص. بينما يستخدم منصة رواق، ثاني أكبر منصة بعد إدراك، أكثر من 600 ألف مستخدم. ( وتشير كلمة “مستخدم” إلى كل شخص يسجل حساباً على المنصتين، بينما تفضل إدراك استخدام كلمة “طالب”). علماً بأن كلتا المنصتان انطلقتا عام 2013.
تعمل منصات “موكس” العربية في سياق دولي لاقت فيه هذه المساقات الإلكترونية إقبالاً واسعاً. وكان مصطلح “موكس” قد ظهر في عام 2008 بهدف توفير دورات تعليمية مجانية تتيح لآلاف الطلاب تحديد طريقة تفاعلهم مع المساقات. وحقق مساق في الذكاء الإصطناعي، قدمته جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة نجاحاً غير مسبوقاً، حيث سجل فيه 160 ألف مستخدم من 190 دولة.
نتج عن الشعبية التي حصلت عليها منصات موكس، بعض التكهنات بأنها قد تشكل تهديداً لمكانة الجامعات كوجهة للتعليم الجامعي. لمواجهة ذلك سارعت جامعات عديدة، ضمن مجهودات بعضها ربحي وآخر غير ربحي، لإنتاج مساقات إلكترونية وإتاحتها للطلاب.
لكن هذه الحماسة لم تدم طويلاً، عندما اتضح أن أقل من 10 بالمئة من الطلاب الذي يلتحقون بالمساقات الإلكترونية يكملونها بالفعل. في الشهر الماضي، كتب أستاذ في التاريخ، بجامعة كولورادو الأميركية، من المعروف عنه انتقاده لفكرة التعليم الإلكتروني، أن موكس في سبيلها للإندثار، في إشارة منه أن العديد من منصات موكس تحولت إلى تدريب ذات طبيعية ربحية، ومن ثم لم تعد تهدد مكانة الجامعات كوجهة للحصول على التعليم الجامعي.
في العالم العربي، وبينما تكافح الجامعات للوصول لآلاف الطلاب، مع توفر عدد قليل من الأساتذة المؤهلون، يشعر كثير من العاملين في المجال التعليمي أن منصات موكس لديها فرص في الازدهار.
بالرغم من ذلك، فإن المساقات المتاحة يُعد نسبياً قليل، أنتجت إدراك 54 دورة، منها أربع مساقات متاحة حالياً (في وقت نشر هذا التقرير) تتضمن هذه الدورات إدارة المنتجات الإلكترونية، الرياضيات التحضيرية و الحياة، فيزياء الحركة 2، التفكير الفعّال من خلال الرياضيات.
بحسب مؤسسة إدراك، فإن هناك 81 ألف طالب استكلموا المساقات على المنصة، لكن في الوقت نفسه هناك العديد من الطلاب يهتمون فقط ببعض الوحدات الدراسية داخل المساقات، وكذلك البعض يريد أن يجرب المساقات. ويمكن للذين تمكنوا من استكمال المساقات عرض هذا من خلال شارة واضحة علي موقع بيت، الذي يمكن القول أنه أكثر مواقع التوظيف شعبية في العالم العربي. تطور إدراك الآن نظاماً يمكن وفقه أن يتأكد أصحاب العمل ما إذا كان شخصاً ما استكمل مساقاً.
قالت شيرين يعقوب، رئيسة مجلس إدارة منصة إدراك، “نأمل أن نضيف 35 مساقاً خلال الفترة القادمة.” مشيرة إلى أن زيادة عدد المساقات يتطلب وجود تمويل أكبر وعقد شركات أكثر مع مؤسسات تعليمية .
وأضافت يعقوب أن معظم المساقات الحالية تقدم المستوى التمهيدي، إضافة إلى بعض المساقات للمستوى المتوسط، ويتضمن ذلك المساقات التي يتم تقديمها بترخيص جزئي (وتعريب) من موقع هارفارد إكس وموقع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إكس، وتهدف إستراتيجية إدراك إلى تقديم المزيد من المساقات للمستوى المتوسط والمتقدم والمساقات التخصصية.
وأوضحت يعقوب أن اختبارات التقييم في المساقات، التي تقدم بنظام الوحدات الدراسية بالتعاون مع الجامعات الأردنية، هي ذاتها ما تستخدمها الجامعات لتقييم الطلاب، كما تتوافق الامتحانات التي تقدم لمستوى الشهادة الثانوية على المنصة، مع مستوى الاختبارات التي تقدم في المدارس الوطنية.
أما رواق فوصل مجموعة مساقاتها حتى الآن 200 مساقاً منهم 26 مساقاً يقدم حالياً. قال فؤاد الفرحان، المؤسس المشارك في منصة رواق، إن نسبة إكمال المساقات على المنصة تصل إلى 20 بالمئة.
تعاني كلا من المنصتين من صعوبات في إيجاد شركاء أكاديميين متحمسين لإنتاج مساقات إلكترونية. قال الفرحان “لم تبد الجامعات رغبة جدية في التعاون، معظمهم يرغبون في التريث لاختبار فرص نجاح الفكرة. لذلك قررنا البحث عن أسلوب خاص لإنتاج المناهج.”
تتعاون رواق مع أكاديميين في جامعات عربية مختلفة، وتقدم مساقات في 9 تخصصات مختلفة هي: الاقتصاد والإدارة، والعلوم والتكنولوجيا، والتربية والتعليم، والطب، والأديان والمذاهب، والعلوم الاجتماعية، والهندسة، والثقافة والفن، والتاريخ.
على سبيل المثال، يقدم الدكتور نزيه العثماني، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحسابات في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة مساقاً بعنوان “مقدمة في الهندسة الطبية وتطبيقاتها”.كما يتم تقديم مساقات عديدة مع عدد من الخبراء غير الأكاديميين كمساق عن لغة البرمجة بلغة السي يقدمه المطور المستقل الحسن العبدلي.
قال الفرحان” لسنا جهة أكاديمية، نحن منصة وسيطة لنشر العلم والمعرفة، نحاول توصيل محتوى جيد للراغبين في التعلم الوطن العربي.”
تبدو إدراك أكثر حظاً في مجال التعاون مع المؤسسات الأكاديمية. إذ تتعاون المنصة اليوم مع عشرة جامعات سبعة منها أردنية، بالإضافة إلى الجامعة الأميركية في القاهرة والجامعة الأميركية في بيروت والجامعة الألمانية في الأردن. تتبع منصة إدراك مؤسسة الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن، وهي مؤسسة تتخذ من الأردن مقراً لها.
لكن يبقى عدد الجامعات العربية المشاركة في التجربة حتى اليوم ضئيلاً مقارنة بعدد الجامعات في العالم العربي الذي يزيد عن 600 جامعة، بحسب إتحاد الجامعات العربية.
تعتقد منى يونس، باحثة وطالبة دكتوراه في مجال التعليم عن بعد في جامعة لانكسترا بالمملكة المتحدة، إن “الجامعات تحتاج لاختبار ثقل ومصداقية المبادرات الناشئة قبل التعاون معها.”
مضيفة إلى أن كثير من الجامعات لا زالت في أولى خطواتها لتحويل مناهجها الورقية إلى رقمية. قالت “يبدو التعاون مع أكاديميين بشكل فردي أو ترجمة بعض المساقات الجاهزة للغة العربية حلاً واقعياً.”
بدورها، لا ترى مها بالي، الأستاذة مشاركة في مركز التعليم والتدريس في الجامعة الأميركية في القاهرة، أن هناك مشكلة في التعاون مع جهات غير أكاديمية لإنتاج المحتوى.
قالت “بعض المواضيع لا تدرس بالأساس في الجامعة مثل مهارات كتابة السيرة الذاتية.”
يبدو الفرحان متفائلاً بإمكانية تحمس بعض الجامعات في المنطقة العربية للتعاون قريباً.
قال “أتوقع تغيير قريب في توجه الجامعات خاصة بعد نجاحنا في استقطاب أعداد جيدة من الشباب العربي. سيكون ذلك أمراً عظيماً، خاصة وأن الكثير من مستخدمينا يبحثون عن فرص تدريبية تقدم شهادات معتمدة.”
مؤخراً، بدأت منصة إدراك في التعاون مع الجامعة الألمانية في الأردن لتقديم ما يُسمى التعليم المزيج blended education حيث يتم تقديم جزء من الدروس من خلال منصة إدراك، ثم يذهب الطلاب لمناقشة ما تم تدريسه في الصف.
قالت يعقوب ” أن تقرر جامعة أخرى أن تتبنى التجربة موكس هو دليل على موكس، والتعليم الإلكتروني، لم يعد ثقف أسود، يخشى الجميع الاقتراب منه، ولكن يحتاج الأمر المزيد من الوقت.”
الفنار للإعلام
|